كيف يتعامل المستثمرون مع عدم اليقين الحالى؟
لــم يكن رد فعل ســوق األســهــم، األســبــوع املـاضـى، مفاجئاً ملن يتابعون سلوكيات املستثمرين عن كثب، ألنه سلوك يؤكد مجدداً القناعات التى ترسخت بالفعل لدى املستثمرين، والتى هيأتهم للشراء فى فترات تراجع السوق، كما أنه سلوك جعل مدى ووقت موجات البيع أقصر بقدر كبير.
وفى أسبوع اتسم بتحركات ملحوظة فى أسواق الدخل الثابت والعمالت، مبا فى ذلك سندات اخلزانة األمريكية آلجل 10 سنوات والتى تراجعت الدنى مستوى لها فى ،2017 وهبوط الــدوالر ملستويات لم حتدث منذ ثالث سنوات، تعافت مؤشرات األسهم األمريكية من أول يوم تداول أسبوعى صعب.
وبنهاية األســبــوع، لـم يتغير مستوى تـــداول مؤشر «داو جونز» الصناعي، فى حني هبط مؤشر «ستاندرد أند بـورز» بنسبة %0.6 فقط، وارتفع مؤشر التقلبات «فيكس» إلى %12.1 فقط.
وخالل هذه العملية وضع املستثمرون وراء ظهورهم املشكالت الكبيرة غير املحلولة املتعلقة بتهديدات كوريا الشمالية النووية، والضرر الضخم واحلقيقى إلعصارين كبيرين، وعدم اليقني بشأن القيادة املستقبلية لالحتياطى الفيدرالى، واملراجعات الهبوطية الكبيرة للنمو اليابانى.
وفـــــــى الـــــواقـــــع، كــانــت هــنــاك أنــبــاء إيــجــابــيــة لـــأســـواق األســــبــــوع املـــاضـــى، وهــــــــى املــــراجــــعــــة الـصـعـوديـة لتوقعات النمو مـن جـانـب البنك املــركــزى األوروبــــى، واالتـفـاق املفاجئ بني الرئيس دونالد ترامب وأعضاء الكوجنرس الدميقراطيني، مما أزاح شبح خرق سقف الديون فى أكتوبر.
وفى الوقت نفسه، سمحت تصريحات «الفيدرالى» للمستثمرين بتأجيل املوعد املتوقع للرفع القادم ألسعار الفائدة، وانخفضت توقعات الرفع فى ديسمبر إلى أقل من .%30
والتأثير الصافى لهذه التطورات يلقى بعض الشك على اآلفاق العاملية االقتصادية والسياسية واجليوسياسية، حتى األنباء اجليدة املحببة جاءت مع قيود.
فعلى سبيل املـثـال، خفض أيضاً املـركـزى األوروبــى توقعاته للتضخم، مسلطاً الضوء على أن األمور ليست جميعها جيدة فى األفق الدورى االقتصادى ألوروبا.
كما أن هناك اختالفاً واسعاً فى اآلراء بني املعلقني السياسيني فيما يتعلق مبا إذا كان االتفاق بشأن سقف الديون سيعزز أو يقلل احتمالية موافقة الكوجنرس الحقاً على اإلصالحات الداعمة للنمو فى النظام الضريبى والبنية التحتية.
وما أوضحه رد فعل السوق األسبوع املاضى مجدداً هو رغبة املستثمرين فى غض الطرف عن عدم اليقني الكبير وغير املعتاد، فهم اليزالون مرتاحون للغاية لفكرة أن البنوك املركزية ستواصل حمايتهم، وان النقدية لدى الـشـركـات ستواصل التدفق إلى األسـواق عبر األربـــاح املوزعة وعمليات إعادة شرء األسـهـم، وأيـضـاً إلى معتقد أن االقتصاد العاملى يخوض ارتفاعاً مـــتـــزامـــنـــاً فـــى أكــبــر االقتصادات.
وبالفعل، كافأت هذه األفكار ببذخ املستثمرين الذين تبنوها واشـتـروا فى أوقــات التراجع بغض النظر عن أسبابه.
وسواء كانت هذه األفكار صحيحة أم ال، فهى ال تقلل بشكل مباشر من عـدم اليقني الـذى تفرضه األوضـاع اجليوسياسية والسياسات الوطنية، وفعلياً فضلت أسواق األسهم جتاهلهم ألنه يصعب تقدير تأثيرهم كما أنهم حتى اآلن كان لهم تأثير محدود.
ويعد هذا املوقف فى األسواق مألوفا لدى من يدرسون االستثمار السلوكى، وهو موقف له عالقة بعناصر فى علم األعـصـاب وعلم النفس، والتى تؤثر على سلوك املستثمرين - رغبة منهم للعودة إلى منطقتهم املريحة -والتى تؤدى إلى تقييمات متفائلة للمخاطر، ولكنه أيضاً موقف يخضع الحتمالية انقالب كبير ومفاجئ، خاصة إذا تطورت واحــدة أو أكثر من الشكوك بطريقة غير محبذة.
وحـــتـــى اآلن، فــعــل املــســتــثــمــرون خـــيـــراً بــتــزويــد استراتيجياتهم االستثمارية بجرعة مناسبة من االستثمار التكتيكى، وبذلك هم يحملون املؤسسات (وهنا أقصد البنوك املركزية) بعض مخاطر عـدم اليقني، وهـو ما يجعلهم اكثر جرأة لتحمل املزيد من املخاطر فى األسواق والسيولة.
ولكى ينجح هــذا النهج على املــدى البعيد، ينبغى حتقق عامل واحد على األقل من العاملني التاليني مع الوقت، األول حتسن فى األسس االقتصادية بحيث تعطى أساساً سليماً ألسعار األصول احلالية، والثانى قدرة على الصمود ومرونة كافية من قبل املستثمرين متكنهم من حتمل أسعار اكثر واقعية لأصول فى العالم املضطرب الذى نعيش فيه.