Okaz

إلى الباحث عن ذاته.. ِقْف

-

في مقعد مجاور كانت تتباهى أمامي بعدد الدورات التدريبية التي حصدتها من أجل التطور الذاتي والوصول إلى ذاتها، التي بدت لي وبعد كل هذا الكم من شهادات الــذات أنها لم تصل! تحدثت طويا عن كل دورة واسمها ومع كل جملة كانت تتناثر منها كلمات «ذات، ذاتي، تطوير الذات، مهارات شخصية، إدارة الذات» وكلمات.. كلمات تطول بها قائمة البحث عن الذات. كنت ومع هذا الحديث الطويل أستمع وأراقـب نظراتها املرتبكة مع كلماتها املتواترة وتواضع لغتها أمـام سردها عن رحلتها الذاتية خـال دوراتـهـا الذاتية، استمرت في الحديث حتى طافت بي معها إلـى أغلب دول العالم، ولـم تتوقف حتى وقـف أمامها سـؤالـي: وهل وجدت ذاتك؟ صمتت.. تشابكت أياديها.. تنهدت.. كيف يعني؟ يعني كـل هـذه األوراق التي حصدتيها فـي رحلتك للبحث عـن ذاتــك، عما يعرفك عليها، عما يناسبك من مـهـارة.. هل وجــدت كل ذلــك؟! قالت: نعم وجدتها، قلت: أين؟ قالت: في أني أقدم دورات تدريبية عن تطوير الذات.. أنقل كل ما تلقيته للناس! ضحكت حتى كادت أن تكون هذه ضحكتي الزمنية التي لن يكررها الـقـدر.. ضحكت لوجع الحقيقة حني تكون ذواتـنـا تجارة تدريبية، مجرد عملية تدوير، تلقني، طريق نسير فيه وال نجدنا.. نبحث عننا في كل التوجهات واملهارات وال نجدنا.. نستمع ملدرب يمسك ريموته جـيـدا ويقلب شـاشـة عليها معلومات ومعلومات ثـم يختم باسمه ورقــة كشهادة مياد ويـبـارك لنا اجتيازنا الـــدورة وحصولنا على «ذاتنا» ! فـي الـروايـة الشهيرة األمريكية ‪»Eat pray love«‬ للكاتبة األمريكية إليزابيث جيلبيرت التي تحكي فيها عن امرأة خاضت تجربة البحث عن ذاتها عندما لم تجد نفسهاً في حياتها وفي أوج تألقها املهني واألسري، كانت البطلة تعي تماما خال رحلتها في البحث عن ذاتها بأن التجارب الذاتية واالستماع إلى صوتها الداخلي واكتشاف ما يناسبها من مهارة تستوعب كياناتها النفسية والفكرية والعاطفية وتتناغم مع قدراتها الجسدية والذهنية هي املحك الحقيقي لتصل فيها إلــى ذاتــهــا، هــي مــا يدلها إلــى طـريـق نفسها، حيث دونــت في الرواية عبارات أحسبها من ذهب لكل شخص يبحث فيها عن نفسه من مثل: إن عجزت أن تكوني سيدة تفكيرك فأنت في ورطــة كبيرة لن تخرجي منها أبـدا. وقولها: في النهاية أنت لست سوى ما تفكر فيه وأحاسيسك تأتي تباعا ألفكارك وأنت تباعا لعواطفك، وقولها ال تنسي أبدًا أنِك في يوم من األيام تعّرف ِت على نفسك كصديقة. وقــد أطربني جــدا وجـــدا مـا قـالـت: نحن نبحث عـن الـسـعـادة فـي كل مكان.. ولكننا مثل متسول تولستوي الذي قضى حياته جالسا على قـدر من الذهب يستجدي الـقـروش من املـــارة.. غير مــدرك بـأن ثروته كانت تحته طيلة الوقت، فكنزك-كمالك-هو بداخلك أساسا... عزيزي القارئ قـف.. ال تصدق تجار الوهم.. نصابي العصر الجدد؛ فا توجد دورة تدريبية في العالم تدلك إلـى نفسك أو تستطيع أن تعلمك كيف تتعرف على نفسك وكيف تـديـرهـا، أو تؤثث أمنياتك وتكتشف أحامك، شغفك ومواطن قوتك، أسرار عماقك الداخلي، فإن لم تكن أنت مدركا ملكامن ذاتك فا تتوقع أن تتعرف عليها في وجه وكلمات شخص آخر.. ال تدعهم يستغفلونك.. يستغلونك اعمل.. اقرأ.. جرب.. وتعلم، فالحياة قاسية جدا وعميقة املعنى وليست وردية كما تجدها بسطحية معلوماتهم على سطح شاشات دوراتهم.

 ??  ?? تهويم د. منى العتيبي * @fanarm_7
تهويم د. منى العتيبي * @fanarm_7

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia