Okaz

عندما وقفت موسكو مع السعودية مرتني!

-

في العام 1925 واجهت الدولة الناشئة في نجد والحجاز أول أزمة دولية لها، كانت حملة عداء هائلة تسببت بها قوى إقليمية ومنظمات إسالمية وفقهية على خـالف مع املذهب الفقهي السائد في الجزيرة العربية، كان الـهـدف تشويه امللك عبدالعزيز آل سعود الزعيم الجديد فـي املنطقة وتعطيل مسيرته وتـهـديـد دولــتــه الـنـاشـئـ­ة، التهمة كـانـت جــاهــزة، لقد قــام «الــوهــاب­ــيــون»، حسب وصفهم، باملساس بالحجرة النبوية وهدموا القبة الخضراء و«الضريح الشريف»، بالطبع لم تكن سوى إشاعة مغرضة روجها أعداء الدولة الفتية. كانت دولة امللك عبدالعزيز فقيرة وال تمتلك بنية تحتية للدفاع عن نفسها وتكذيب تلك األباطيل، إال أن اإلشاعة انتقلت في العالم اإلسالمي كالنار في الهشيم ألنها مست أقدس أقــداس املسلمني، بالتأكيد أن جيش امللك الـذي دخـل إلـى املدينة املنورة صلحًا وبدعوة من أهلها لم يخالف أعرافه اإلسالمية، بل إن األهالي أصــروا على أن يستلم املدينة ابن امللك األمير محمد بن عبدالعزيز، وقد كان دخوال سلميا حافظ على كرامة الناس وحمى املقدسات. لـن تنسى اململكة العربية السعودية أن موسكو دعمت موقف امللك عبدالعزيز مـن عدم تعرض األماكن املقدسة أو القبر الشريف ألي هدم أو تعديات، بل وثمنت موسكو حماية امللك للحرمني الشريفني، كـان موقفا دوليا مهما حد من الهجمة املسعورة، مع التذكير بأن موسكو كانت أول عاصمة خارج املنطقة تعترف بامللك عبدالعزيز سلطانًا على نجد والحجاز وملحقاتها، جاء ذلك في فبراير .1926 امللك عبد العزيز ودعما ملوقف بالده دعا ملؤتمر إسالمي كبير لكي يدحض إشاعة املساس بالقبة والحجرة النبوية الشريفة، حضر إليه زعماء وعلماء العالم اإلسالمي ليتأكدوا مباشرة أن شيئا مـن تلك اإلشـاعـة ليست ســوى مـؤامـرة كبرى على امللك عبدالعزيز من أجل تشويهه واغتيال طموحه بتأسيس دولته. االتحاد السوفيتي شارك بوفد من مسلمي القوقاز في املؤتمر اإلسالمي الكبير. دشن السوفييت وقبل الواليات املتحدة األمريكية بسنوات أول ممثلية دبلوماسية لهم في مدينة جـدة، كان على رأسها الدبلوماسي املخضرم «حكيموف»، الـذي عمل في املمثلية حتى حصلت اضطرابات داخـل بـالده دفعته للعودة إلى حيث أعـدم لخالف سياسي مع الكرملني. لكن الالفت للنظر أن امللك عبدالعزيز بكرمه وشهامته العربية أمر حكومته باستضافة زوجة السفير بعدما علقت في مدينة جدة إثر مقتل زوجها، وعاشت في ضيافة حكومة جاللة امللك حتى وفاتها. من املهم اإلشارة إلى أن أول صفقة تجارية عقدتها السعودية مع دولة خارجية كانت مع االتحاد السوفيتي لتوريد الكيروسني، كان ذلك في وقت لم تكتشف اململكة البترول بعد. في العام 1932 وبعد إعالن اململكة العربية السعودية في شكلها الحالي، عمقت الرياض عالقاتها مع موسكو وابتعثت األمير فيصل بن عبدالعزيز لزيارتها الذي كان يشغل وزارة الخارجية. الفيصل كان أول مسؤول عربي رفيع املستوى يلتقي باملسؤولني السوفييت. كــان النفط هـو رمـانـة الــتــواز­ن والـبـاب الـواسـع الــذي عــادت منه الـعـالقـا­ت، ففي منتصف الثمانينات كانت أسواق النفط تعاني بشدة، فتح األمير بندر بن سلطان السفير السعودي البارع خطًا مع القيادة السوفيتية عبر سفيرهم في واشنطن السيد دويرين، حظيت تلك الخطوة بمباركة مـن امللك فهد بـن عبدالعزيز، رحمه الـلـه، إثـر تلك املـبـادرة زار موسكو وزير النفط السعودي املرحوم هشام ناظر للتباحث في موضوع الطاقة خاصة مع تردي األسعار إلى سبعة دوالرات للبرميل. تطورت العالقة على يدي األمير بندر بن سلطان، حني التقى الرئيس غورباتشوف، وأسفر اللقاء عن تقريب وجهات النظر حول املوقف من دخول العراق للكويت، خالل اللقاء طلب غورباتشوف فتح سفارات في البلدين، لكنه فوجئ برد األمير بندر الذي قال له: فخامة الـرئـيـس عالقاتنا ليست مقطوعة معكم، هـي مجمدة ومــن قبلكم أنـتـم، بالفعل أعيدت السفارات. امللك سلمان وولــي عهده األمير محمد بن سلمان استشعرا األهمية املتعاظمة لروسيا «اليوم» في عهد الرئيس بوتني الوريث الشرعي لإلمبراطور­ية السوفيتية، لم تكن عالقات عابرة بل بناء خط إستراتيجي يبدأ من موسكو حامال معه التوافق في أســواق الطاقة واألمن اإلقليمي وتوازن املحاور وتنويع السالل االقتصادية والعسكرية والثقافية. اليوم وبعد أكثر من 90 عاما وكما األمس وقفت موسكو موقف العقل من أزمة «إسطنبول» التي حاول اإلعالم وبعض السياسيني الغربيني ودول في اإلقليم محاصرة اململكة فيها واغتيال شخصية األمير محمد بن سلمان وعرقلة مشروعه الحضاري كما حاولوا مع جـده «عبد العزيز» من قبل، وكما كانت «موسكو» قبل مئة عـام هي صـوت العقل الذي قبل رواية السعوديني حول إشاعة املساس باملقدسات اإلسالمية، ها هي القيادة الروسية تقبل املوقف السعودي حول حادثة إسطنبول، وتطالب بإتاحة الفرصة للسعوديني إلتمام تحقيقاتهم، إنـه صـوت الحكمة الروسية الـذي يأتي دائما في الوقت املناسب ال متأخرا وال متقدما.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia