أدباء: شبكات التواصل عّرت أشباه املثقفني
حــــــوارات بــعــض املــثــقــفــني واألدبـــــــاء فـــي شبكات الـتـواصـل االجتماعي محل خــاف ونـقـد، يراها أدبــاء صـورة حقيقية لواقع ثقافي بائس، فيما يــنــظــر إلــيــهــا آخــــــرون عــلــى أنــهــا كــشــفــت الوجه الحقيقي للمثقف واألديب. هـنـا آراء لـبـعـض األدبــــاء عــن حــــوارات املثقفني، والنخب األكاديمية التي عادة ما تكون متشنجة وبعيدة عن القيم العلمية الرفيعة. ملـــــــاذا تـــتـــحـــول حـــــــــوارات املــثــقــفــني فــــي شبكات التواصل االجتماعي إلى ماسنات وخـروج عن النقاشات العلمية املفيدة؟. الــكــاتــب مــحــســن الــســهــيــمــي يــعــيــد الــفــضــل أوال لـشـبـكـات الــتــواصــل االجــتــمــاعــي؛ ألنــهــا إزاحت الــــســــتــــار عـــــن الــــجــــانــــب اآلخـــــــــر (املــــســــتــــتــــر) من شخصيات بـعـض املـثـقـفـني ـ وغـيـرهـم ـ الــتــي لم نكن نعرف منها إال الجانب املثالي القيمي عبر مشاركاتهم الشعرية والنثرية، غير أن شبكات التواصل االجتماعي ـ خاصة تويتر ـ جعلتهم يظهرون على حقيقتهم. ويضيف السهيمي «فباإلضافة لكشف الشبكات عن تدن في مستوى السامة اللغوية لدى بعض املثقفني، فقد كشفت لنا أيضا أنهم ال يملكون من قيم الحوار والنقاش سوى عبارات جوفاء تلوكها ألسنتهم وتسطرها أقـامـهـم وتسقط جميعها عــنــد أول مــوقــف حــــــواري يـتـطـلـب املوضوعية واإلنصاف مع املحاور». ويعيد السهيمي األمر إلى التنشئة االجتماعية التي ال تعبأ باملحاور وتنظر إليه بتعال وفوقية، إضافة إلى أن الوسط املــحــيــط بـاملـثـقـف يـسـتـلـذ بــاألحــاديــة فــي الرأي بوصفه ـ كما يدعي ـ األدرى واألفضل وعيا مع عجز املثقف في اإلتيان بالبرهان والحجة لذلك يلجأ لتلك املــاســنــات حـتـى يغطي بـهـا عجزه، وقـد يحمل بعضهم موقفا مسبقا ضد املحاور ويجد الحوار فرصة ال تعوض ليتقيأ ما بداخله من ضغائن من خال عبارات يترفع عنها املثقف الـحـقـيـقـي. وال يـخـلـي الـسـهـيـمـي سـلـطـة األتباع واملريدين من هـذه املسؤولية في جنوح املثقف للتعدي واملاسنات؛ ألن املثقف عندها يرى رأيه صــوابــا ال يـحـتـمـل الــخــطــأ ورأي غــيــره خــطــأ ال يحتمل الصواب. من جهته، يقر الشاعر سعد الهمزاني أن هناك تشنجا، ويعيد ذلـك إلـى حالة االنقسام الحادة التي يعيشها املجتمع منذ فترة بني من يسمون الليبراليني واإلسـامـويـني، مشددا «يسمون ألن هذه األسماء مجرد شعارات ليس لها من اسمها نـصـيـب». ويــؤكــد الـهـمـزانـي أن الــحــوار كالعادة يبدأ بريئا بهدف الوصول إلى املعرفة الناتجة من تفاعل اآلراء مع بعضها لكن بمجرد تعرف كـل طــرف مـن املتحاورين على مرجعية الطرف اآلخــــر الــفــكــريــة أو الـسـيـاسـيـة حــتــى يــتــم تغيير الـــهـــدف مـــن الــــحــــوار وهــــو مــعــرفــي إلــــى إلحاق الهزيمة بالخصم؛ وذلك يتطلب تغيير الوسائل واألساليب املتبعة في الحوار، فبدال من محاولة فهم الطرف اآلخر وإعطائه الفرصة لطرح وجهة نظره وشرحها بعيدا عن سوء النية، وألتماس العذر له إن أخطأ في النتيجة باعتباره مجتهدا فــي األصــــل يـنـشـد الــحــق؛ والــحــقــيــقــة سـنـجـد أن كــل طــرف يـخـون مـبـادئـه ويلجأ إلــى لغة أخرى تخوينية واستعدائية تستعني حتى بالشيطان على خصمها الفكري وكأنه جاء من كوكب آخر وليس أحد أفراد املجتمع والوطن! ويــشــدد الـهـمـزانـي عـلـى أن هـنـاك أسـبـابـا أخرى لهذه الظاهرة، لكن املهم هو البدء في تشخيص هــذه الـحـالـة الـسـامـة للفكر واملجتمع ومحاولة الوعي بها لتفادي الوقوع فيها وتجاوز آثارها بني نخب املثقفني واملفكرين. من جهة أخرى، يقر الدكتور عبدالسام الوايل أن هناك أسماء كبيرة تندلق في نقاشاتها بسهولة إلى املاسنات والخروج عن الروح العلمية. بــعــض هــــذه األســــمــــاء ألكــاديــمــيــني يــفــتــرض أن تأهيلهم املهني يصونهم. ويضيف الـوايـل: لن أرجــع القضية إلـى سمات شـخـصـيـة مـعـيـنـة فــي هـــذا املــثـقــف أو ذاك، مع كامل االحترام وعـدم التقليل من هكذا مدخل، بيد أنــي سـأتـنـاول األمــر عبر طريقتي األثيرة في التحليل، أي النظر إلى جموع «املستهلكني» كصناع لهذه الظاهرة، بدال من تركيز الضوء على «املنتج». ويعزو الوايل هذه الظاهرة إلى ضعف حاكمية املعايير العلمية على الذائقة املجتمعية. بتعبير آخر، لو كان للمعايير العلمية املعتبرة فــي طـريـقـة بــنــاء الـحـقـائـق حــضــور أقـــوى لدى «املستهلكني» لكانت «السوق» الثقافية بنفسها مــجــت مـشـخـصـنـي الــنــقــاشــات واملـتـنـكـبـني عن السبل العلمية في إدارته. ويــذكــر الـــوايـــل أنـــه اطــلــع عــلــى نــقــاشــات كانت املـعـايـيـر العلمية بـيـنـة بشكل جـلـي مــع طرف ضـــد آخـــــر، ومــــع ذلـــــك، قــــدر الـــطـــرف الـــــذي كان عليه وفق هذه املعايير أن يقر بحجة خصمه وأن يـسـتـمـر مـتـكـئـا عــلــى ضــعــف مـلـكـة الحكم لدى«املستهلكني». ويضيف الوايل: هناك ملمح آخر لهذه الظاهرة، هو تصورات املثقف نفسه عـمـا يـجـب أن يـكـون عليه أداؤه، وهــو يطارح خـصـمـه كـــي ال يـخـسـر سـمـعـتـه فـــي «السوق». ويــعــتــقــد الـــوايـــل أن هــنــاك جــمــعــا مـــن الكتاب واملثقفني يتصورون الرطانة اللغوية الحادة مكسبة بحد ذاتها، ليس األمر خاصا بمثقفني من األوزان املتوسطة أو الخفيفة كما يظن، بل إن كــتــابــات مثقفني كــبــارا تـعـبـر عــن ذلـــك بكل وضوح. ويــرى الــوايــل الـحـل فـي تحسني ملكات الحكم لدى الجمهور؛ ألن ذلك كفيل بتحسني مخرجات الحوارات الثقافية، ولكي تتحسن هذه امللكات فــــإن عــلــى مــنــاهــج الــتــعــلــيــم أن تــرفــع مـــن هذه امللكات عبر تدريب الطلبة على التفكير الناقد، الـــــذي يــحــصــن الــعــقــل مـــن االســـتـــســـام إلغــــواء الرطانة اللغوية على حساب الحقائق املبنية بشكل منضبط..