الدول الورقية..!
يذكرني وضـع الـدويـات والــدول الضعيفة املـوجـودة في عالم الــيــوم بنظرية «عـلـمـيـة»، سـبـق أن شـرحـهـا لـنـا أحــد أساتذتنا األمريكيني، في مرحلة املاجستير. كنا نناقش – مع ذلك األستاذ – بـعـض املصطلحات السياسية الــشــائــعــة... فـأتـى ذكــر «جـمـهـوريـات املوز»، ومفردها «جمهورية املـوز» ( ...)Banana Republic ووضح لنا األستاذ معنى هذا املصطلح، الشائع واملعروف اآلن، وهو: وصف لدولة، أو دويلة صغيرة... ال تملك مــن مـقـومـات الــدولــة إال أبسطها وأقــلــهــا. وربــمــا تــكــون معتمدة في اقتصادها – أساسا – على تصدير سلعة، أو مـادة خام واحــدة، كـ «املــوز»، أو أي فاكهة أخرى، مثا. ويقال إن هذا املصطلح أطلق، أول ما أطلق، على بعض الدويات الواقعة في أمريكا الوسطى والبحر الكاريبي، مثل: بنما، هندوراس، البهاما، هايتي، الدومينكان، باربادوس.. إلخ. ولكنه ...»ممع« ليعني أي دولة، أو دويلة، ينطبق عليها مضمونه العام... وهو الضعف الشامل، خاصة مقابل غيرها من الدول. ذكرنا األستاذ بذلك املصطلح، وأردف قائا: إننى أفضل استبدال هذا املصطلح بآخر... أعتقد أنه أكثر دقة وشمولية. فبدال من «جمهورية املوز»، أفــضــل اســتــخــدام «الــدولــة الــورقــيــة الكرتونية» )Carton State( كناية عـن الــدولــة – أو الدويلة – الــتــي تفتقر إلــى مـقـومـات الــدولــة الحقيقية، وتـــكـــاد تــنــعــدم فــيــهــا عــنــاصــر الـــقـــوة الدولية (الــســكــان، املـــوقـــع، املــــــوارد، اإلمــكــانــات، اإلدارة، القوة املسلحة) وتقل قوتها كثيرا عما يجب أن تكون عليه، باعتبار ما تملكه من عناصر القوة هذه. إنها الدولة التي قد تتوفر لديها كل عناصر وإمكانات القوة، ولكن سوء وفساد إدارتها يجعلها في موقف «كرتوني» ضعيف... يماثل الـدول التي ال قوة تذكر لها. وهي «كرتونية» ألنها متهالكة، وسهلة الطي والكسر... وتكاد تسقط، وتنهار مـن أي ريــح عاتية، تهب عليها. وقــال إنــه كتب بحثا علميا نشر (فــي العام )م1989 بعنوان «الدولة الكرتونية». حيث بدأه بتعريف فحوى هذا املصطلح، وأسباب وجود هذا النوع من الدول، وأبرز خصائصها، ودواعي استمرارها، وســبــل الـنـهـوض بــهــا، أو نقلها – إن أمــكــن – مــن «الــكــرتــونــيــة» الــورقــيــة إلى مكونات أصلب، كالخشب، والـزنـك، والحديد والــفــوالذ... إلــخ. (النهوض بها يتضمن تقوية ذاتها، وتكتلها مع مثياتها). يمكن، إذن، أن ننطلق من هذه النظرة... لنقول: إن هناك دوال خشبية، وأخرى حديدية، وأخـريـات فــوالذيــة... إلــخ، من املــواد الصلبة - مع االحتفاظ بحقوق النشر والفكر ألصحابها. وهـنـاك مصطلحات مشابهة لـلـدول القزمة، منها «الــدولــة املـايـكـرو» )Micro States( و«الــدولــة امليني» .)Mini States( ومعظم هذه الدول، املتناهية الصغر (مساحة وسكانا) ينطبق عليها مصطلح الدولة الكرتونية، بكل ما يحمله من معان. ولكن هناك، كما ذكرنا، دول كبيرة املساحة (نسبيا) وتمتلك قدرا معقوال من عناصر القوة، ومع ذلك تحسب كرتونية... ألن إدارتها تشدها للخلف، بدال من تطويرها لألمام. *** نـعـم، مـن أبــرز خصائص الــدولــة الكرتونية - فـي رأي ذلــك الـعـالـم السياسي – هـي: صغر مساحة أغلبها، واعتمادها على مصدر دخـل رئيس، له أهمية محدودة، وانفراد قله قليلة من شعبها بالثروة والنفوذ والسلطة. ولكن بعض هـذه الــدول تتوفر فيها عناصر الـقـوة الـخـام التي كـان يمكن أن تبعدها عن الكرتونية. ولكن ســوء إدارتــهــا، واسـتـشـراء الفساد السياسي واإلداري فيها، تضعفها لدرجة الكرتونية. ووضــع هـذه الــدول غالبا ما يسبب – في رأيــه – االضطراب وعدم االستقرار، في املدى الطويل. ويقول: العيش في دولة كرتونية قد يعني: مخاطرة غير محمودة - على حد قـولـه - وعـلـى املــرء (الـعـاقـل) أن ال يـقـدم على ذلــك إال اضــطــرارا. فهو يبيت ليلته ال يدرى مـا يخبئ لـه الـقـدر فــجــرا... مـن نـــوازل ومحن وقــاقــل. وهـــذا الــنــوع مــن الـكـيـانـات يتواجد أكثر ما يتواجد اآلن في القارة األفريقية، وفى بعض أرجــاء نصف الكرة الجنوبي، بما في ذلك أجزاء من العالم العربي. ويــصــر صــاحــب هـــذه «الــنــظــريــة» (الطريفة) على «أن الدولة الكرتونية تمثل غالبا خطرا على حياة الناس فيها وحولها، وعلى البقاء والـرفـاه اإلنساني، بسبب عـدم استقرارها». ولكن، هناك أخطار سياسية رئيسة عــدة... تمثل خطورة أكبر وأفـدح - كثيرا - على بقاء اإلنسان ورفاهه... مثل: اإلمبريالية واالستبداد، وانتشار أسلحة الدمار الشامل... وما إلى ذلك. وعلى أي حال، البد من االعتراف بما لورق «الكرتون» من أهمية وفوائد في االستخدام اليومي للناس، ومن ذلك: حفظ بعض األشياء األثيرة - إضافة إلى حفظ وتغليف السلع املختلفة. فاستخدام اســم هــذا الـنـوع مـن الـــورق، للرمز ألشـيـاء غالبا مـا تكون صغيرة وسلبية، يجب أن ال يحجب مـا لـه مـن مزايا عملية كثيرة، تستحق التقدير.