Al-Watan (Saudi)

حصن أبها التراثي

- محمد فايع

هناك ارتباط قوي عند الإنسان العربي بينه وبين الأماكن التي كانت مرتعا للطفولة، وملاعب للشباب، ومنازل للسكن، يجهده فراقها، وتثيره اللوعة شوقا إليها، تأملوا مجنون ليلى وهو يقول »سقى الله أطلالا بناحية الحمى.. وإن كن أبدين للناس ما بيا/ منازل لو مرّت عليها جنازتي.. لقال الصدى: يا حاملّي أنزلا بيا« في أحد صباحات أبها الباردة، وهي ترتدي حلة قشيبة من البهاء المطرز بالضباب، توقفت عند تجربة لأحد شباب مدينة أبها، الذي استطاع أن يوظف التراث في خدمة السياحة الأبهوية، ويستثمر ذلك »الحصن« التاريخي القديم الذي ناف عمره على 180 سنة أو تزيد على ذلك، بحسب ما ذكره لاحقا، الذي ما إن توقفت أمامه، حتى وجدتني أردّد بيت امرئ القيس »قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل.. بسقط اللوى بين الدخول فحومل«، كلمة الحصن يقصد بها البيت القديم المبني من الطين على الطراز الذي اشتهرت به بيوت أبها، أو منطقة عسير بشكل عام، وإن كانت هناك بيوت في جهات من المنطقة تبنى بالحجارة، أو تدخل في أجزاء منها الحجارة، وتسمى في جهات كثيرة من مناطق بلادنا الغالية بـ»القصر«، لقد استطاع الشاب إبراهيم بشاشة ابن أبها البهية صاحب التجربة الرائدة في استثمار القديم، وإن كان مسبوقا بقرية رُجال التي استثمر عدد من رجالاتها منازل كادت تندثر، وحولوها إلى متحف ومزار سياحي، وهناك أيضا قرية ابن حمسان التراثية، إلا أنها بُنيت حديثا، إنما بشاشة نجح في تحويل هذا »الحصن« إلى قبلة للسائحين والقادمين إلى أبها من كل الجهات، حيث يستقبلهم ببشاشته المعهودة هو وفريق عمله، بعد أن أدخل عليه تعديلات وترميمات، استغرقت منه قرابة الأشهر السبعة، فأوجد بداخله مقهى ومطعما، يقدم من خلالهما بعض المشروبات الساخنة والباردة، وبعض الأكلات الشعبية الشهيرة بالمنطقة، ويقدم معها الخبز البلدي المعروف بـ»خبز التنور أو الميفا«، إضافة إلى أنه خصّص أجزاء من زواياه، لتكون متحفا مفتوحا، تُعرض فيها أدوات زراعية وأزياء شعبية تراثية، وأغراض أخرى، تعكس حياة الناس آنذاك في المنطقة، وشيئا من التراث الذي بات بعضه من الماضي، ومعظم الجيل الحاضر قد لا يعرف الكثير عنه، فنجح في أن يعيد الحياة إلى شرايين الحصن العتيق، منذ بدأ التخطيط لمشروعه منذ عامين، وكل ذلك تم بجهود ذاتية، ولا يزال لديه كما عرفت، الكثير من الأفكار التي يريد تطبيقها.

ثم زيّنه من الداخل »بالقطة العسيرية« وهي عبارة عن نقوش تميزت بها بيوت عسير التي كانت تزين بها غرفها ومداخلها، وهي تشبه إلى حد كبير الفن التجريدي، أبدعن فيها نساء عسير، وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونيسكو) القطة فنا سعوديا تراثيا خاصا بالزخرفة إلى قائمة التراث العالمي.

في رأيي المتواضع أن »حصن أبها التراثي« فكرة رائعة رأيناها عندنا في أبها، وهي جديرة بأن تدعم من الهيئة العامة للسياحة، كي يصبح هناك أكثر من حصن تراثي، لعلمي بوجود بيوت شعبية قديمة وعمرها طويل، هي اليوم مهجورة، وتتمركز في وسط المدينة، يمكن أن تستثمر بدلا من تركها للخراب والمجهولين، وأنا أعلم بأن الهيئة لديها مشروع لإحياء المباني العمرانية التاريخية للحفاظ عليها، فكثير من الدول تعنى بمراكز المدن التاريخية، لكونها النواة التي بدأت حولها المدن تتمدد في كل الجهات، لأنه مع الوقت تكتسب مراكز المدينة طعما تاريخيا، وتتحول إلى مزارات سياحية، ومعظم الدول السياحية الكبرى في العالم، رأت أن تعيد الحياة إلى الأحياء القديمة، وتعمل الجهات السياحية فيها على استثمارها لخدمة السياحة، وعرض الموروث الشعبي، كما يلحظ السائح ذلك في إيطاليا وبعض دول أوروبا، كما »حي السيف« بخور دبي بالإمارات وغيرها، ولفتني في حصن أبها تسجيل أسماء أحياء مدينة أبها القديمة على غرفه، فكل غرفة حملت اسمَ حي، مثل حي مناظر، وهو الحي الذي شكّل بدايات مدينة أبها، أو هو أصل أبها التاريخي، الخشع، لبنان، قابل وحي المفتاحة، وكأنه بذلك يرسم لوحة جميلة داخل الحصن لأبها المصغرة المدينة الساحرة التي يعانقها الجمال صباح مساء.

إن إبراز المدن التاريخية يعكس البعد التراثي والثقافي لبلادنا بشكل عام، وما تتسم به هذه المنطقة أو تلك بشكل خاص، من تاريخ وتراث يجب حمايتها، والمحافظة عليها، وإبرازها كي تبقى حية في ذهن الأجيال المتعاقبة، على سبيل المثال »جدة التاريخية، حي »البجيري« في الدرعية التاريخية، قرية أشيقر التاريخية، بلدة العلا التاريخية، إضافة إلى أبها التاريخية بأحيائها القديمة وغيرها في مناطق بلادنا مما لا تحضرني الآن أسماؤها، وتحويلها إلى مناطق جذب سياحي يتم استثمارها بشكل صحيح، كرافد سياحي مهم للبلاد، ودعم استمرار حفظ تاريخها ووجودها، قبل أن تندثر.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia