كريس باتِن
فـــي أيامنـــا هذه، نســـتطيع أن نصـــف الغرب أنـــه منحل وفاســـد. وهذا لا يعني ببســـاطة أننا مدمنون على »الخبز والسيرك« )أســـاليب الاسترضاء الســـطحية)، من برامج الرفاهـــة الاجتماعية في أوروبا (التـــي لا يمكننا تحملها إلا بالكاد) إلى بطولة دوري كرة القدم الأمريكية في الولايات المتحـــدة. بل يعني أيضا أننا عازفون على نحو متزايد عن السماح لرؤيتنا للحريات المدنية وحقوق الإنسان بتشكيل سياستنا الخارجية، نظرا للتكاليف التجارية المحتملة.
لنتأمـــل هنا حالة المعارِض الصينـــي الحائز على جائزة نوبل للســـلام ليو شياو بو، الذي توفي مؤخرا أثناء تنفيذه حكم الســـجن لمدة 11 عامـــا لأنه دعا إلـــى الديمقراطية في الصين. فقد رفضت الســـلطات الصينية الطلب الذي تقدم به ليو قبل أسابيع فقط من وفاته للسفر إلى الخارج للعلاج من السرطان الشرس الذي أوهنه، وما زالت زوجته قيد الإقامة الجبرية.
الحـــق أن معاملـــة الصيـــن للمعارضين من أمثـــال ليو لا توصـــف بأقـــل من وحشـــية. ومع ذلك، لم يقـــدم القادة الغربيون ســـوى قِلة من التصريحات الدبلوماسية الدقيقة الصياغة في انتقادها.
ولا يســـعني إلا أن أتســـاءل عن عـــدد القـــادة الغربيين الذين أثاروا في الســـنوات الأخيرة قضية ليو مع نظرائهم الصينييـــن وراء الأبواب المغلقة. مـــن المؤكد أن الفرص كانـــت وفيرة، بما في ذلك في اجتماع مجموعة العشـــرين هذا الصيف، عندما كان ليو على فراش الموت.
ولكن يبدو مـــن غير المرجح أن يكـــون القادة الغربيون واجهوا الرئيس الصيني شـــي جين بينج في هذا الشـــأن. فعندمـــا حصل ليـــو على جائـــزة نوبل في العـــام 2010، وحاولت الصين الغاضبة نبذ النرويج، لم يُعِرب الغرب عن استيائه ولم يُظهِر تضامنا حقيقيا مع الدولة حليفة الناتو.
وعلى نحـــو مماثل، مـــرت معاملة الصيـــن لهونج كونج دون معارضـــة من قِبَل القادة الغربييـــن. ويبدو أن الصين عازمة على انتهاك التزاماتها المنصوص عليها في »الإعلان المشـــترك« الموقع مـــع المملكة المتحـــدة والذي يقضي بالحفاظ علـــى طريقة حياة المدينة وســـيادة القانون إلى العام 2047. وبالفعل هددت الصين اســـتقلال الســـلطة القضائية، واستقلال الجامعات، وحرية الصحافة. ومع ذلك لم نر ســـوى القليل من المقاومة من الغرب، بما في ذلك المملكة المتحدة.
تُرى ما الســـبب وراء عـــزوف الدول الغربيـــة عن انتقاد ســـلوك الصين بصـــوت أعلى وأكثـــر تماســـكا؟ يبدو أن الإجابة هي »المال«.
فاليونـــان التـــي تدعـــي بفخـــر أنهـــا مهـــد الديمقراطية يحكمها قادة نشـــأوا إلى حد كبيـــر على معارضة الحكومة العســـكرية الاســـتبدادية. ومع ذلك، منعت حكومتها التي تعانـــي من ضائقة مالية الاتحاد الأوروبي من انتقاد ســـجل الصين في مجال حقوق الإنســـان في الأمـــم المتحدة، لأن الصين توفر اســـتثمارات بالغة الأهمية، وخاصة من شركة الشـــحن البحري الصينية المعروفة باســـم كوسكو، والتي اســـتحوذت في أغســـطس 2016 على حصة الأغلبية في ميناء بيراوس. وتحول رئيس الوزراء اليوناني أليكســـيس تســـيبراس -اليســـاري المتطرف المفترض الذي أسمى ابنه إرنســـتو تكريما لتشـــي جيفـــارا- إلـــى ألعوبة في يد الصين.
ويتجلى إفـــلاس الغرب الأخلاقي أيضـــا في مكان أقرب إلـــى الديار. إذ يواصل الاتحاد الأوروبـــي الامتناع عن إدانة جرائـــم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تفاخر بإيمانـــه بالديمقراطيـــة غيـــر الليبراليـــة (وهـــو مصطلح متناقـــض في الأســـاس). ففي ظـــل قيادة أوربـــان، كانت انتهـــاكات اتفاقيات حقوق الإنســـان فـــي معاملة اللاجئين مصحوبة بحملة شرســـة ضـــد المجتمـــع المدني، وخاصة المنظمات التي تتلقى التمويل من خارج البلاد.
وبين أهداف القمع البارزة كانت جامعة أوروبا الوسطى، معقل المناقشـــة المفتوحة والتدريس والبحث في المجر، والتي مولها جورج سوروس. حتى أن أوربان ذهب إلى حد إحياء بعض صور معاداة الســـامية الأكثر بشاعة في المجر في ثلاثينيات القرن العشـــرين (عندما كانت المجر حليفة لألمانيا النازية) لشيطنة سوروس.
والعجيب أن أوربان ذاته تعلم في جامعة أكسفورد (التي أتولى رئاســـتها) على منحة دراســـية ممولة من سوروس، كمـــا درس هناك على المفكـــر الليبرالي العظيم أشـــعيا برلين.
وحتـــى مع رفض المجر بقيادة أوربان التزاماتها بموجب عضويتها في الاتحاد الأوروبـــي، فإنها تتلقى أكثر من 5.5 بليون يورو (6.4 بليون دولار أمريكي) من الاتحاد الأوروبي كل عام، في حين تساهم بأقل من بليون يورو في الميزانية المشتركة. لماذا إذن يدفع المواطنون الأوروبيون كل هذه الأمـــوال لحكومة تتعالى عليهم وتشـــبه الاتحـــاد الأوروبي بالاتحـــاد الســـوفييتي؟ على أقـــل تقدير، ينبغـــي للاتحاد الأوروبـــي أن يطبق أحكام معاهدة لشـــبونة التي تســـمح لـــه بتعليق بعض حقوق الدول التـــي تخرق قواعده وتُبدي الازدراء لمعاييره وقيمه.
الواقع أن ســـلوك حكومة حـــزب القانـــون والعدالة في بولندا -التـــي تُظهِر أقل اهتمام بالقانـــون والعدالة- تثير قضايـــا مماثلـــة. فالحكومة تعمـــل على تعديل الدســـتور، مـــن أجل إحباط الضوابط والتوازنـــات الديمقراطية. ومن الواضـــح أنها تريد مـــن القضاة أن يفعلوا مـــا يطلبه منهم الساســـة، ولا تريد تمكين وســـائل الإعلام من الإسهاب في الحديث عن ذلك الأمر. وأعتقد أن حكام الصين لن يجدوا صعوبـــة في فهم النهج الذي تتبنـــاه حكومة حزب القانون والعدالة.
وتركيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي بطبيعة الحال، ولن تلتحق بعضويته أبدا إذا اســـتمرت على طريق القمع الدكتاتـــوري الذي ســـلكه الرئيس رجب طيـــب أردوجان، وهو من كبار المعجبين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولكن إذا حكمنا على التســـامح المتزايـــد من قِبَل الاتحاد الأوروبي مع الحكم غير الليبرالي، فربما يكون بعض قادة الاتحاد الأوروبي على اســـتعداد للتفكير في إقامة علاقات أوثق مع تركيا في عهد أردوجان.
إن انحـــلال السياســـة الخارجيـــة على هـــذا النحو يهدد بتقويـــض ادعـــاء الاتحـــاد الأوروبي بأنـــه مجتمـــع القيم، وليس مجرد اتحاد جمركـــي مفخم. وكما نعلم من تجارب عشـــرينيات وثلاثينيـــات القـــرن العشـــرين، مع تســـبب الانحـــلال في توليد المزيد من الانحلال يُصبِح العالَم مكانا متزايد الخطورة وعدم الاســـتقرار. والآن حان الوقت لكي تســـعى أوروبا جاهدة -مع انضمام الولايات المتحدة إليها بعد ترك الرئيس دونالد ترامـــب منصبه- لإيجاد بوصلتنا الأخلاقية مرة أخرى.
إن انحلال السياسة الخارجية على هذا النحو يهدد بتقويض ادعاء الاتحاد الأوروبي بأنه مجتمع القيم وليس مجرد اتحاد جمركي مفخم
آخر حاكم بريطاني لهونج كونج