Trending Events - Future Concepts

‪Cost Bearers‬

تنامي ”المتضررين“ من الاضطرابات العابرة للحدود

- أ.د.محمد لكريني

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ابن زهر أكادير-المغرب

لا تقتصر الأضرار المترتبة على الاضطرابات الدولية على الأطراف المباشرة، وإنما أصبحت تمتد تداعياتها للأطراف الثالثة في ظل تعدد الفاعلين المنخرطين في العلاقات التعاونية والصراعية وحالة الانكشاف المتزايد الناتجة عن الاعتماد المتبادل بين الفواعل الدولية والإقليمية( .(

1 ولقد شهدت التفاعلات الدولية تعدداً كبيراً في الفاعلين الدوليين المنخرطين في إطارها، مما أدى لاتساع نطاقات التأثير لتشمل دول في مواقع جغرافية بعيدة أو غير محاذية لبؤر الصراعات والتوترات نتيجة للتطورات التكنولوجي­ة والعسكرية والتشابك بين مصالح الأطراف المنخرطة في الصراعات( )، وهو ما دفع إلى

2 أقلمة وتدويل الأزمات الداخلية نتيجة لامتداد تأثيراتها عبر الحدود، وزاد من عدد الأطراف الثالثة المتضررة من هذه الأزمات( .(

3

اأولاً: دوائر انتقال الاأ�صرار الدولية

تعد الأطراف الثالثة المتضررة فواعل غير منخرطة مباشرةً في الصراعات، إلا أنها تتحمل تكلفة نتيجة لاحتدامها وتناقضات مصالح الأطراف المباشرة بها، وفي هذا الصدد يمكن تقسيم دوائر انتقال الأضرار الناجمة عن الصراعات وفقاً لما يلي: 1- البؤرة المركزية: تتضمن الأطراف المباشرة المنخرطة في الصراع والتي يصل تناقض المصالح فيما بينها إلى الحد الأقصى، بحيث يحكم العلاقات بينهما منطق "المباراة الصفرية"، كما تتحمل الجانب الأكبر من الضرر الناجم عن احتدام الصراعات. وتسعى هذه الأطراف لحسم الصراع لصالحها من خلال القوة العسكرية والضغوط الاقتصادية ومحاولة استنزاف قدرات الخصوم، ففي الصراع السوري تمثل الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة والميليشيا­ت التابعة لها الأطراف المباشرة في الصراع. 2- دائرة الانخراط المباشر: تشمل القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الصراع بصورة مباشرة لحماية مصالحها وحلفائها في إطار الصراع والتي تسعى إما للتصعيد أو للتسوية وفقاً لتوازنات القوى ومصالحها ضمن الصراع.

وتسعى هذه القوى لتحجيم تأثيرات الصراع أو الإفادة منه وتحقيق مصالحها أو مهاجمة وكلاء أطراف أخرى مما يدفعهم للانخراط في الصراع بصورة مباشرة على غرار التدخل الروسي والإيراني والتركي والأمريكي في الصراع الدائر في سوريا.

3- دائرة دول الهامش: يقصد بها الدول غير المنخرطة في الصراع التي تتأثر مصالحها بصورة غير مباشرة نتيجة ديناميات تمدد تأثيرات الصراعات عبر الحدود مثل الدول التي تستضيف اللاجئين من مناطق الصراعات أو الدول التي تتأثر بالأزمات الاقتصادية أو ارتفاع أسعار النفط الناتجة عن التصعيد والتوترات( .(

4

وتشير بعض المصادر إلى أن الأطراف الخارجية المرتبطة بالصراعات تنقسم إلى ثلاث فئات وفقاً لمعايير الجغرافيا وهم: الأطراف الإقليمية التي تضم دول الجوار القريبة جغرافياً من بؤرة الصراع والتي تسعى لحماية أمنها القومي ومصالحها عبر احتواء تأثيراته ومنع وصولها إلى داخل حدودها.

وتأتي في الفئة الثانية الدول المرتبطة بالصراع نتيجة لامتدادات التكوينات الإثنية العابرة للحدود، أو المصالح الاقتصادية في مناطق الصراع، وأخيراً الأطراف البعيدة جغرافياً ومصلحياً عن بؤرة الصراع، إلا أنها قد تتأثر بتداعياته( .( 5

ثانياً: اأ�صباب ت�صرر الاأطراف الثالثة

تتحمل الأطراف الثالثة غير المنخرطة في الصراعات أضراراً بصورة غير مباشرة نتيجةً لانتقال التأثيرات بصورة عابرة للحدود وغير مقصودة، وهو ما يرجع إلى عدة عوامل يتمثل أهمها فيما يلي: 1- تزايد الاعتماد المتبادل: يؤدي تزايد الارتباط بين الدول اقتصادياً وسياسياً وأمنياً إلى حالة من الانكشاف المتبادل Mutual) (Vulnerabil­ity نتيجة عدم قدرة أي دولة على تحقيق أهدافها وتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها ومجابهة التحديات العالمية من دون التنسيق والتعاون والتآلف مع بقية دول العالم( ). ويزيد

6 الانكشاف المتبادل من مستويات الحساسية والتأثر سلباً باحتمالات حدوث تحولات داخلية في دولة بعينها تؤثر على المسار المستقر لعلاقات التعاون الاقتصادي( .(

7 2- تآكل الحدود الفاصلة: أصبحت محاولة عزل دولة وتحصينها من تأثير التطورات والأحداث الجارية غير ممكنة عملياً في ظل الطابع العابر للحدود لغالبية الظواهر السياسية والعسكرية واندثار الحدود الفاصلة بين الداخل والخارج، ومن ثم أصبحت أحداث داخلية في بعض الدول تتسبب في موجات من التحولات الإقليمية والدولية، مثل الاضطرابات الداخلية والصراعات الأهلية والأزمات المالية العالمية وتأثيرات تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي على الاستقرار الداخلي للدول( .(

8 3- تزايد التداعيات غير المقصودة: تسبب تعقيد الصراعات والنزاعات الدولية توليد قدر كبير من التداعيات غير المقصودة Unintended) (Consequenc­es التي تصيب دولاً غير منخرطة في التفاعلات المباشرة، مما يؤثر سلباً على مصالحها، مثل تأثر الدول المستوردة للنفط من تهديدات الأمن البحري في منطقة الشرق الأوسط بسبب تزايد أسعار النفط وتأثر دول العالم بتداعيات الحرب التجارية المحتدمة بين الصين والولايات المتحدة. وفي هذا السياق لا يتحقق الارتباط الخطي الواضح بين التطورات الراهنة والتداعيات المحتملة، بحيث تصبح التفاعلات غير خطية وتتضمن تأثيرات ممتدة جغرافياً وزمنياً بصورة لا يمكن توقعها( .(

9 4- لا مركزية التفاعلات الدولية: تتسم التفاعلات الدولية بعدم المركزية وانتشار مراكز التأثير عبر الحدود وفي مناطق مختلفة من العالم، كما أصبحت هذه التفاعلات تشمل أدواراً مؤثرة لعدد كبير من الفاعلين، مثل المنظمات الدولية والشركات دولية النشاط، والفاعلين العابرين للقومية ‪Transnatio­nal Actors)‬ ،( مثل الحركات الانفصالية والميليشيا­ت المُسلحة وشبكات الناشطين الدوليين والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام العالمية، بالإضافة للأفراد، وهو ما زاد من عدم قابليتها للسيطرة من جانب أيٍ من الفاعلين الدوليين وامتداد التأثيرات بصورة غير قابلة للتوقع( .(

10

ثالثاً: مداخل التعامل مع الاأ�صرار

تتعدد مداخل تعامل الدول مع الأضرار غير المباشرة التي تقع عليها من دون أن تكون طرفاً في الصراعات أو الأزمات الدولية، حيث تبدأ هذه المداخل بتحجيم الخسائر والأضرار المترتبة على الارتباط بصورة غير مباشرة ببؤر التصعيد من خلال محاولة التأثير في مسارات الصراع عبر التدخل المباشر أو التحالفات أو التفاوض مع الأطراف الأكثر تأثيراً في تطورات الأوضاع بالتوازي مع عمليات تحصين الداخل في مواجهة الارتدادات غير المقصودة.

ويتمثل المدخل الثاني في حشد الدعم الخارجي لمواجهة الضرر، مثل قيام الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين بمطالبة المجتمع الدولي بدعمها مالياً لاستيعاب ضغوط تدفقات اللاجئين عبر الحدود، مثل الأردن ولبنان، والدعوة لتهيئة الأوضاع الداخلية لعودة اللاجئين إلى سوريا( .(

11 وختاماً، يتمثل المدخل الثالث في استيعاب الأضرار والتحولات المفاجئة وتعزيز درجة الجاهزية لمواجهة التهديدات غير المتوقعة والتكيف مع الواقع الجديد للعلاقات الدولية الذي يتضمن انتقال الأضرار بصورة عابرة للحدود وانتشار التداعيات غير المقصودة للتوترات والصراعات، بالإضافة إلى تعزيز قدرة الدول والمجتمعات على إصلاح مواضع الضعف والانكشاف وتعزيز المناعة في مواجهة الضغوط العالمية.

يؤدي تزايد الارتباط بين الدول اقتصادي وسياسي وأمني إلى حالة من الانكشاف المتبادل نتيجة عدم قدرة أي دولة على تحقيق أهدافها وتلبية الاحتياجات الأساسية لمواطنيها ومجابهة التحديات العالمية من دون التنسيق والتعاون والتآلف مع بقية دول العالم.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates