Al-Watan (Saudi)

أيهما أهم: التعليم أم التقييم

ليس من المعقول أن يرهق الطالب بالامتحانا­ت حتى يرتاح ولا يقلق، فتصبح المعاناة منقذا من المعاناة، دون النظر إلى تأثير ذلك على حالته النفسية

-

بدأت هذا الأسبوع فترة الامتحانات التي تبدأ للمرة العشرين أو الثلاثين خلال هذا الفصل الدراسي؛ ففي النظامين الفصلي والمقررات تصبح الامتحانات والدرجات في المركز الأول، ويتراجع الاهتمام باكتساب المعرفة إلى المركز الثاني.

لأجل ذلك، ولأن تقييم الطالب أهم من تعليمه، لم يعد المعلم مطالبا بالبراعة في طرائق التدريس وابتكار الوسائل التعليمية الهادفة، فالتصحيح يستهلك جل وقته. ولأن الوزارة تعلم ذلك، وتدرك تماما أنها جعلته في ورطة، فإنها تتطوع بإنقاذه، من خلال تحضير قوالب جاهزة للتدريس، يمكن أن يسكب داخلها أي محتوى، تلك القوالب تعرف بالإستراتي­جيات، وهي قوالب أخرى غير تلك التي تمثلها المناهج المقررة المقولبة.

ووفق قوالب الإستراتيج­يات التعليمية المعلبة تجد طلاب الصف الثالث الثانوي يدرسون حصة عن أدب حافظ إبراهيم مثلا بطريقة القبعات الملونة التي يدرس بها طلاب الثالث الابتدائي درسا عن فصائل الحيوان.

ولأن الأهل أيضا يدركون حجم الورطة التي وقع فيها المعلم، وهم يرونه دافنا رأسه طوال النهار، لا بين الكتب العلمية المفيدة في المكتبة، بل بين رزم الورق الذي يحتاج إلى تصحيح، فإنهم يتنازلون عن كثير من مطالبهم التي تتعلق بالمستوى التعليمي للطالب، ويكتفون بأن يحصل على التقدير (1) مثل بقية زملائه في الفصل، حين يكون من طلاب المرحلة الابتدائية، أو أن يعيد له المعلم الامتحان مرات ومرات ليحصل على الدرجات النهائية في بقية المراحل.

في ظل هذه الظروف يصبح الحديث عن ضعف الدافعية عند الطلاب وتدني مخرجات التعليم، من باب التحصيل الحاصل، ولا يبقى إلا طرح هذا السؤال: ما الذي تبقى في المقررات كي تعقد هذه الاختبارات النهائية؟

لا أذكر كم امتحانا امتحن طلاب التعليم العام خلال هذا الفصل الدراسي، لكني متأكدة أن الامتحانات بدأت في الأسبوع الثالث من الفصل، ولم تتوقف إلا أسبوعين، أحدهما أسبوع الإجازة، من أجل الاستعداد للامتحان بعدها، والثاني قبل هذا الامتحان النهائي، من أجل الاستعداد له، أي أن الدراسة الفعلية كانت فقط لأسبوعين دراسيين.

كثافة الامتحانات بهذا الشكل ترهق الطلاب وتحرمهم فرصة التعلم، فالطالب -مهما بلغ ذكاؤهلا يستطيع أن يجمع بين الامتحان والدرس، وكثيرا ما يسرق منه التفكير في الامتحان وقت التعلم.

قد يقول بعض المتفائلين إن الغاية من الامتحانات المتتالية المتعاقبة طوال الفصل هي تخفيف التوتر الذي يسبق الامتحان النهائي عادة، وتلك في الواقع حجة غير منطقية، إذ ليس من المعقول أن يرهق الطالب بالامتحانا­ت حتى يرتاح ولا يقلق، فتصبح المعاناة منقذا من المعاناة، دون النظر إلى تأثير ذلك على حالته النفسية، وإلى حجم الهدر المعرفي الذي يتعرض له أثناء ذلك.

أخيرا إذا كانت وزارة التعليم مصرة على ضرب الطلاب بموجات الاختبارات العاصفة طوال الفصل، فلتحاول التنويع في الاختبارات، فتجعل هذا الاختبار النهائي موحدا للطلاب، تقوم عليه لجان خاصة، ولا تتركه للمدارس، لأن الطلاب يكونون قد اعتادوا على طريقة معلميهم للدرجة التي لا يمكن معها اعتماد هذا الاختبار في قياس مستوى التحصيل المعرفي لديهم.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia