Al-Watan (Saudi)

أحمد الغز

-

أعترف أنه لدي عقدة نقص من الدراما الغربية، وأعتبر أن النص الدرامي العربي المكتوب والمصوّر غير قادر على محاكاة الضرورات العلمية والبصرية للمشاهد العربي الذي أصبح أسير الأعمال الدرامية الغربية عبر شاشة التلفزيون والآيباد والآيفون واليوتيوب وما تحمله من ملايين الساعات الدرامية التي تسيطر على وعينا ووعي أجيالنا القادمة، إذا ما بقينا بدون نص درامي عربي يصور واقعنا وأفعالنا في الحاضر والماضي، لتعريف أجيالنا على تاريخهم وواقعهم بصدق وأمانة وإبداع، وتحويل الحقائق العلمية والتاريخية والشخصية إلى نصوص درامية.

تفاجأت كثيرا عند مشاهدتي النص الدرامي الجديد الذي تجسّد في كتاب الأمير خالد الفيصل »إن لم.. فمن؟«، والذي يصوّر مسيرة 77 عاما في 77 دقيقة من المحاكاة السمعية البصرية، ليشكل ولادة أول نص درامي عربي متكامل. شاهدت الكتاب مرات ومرات، لأن الدراما هي غير الرواية والقصة فنظامها مبني على تجسيد الفعل وليس على السرد والتفاصيل. فالكاتب الدرامي مطالب بأن يُرينا الفعل لا أن يحكي عنه، وهذا ما قدّمه خالد الفيصل عندما أظهر الفعل بدل الحديث عنه. لذلك أستطيع أن أقول إنني للمرة الأولى أجد نصا عربيا يتقدم في عمقه وجمالياته على الدراما الغربية المصورة بتقنياتها المتطورة والخلاقة.

نجح النص الدرامي الأميركي عالميا لأنه يحاكي الواقع والأفعال والإنجازات، وخصوصا الأعمال التي تدور أحداثها في البيت الأبيض أو الكونجرس، بالإضافة إلى المحاكاة الاجتماعية والقانونية العميقة وأيضا الأعمال الدرامية التي تتعامل مع الأمراض والتطورات العلمية، الأرضية والفضائية، ناهيك عن الدقة في تقديم الحروب والضحايا والتضحيات.. والأعمال الدرامية تشكل القوة الناعمة الأميركية بكل حقب تطوراتها وتحدياتها المحلية والعالمية.

كنت أتساءل دائما لماذا لم نقدم أعمالا درامية تحاكي التجارب الوطنية العربية، بالإضافة إلى التاريخ العربي والإسلامي والنجاحات الكبرى. وليس لدينا نص درامي حقيقي باستثناء بعض الأعمال التي تتحدث عن حقبة من الحقب مع توظيف مسبق وظرفي، وإن كل ما لدينا هو سرد تاريخي بتصرف وتدخل. ويبقى السؤال لماذا استطاع الأمير خالد الفيصل دون سواه من إنجاز هذا النص؟ هل لارتباطه العميق بجذوره العربية والإسلامية وعائلته ووطنه؟ أو هل لعلاقته الوثيقة بالفنون التشكيلية؟ أو هل بسبب علاقة سمو الأمير بالشعر والمحاكاة، وخصوصا أن الشعر قديما كان هو النص الدرامي الأساسي عند العرب والإغريق وبعدهم لدى الإنجليز؟

أوضح الأمير خالد الفيصل من الجملة الأولى أن هذا الكتاب ليس مذكرات أو رواية شخصية، لكنه اختار له موضوعا بالغ الدقة والأهمية والمعاصرة، وهو »إن لم.. فمن؟«، وهو عنوان النص الذي نشره في الصحافة السعودية بعد العملية الإرهابية على المدينة المنوّرة بعنوان »الإسلام ينادينا.. إن لم نلبّي فمن يلبّي؟«. ولقد أفاض الأمير خالد الفيصل في كتابه المشاهد التي تصوّر مسيرة المملكة العربية السعودية برموزها الكبار الأجداد والآباء والأعمام والأخوال والإخوة والأشقاء والرفاق والأبناء والأحفاد، مع شخصيات بالغة الدقة في الحضور والاستدلال، بالإضافة إلى مدنها وأريافها في أوجه متعددة. إن كتاب الأمير خالد الفيصل قدّم عملا دراميا إبداعيا واقعيا وجدانيا فيه محاكاة لتجربة الدولة الوطنية العربية الإسلامية السعودية، مع الكثير من الإضاءات على مكونات ذات دلالات عميقة وغير مسبوقة شاهدت من خلالها المسيرة السعودية برشاقة وإبداع.

شاهدتُ البادية العربية وعلاقتها الأولى بالطائرات، ثم شاهدتُ بدايات تطوّر التعليم في مدارس الطائف والحديث بعمق ورشاقة وسرعة عن سنوات الطلاب العرب في أميركا وبريطانيا وعلاقتهم بالمجتمع الغربي بعيدا عن العلم والمعرفة، والفرق بين التوسّع الأميركي والتعمّق البريطاني في البحث والتاريخ. إن نصّ خالد الفيصل الدرامي هو واحد من مجموعة أعمال أروع القصص العالمية، مصنوع بتقنيات اللغة العربية الغنية التي قد تتجاوز مفرداتها الاثني عشر مليون مفردة. وهناك خلاف حول هذا الرقم، إذ يذهب البعض إلى أرقام أعلى والبعض الآخر إلى أقل، إلا أن الجميع يؤكدون أن اللغة العربية هي من أوسع اللغات العالمية، بينما اللغة الفرنسية مئة وخمسون ألف مفردة والإنجليزي­ة ستمئة ألف مفردة.

النص الدرامي العربي عند الأمير خالد الفيصل في »إن لم.. فمن؟« تميّز بالحركة الدائمة والمنظمة، انطلاقا من مكة وإلى مكة على الدوام، طفولة وإيمانا وطوافا ومسؤولية، وبحركية مستدامة إلى حد نكران الذات والذوبان في نص ليس فيه »أنا« كما جاء في الختام. ونستطيع أن نتعمق في كل مشاهده الإبداعية المميزة، بين المراحل والتجارب والمبادرات والإنجازات، وبالمواقف الوجدانية العميقة والتعبير عنها بالوقفات الشعرية بين حقبة وأخرى. وهذه قراءة أولى للنص الدرامي العربي الأول لصاحب السمو الأمير خالد الفيصل الذي بدأ في 20 فبراير 1940 صباح الميلاد حتى مايو 2017. ونستطيع إتمام مشاهدته في 77 دقيقة عبر صفحاته الأنيقة الانسياب، مع هامش واسع من البياض للتأمل في الابتكار والصدق والإبداع في نص جديد يوضح النهج الجديد، وثقافة السؤال.

 ??  ?? ‪ahmadghoz@ alwatan.com.sa‬
‪ahmadghoz@ alwatan.com.sa‬

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia