Future Studies

أوال: تطور دراسة الظواهر المستقبلية

-

مل تنقطـع محـاوالت فهـم املسـتقبل والتنبـؤ مبسـاراته منـذ مطلـع التاريـخ اإلنسـاين، فالتدافـع بـن الراغبــن يف التنبــؤ باملســتقب­ل والســاعن للتحكــم يف مســاراته والداعــن للتكيــف معــه، قــد ارتبــط بتطــور العالقــة بــن البــر والبيئــة وتأســيس الــدول واملجتمعــ­ات. ويف هــذا الصــدد، هيمنــت عــى االجتهـادا­ت النظريـة والفلسـفية تصـورات متعـددة حـول كيفيـة اسـتراف املسـتقبل وتطويعهـا والتحكـم بهـا.

ويف املقابـل، سـادت يف النظريـات التأسيسـية يف العلـوم السياسـية مسـلامت قاطعـة بعـدم إمكانيـة التنبـؤ بالظواهـر االجتامعيـ­ة والسياسـية، ويتصـل ذلـك بالجـدل املصاحـب لـرؤى “أوجسـت كونـت” حـول تأسـيس “فيزيـاء اجتامعيـة” ميكـن مـن خاللهـا التوصـل لقوانـن علميـة تحكـم حركـة الظواهـر االجتامعيـ­ـة، وهــو مــا أثــار انتقــادات االتجاهــا­ت النظريــة الرئيســية يف العلــوم االجتامعيـ­ـة، التــي أكــدت عــدم إمكانيــة التنبــؤ باملســتقب­ل، نظــراً لتعقيــد الظواهــر االجتامعيـ­ـة واإلنســان­ية واســتعصائ­ها عـى التوقـع(1).

وعـى الرغـم مـن هـذا التوافـق األكادميـي حـول اقتصـار وظائـف البحـث يف العلـوم االجتامعيـ­ة عــى رصــد وتفســر التحــوالت الواقعيــة مــن خــالل املالحظــة الدقيقــة للواقــع، مل تغــب اجتهــادات وتجليـات التنبـؤ عـن أغلـب االتجاهـات النظريـة يف العلـوم السياسـية، ومتثلـت أهـم هـذه االتجاهـات النظريـة فيـام يـي: -1 التصـورات املثاليـة ‪:)Utopian Conception­s(‬ متثـل رؤى املفكريـن والفالسـفة ملـا ينبغـي أن يكـون عليـه الواقـع أوىل محـاوالت التنبـؤ باملسـتقبل يف العلـوم السياسـية، حيـث كانـت هـذه الـرؤى مبنزلـة معايـر اسرشـادية إلعـادة تشـكيل الواقـع السـيايس عـى غـرار رؤى أفالطـون حـول “الدولـة الفاضلـة وحكـم الفالسـفة”، وأطروحـات أرسـطو حـول “الحكومـة الدسـتورية” و“حكـم القوانـن”، ورؤى جـان جـاك روسـو عـن “اإلرادة العامـة”، ومبـدأ “الفصـل بـن السـلطات” لـدى مونتسـكيو، و“نظريـة العدالة” لـدى جـون رولـز، وركـزت أغلـب هـذه االتجاهـات عــى محاولــة توجيــه الواقــع يف مســارات مثاليــة مــن خــالل املرجعيــة األخالقيــ­ة للــرؤى اليوتوبيــ­ة التـي قامـوا بصياغتهـا(2). -2 االتجاهــا­ت النظميــة ‪:)Systemic Trends(‬ تقــوم الفلســفة األساســية لهــذه االتجاهــا­ت عــى تصــور الظواهــر االجتامعيـ­ـة واإلنســان­ية كافــة باعتبارهــ­ا نظــام معقــدة تتضمــن مدخــالت ومخرجــات وعمليــات تحويــل وتغذيــة عكســية بصـور مختلفـة، وهـو مـا يجعـل هـذه االتجاهـات معنيــة بالحفــاظ عــى الوضــع الراهــن والتكيــف مـع التحـوالت الواقعيـة، حيـث تضمنـت نظريـة تحليـل النظـم توقعـاً ضمنيـاً بتصـدع النظـم يف حـال وجـود فجـوة بـن املطالـب املتصاعـدة وسياسـات االسـتجابة(3)، بينـام ربطـت النظريـات الوظيفيـة بقـاء النظـم بـأداء وظائـف متعـددة تتمثـل يف وظائـف جمـع وتحويـل املطالـب واالسـتخرا­ج والتوزيـع للمـوارد ووظائــف التكيــف املتمثلــة يف التجنيــد الســيايس والتنشــئة السياســية.

أمــا نظريــات االتصــال فأكــدت أن اســتقرار النظــم وبقاءهــا يرتبطــان بالقــدرة عــى اســتقبال تدفقـات املعلومـات والتحكـم يف مسـتويات التشـويش )Echo( عـى قنـوات االتصـال، وقـر املسـاحة الزمنيــة بــن اإلرســال واالســتقب­ال والتحويــل، وقــدرة النظــام عــى التعلــم الــذايت واملبــادر­ة مبعنــي القــدرة عــى اســتباق املطلــب باإلصالحــ­ات(4). -3 عالقــات االرتبــاط الســببية ‪:)Causality Correlatio­ns(‬ تضمنــت بعــض االتجاهــا­ت النظريــة توقعـات يف إطـار عالقـات السـببية التـي طرحتهـا كقوانـن حاكمـة للظواهـر، حيـث اعتمـدت هـذه النظريـات عـى رصـد السـياقات الدافعـة للتغيـر، واعتبارهـا مـؤرشات عـى حـدوث تحـوالت مرتقبـة

انتقلــت دراســة املســتقبل خــالل عقــود ممتــدة مــن التطــور مــن التصــورات اليوتوبيــ­ة التــي تقـوم عـى صياغـة صـور مثاليـة ملـا ينبغـي أن تكـون عليـه حالـة العـامل، إىل الدراسـة البينيـة املعقــدة يف إطــار حقــل “دراســات املسـتقبلي­ات” التــي تأسســت عــى التزامــن بــن مســارات متعــددة للمســتقبل تــراوح بــن املســتقبل­يات املحتملـة واملمكنـة واملسـتهدف­ة، وتزايـد االعتامد عـى تحليـل البيانـات الضخمـة ومنـاذج املحاكاة املعقــدة لتقييــم الســيناري­وهات والبدائــل.

يف الواقـع، يف إطـار االرتبـاط بـن األسـباب والنتائـج فعـى سـبيل املثـال، توقعـت النظريـات املؤسسـية حـدوث عـدم االسـتقرار السـيايس يف حـال وجـود تعبئـة اجتامعيـة متزايـدة يف ظـل تراجـع فـرص الحـراك االقتصـادي وضعـف املؤسسـات السياسـية، وتوقـع صمويـل هنتنجتـون حـدوث تحلـل وتصـدع للمؤسسـات ‪)Institutio­nal Decay(‬ يف حـال افتقادهـا القـدرة عـى التكيـف مـع التحـوالت الزمنيـة والجيليـة والتامسـك الداخـي والتعقيـد التنظيمـي واالسـتقال­لية املاليـة والوظيفيـة(5).

ويف السـياق ذاتـه، تضمنـت نظريـة االنقسـاما­ت االجتامعيـ­ة ‪)Social Cleavages Theory(‬ توقعـات بحـدوث الراعـات األهليـة يف حـال وجـود انقسـامات اجتامعيـة متقاطعـة ‪Cross΀Cutting Cleav΀(‬ )ages يف املجتمعــا­ت التعدديــة التــي شــهدت إخفاقــاً لسياســات االندمــاج الوطنــي، مــام يزيــد مــن احتــامالت تفجــر الراعــات الجهويــة والدينيــة وتشــكل الحــركات االنفصاليـ­ـة، خاصــة إذا تركــزت األقليـات يف نطاقـات جغرافيـة منعزلـة عـن الدولـة(6).

أمـا نظريـة عالقـة الدولـة باملجتمـع لــ “جويـل مجـدال”، فتوقعـت حـدوث اضطرابـات سياسـية يف حالــة انهيــار التضامــن والتكامــل بــن الدولــة واملجتمــع، وســيادة معادلــة صفريــة يف العالقــة بينهـام مبعنـي أن زيـادة قـوة الدولـة تكـون خصـامً مـن قـوة املجتمـع والعكـس، ووجـود عالقـة رصاعيـة بــن الطرفــن تقــوم عــى مامرســات قمعيــة مــن جانــب الدولــة يف مقابــل مامرســات إحالليــه مــن جانـب املجتمـع لالسـتقالل عـن هيمنـة الدولـة وتلبيـة احتياجاتــ­ه بعيــدا عــن مؤسســات الدولــة(7).

وال تقتـر مثـل هـذه الرابطـات السـببية كمداخل للتنبــؤ عــى النظريــات الخاصــة بحقــل النظــم السياســية، وإمنــا تشــمل كذلــك نظريــات العالقــات الدوليــة، حيــث تؤكــد النظريــة الواقعيــة الكالســيك­ية أن الراعـات الدوليـة تعـد مـن حتميـات التفاعـالت بــن الــدول يف ظــل تعــارض املصالــح والســعي لالسـتحواذ عـى القـوة وتحقيـق األمـن، بينـام تتوقـع النظريـة الواقعيـة الجديـدة حـدوث تحـوالت جذريـة يف هيـكل النظـام الـدويل عقـب نشـوب حـروب الهيمنـة ‪)Hegemonic Wars(‬ بـن القـوى الكـرى. أمـا النظريـات الليراليـة فركـز عـى االفتقـاد لقواعـد ومؤسسـات دوليـة قـادرة عـى ضبـط التفاعـالت الدوليــة باعتبارهــ­ا الســياقات املوضوعيــ­ة لتفجــر الراعــات الدوليــة(8).

وتتنبـأ نظريـات تحـول القـوة ‪)Power Transition(‬ بحـدوث رصاعـات دوليـة يف حـاالت التقـارب يف القـدرات بـن قـوة دوليـة صاعـدة غـر راضيـة عـن مكانتهـا يف النظـام الـدويل والقـوة املهيمنـة عـى النظـام الـدويل، سـواًء نتيجـة شـن الدولـة املهيمنـة حربـاً وقائيـة للحفـاظ عـى اسـتقرار الوضـع الراهـن أو قيـام الدولـة املتحديـة ‪)Challengin­g State(‬ بالهجـوم املفاجـئ قبـل اكتـامل التكافـؤ يف القـوة ‪)Power Parity(‬ العتقادهـا بقدرتهـا عـى حسـم الـراع(9). -4 دورات التاريــخ ‪:)Cycles of History(‬ يعتمــد التنبــؤ يف بعــض الدراســات عــى رصــد وتحليــل التحــوالت واألحــداث التاريخيــ­ة والقــول إن ظواهــر معينــة قــد تعــود للصــدارة مــن جديــد يف حــال توافــر الســياقات املوضوعيــ­ة التــي أدت لظهورهــا يف املــايض.

ويتبنـى أنصـار هـذا االتجـاه رؤيـة مفادهـا أن التاريـخ يعيـد إنتـاج ذاتـه يف املسـتقبل يف دورات زمنيـة غـر منتظمـة، وهـو مـا يرتبـط بركيـز عـدد كبـر مـن األدبيات عـى اسـتخالص ديناميـات صعود وانحـدار اإلمراطوري­ـات، مثـل نظريـة انتقـال القـوة ‪)Power Transition(‬ التـي طرحها “أورجانسـيك” لتفســر الراعــات التــي تســبق التغــر يف هيــكل النظــام الــدويل. كــام تكــررت هــذه الرؤيــة يف نظريـات متعـددة، مثـل “دورات الحـرب والسـالم” و“دوائـر الصعـود واالنحـدار الحضـاري”(01).

وتعـد رؤى “بـول كينـدي” يف كتابـه حـول “صعـود وسـقوط القـوى العظمـى” مـن أهـم تجليـات النـامذج التاريخيـة، حيـث تنبـأ “كينـدي” بانحسـار الهيمنـة األمريكيـة بسـبب التمـدد العسـكري املفـرط الـذي يتجـاوز املـوارد املتاحـة يف مقابـل صعـود قـوى دوليـة تتحـدى الوضـع الراهـن لصـدارة الدولـة العظمـى. ورصـد الكتـاب تزايـد الديـون األمريكيـة بدايـة مـن عـام 1980 وتراجـع الصـادرات الصناعيـة والتجاريـة، مـام أدى لصعـود معضلـة االختيـار بـن االلتزامـا­ت العسـكرية املتزايـدة للواليـات املتحـدة ذات التكلفـة املتصاعـدة واالسـتثام­ر يف النمـو االقتصـادي، وهـو املوقـف ذاتـه الـذي دفـع بريطانيـا للراجـع عـن الصـدارة بعـد الحـرب العامليـة األوىل(11).

وتكـررت أفـكار “كينـدي” يف كتابـات كل مـن “روبـرت كاجـان” يف كتابـه “عـودة التاريـخ ونهايـة األحـالم” الصـادر عـام ،2008 والـذي تضمـن توقعـات بصعـود التيـارات القوميـة يف روسـيا والصـن والــدول األوروبيــ­ة وتراجــع الصــدارة العامليــة للواليــات املتحــدة، وهــو مــا يتســق أيضــاً مــع مقــوالت “ريتشـارد هـاس” حـول “عـر انعـدام القطبيـة” مــع تراجــع األحاديــة األمريكيــ­ة وانتشــار توزيــع القــوة بصعــود أدوار القــوى الدوليــة البديلــة والقــوى اإلقليميــ­ة واملنظــام­ت الدوليــة والــركات العامليــة ووســائل اإلعــالم والتنظيــا­مت اإلرهابيــ­ة وامليليشــ­يات املســلحة والحــركات االنفصاليـ­ـة. وينطبـق األمـر ذاتـه عـى رؤى “إيـان برميـر” حــول تطــورات النظــام الــدويل، فقــد توقــع أن يسـود العـامل حالـة مـن االضطـراب والفوضويـة يف ظـل مـا يسـميه “عـر انعـدام القيـادة” وانسـحاب القـوى الكـرى والتحالفـا­ت الدوليـة مـن الشـؤون العامليـة، مـام يـؤدي النهيـار منـوذج السـوق الحـر وعـودة السياسـات الحامئيـة لتسـيطر عـى اقتصـادات دول العـامل، وذلـك بالتـوازي مـع تصـدع الـدول األكـرث ضعفـا وتفجـر الراعـات األهليـة وصعـود دور الفاعلـن املسـلحن مـن غـر الـدول(21). -5 االختيـار الرشـيد ‪:)Rational Choice(‬ تركـز بعـض االتجاهـات النظريـة عـى الطابـع العقـالين للفاعلـن السياسـين وقدرتهـم عـى املفاضلـة بـن البدائـل وفـق حسـابات التكلفـة والعائـد، بحيـث يتـم اختيـار البدائـل األعـى يف العائـد واألقـل يف التكلفـة، وهـو مـا يجعـل التنبـؤ مجـرد عمليـة محـاكاة منطقيـة ملوقـف االختيـار بـن البدائـل، أي أنـه يتـم ترجيـح السـلوك األكـرث اتسـاقاً مـع معاير الرشـادة.

ويف إطـار منـوذج “الفاعـل الرشـيد” ‪)Rational Actor Model(‬ تبـدأ عمليـة صنـع القـرار بتحديـد األهـداف والغايـات املرجـوة وتجميـع املعلومـات عـن املعطيـات الواقعيـة وصياغـة البدائـل واالختيـار­ات املتاحـة وحسـاب التكلفـة والعائـد لـكل بديـٍل عـى حـدة، ثـم اختيـار البديـل األقـل يف التكلفـة واألعـى يف العائــد. ونتيجــة لحالــة انعــدام اليقــن التــي تســود الواقــع يعتمــد صانعــو القــرار عــى ترجيــح االحتـامال­ت املتوقعـة للنتائـج املرتبـة عـى القـرار املتخـذ(31).

أصبـح “التغيـر الرسيـع واملتواصـل والالمتوقـ­ع” مــن مســلامت الواقــع الراهــن يف ظــل التعقيــد والتداخــل بــن االتجاهــا­ت املختلفــة، واندثــار الحــدود الفاصلــة بــن املســتويا­ت الداخليــة واإلقليميـ­ة والعامليـة، وتـآكل الفـوارق التقليدية

بــن الفاعلــن، والتعــدد الالنهــاي­ئ للقضايــا والتطــورا­ت واملعطيــا­ت التــي تتســبب متابعتهــا يف إنهــاك قــدرات األكادمييـ­ـن والخــراء واملتابعــ­ن.

وينطبـق األمـر ذاتـه عـى نظريـة املباريـات ‪)Game Theory(‬ التـي تقـوم عـى التحليـل الريـايض لحـاالت تعـارض املصالـح بـن الفاعلـن لتحديـد أفضـل الخيـارات املمكنـة يف ظـل املعطيـات املتاحـة، إذ تســتند هــذه النظريــة إىل افــراض عقالنيــة الالعبــن وقيامهــم بحســابات للمكاســب والخســائر املتوقعــة وتداعيــات تحــركات الخصــم عــى مصالحهــم. وميكــن مــن خــالل املباريــا­ت توقــع ســلوك القــوى السياســية – عــى ســبيل املثــال ΀ خــالل التنافــس االنتخــاي­ب، وكــذا سياس ـات الفاعلــن أثنــاء الراعــات الدوليــة(41). -6 النـامذج الكميـة ‪:)Quantitati­ve Models(‬ تقـوم الفكـرة األساسـية للنـامذج الكميـة عـى محاولـة إيجـاد منـاذج لالرتبـاط بـن املتغـرات للوصـول ملقـوالت نظريـة قابلـة للتعميـم عـى الحاالت املتشـابهة، ويتـم اسـتخالص هـذه املقـوالت الشـبيهة بالقوانـن الحاكمـة للظواهـر الطبيعيـة مـن تجميـع البيانـات واملعلومـا­ت ودراسـة معـادالت االرتبـاط بـن املتغـرات يف حـاالت متعـددة.

وقـد متكنـت الدراسـات اإلمريقيـة الكميـة مـن إثبـات عـدة مقـوالت، مـن بينهـا أن النظـام الحـزيب يرتبـط بطبيعـة النظـام االنتخـايب، حيـث تـؤدي نظـم التمثيـل النسـبي انتخابيـاً إىل تشـكل نظـام حـزيب تعــددي وتزايــد احتــامالت تشــكيل حكومــات ائتالفيــة، بينــام يرتــب عــى اتبــاع نظــم األغلبيــة يف االنتخابـا­ت تشـكل نظـام حـزيب يقـوم عـى التنافـس بـن حزبـن رئيسـين. كـام أثبتـت الدراسـات الكميـة وجـود عالقـة ارتباطيـة بـن نظـم الحكـم الرملانيـة وتزايـد احتـامالت تشـكيل حكومـات ائتالفيـة باملقارنـة مـع النظـم الرئاسـية(51)، وارتبـاط السياسـات التوسـعية الراعيـة بضغـوط املـوارد والسـكان، وأن مثـة عالقـة بـن تفجـر الراعـات بـن القـوى اإلقليميـة وزيـادة اإلنفـاق العسـكري.

ودفعـت الطفـرة يف الدراسـات امليدانيـة واسـتطالعا­ت الـرأي عـدداً كبـراً مـن املتخصصـن لتجـاوز اعتبـارات “الحـذر األكادميـي”، واسـتخالص تنبـؤات رصيحـة، كـام دفـع انتشـار املـؤرشات الكميـة التـي تسـعى لقيـاس بعـض الظواهـر مثـل “مـؤرش الدميقراطي­ـة” و“مـؤرش حريـة الصحافـة” و“مـؤرشات التنافســي­ة االقتصاديـ­ـة” ملزيــد مــن الجــرأة يف التنبــؤات السياســية اعتــامداً عــى تجميــع املــؤرشات وصياغـة منـاذج نظريـة تقـوم عـى عالقـات السـببية واالرتبـاط بـن املتغـرات وتحـوالت الواقـع.

وعـى سـبيل املثـال اعتمـدت الحملـة االنتخابيـ­ة للمرشـحة الدميقراطي­ـة الخـارسة يف االنتخابـا­ت الرئاســية األمريكيــ­ة “هيــالري كلينتــون” عــى برنامــج محــاكاة إلكــروين يطلــق عليــه “آدا” )ADA( يقـوم عـى خوارزميـة حسـابية معقـدة التخـاذ القـرارات االسـراتيج­ية اليوميـة للحملـة، مثـل أماكـن بـث اإلعالنـات التليفزيون­يـة ومواقـع عقـد املؤمتـرات الدعائيـة وتوزيـع املـوارد بـن املقاطعـات املختلفـة وتوقيتـات اسـتضافة الرمـوز السياسـية، حيـث كان يتـم تغذيـة الرنامـج ببيانـات متعـددة، مثـل نتائـج اسـتطالعات الـرأي املختلفـة وبيانـات الناخبـن والسـلوك التصويتـي السـابق للمقاطعـات والواليـات يف االنتخابـا­ت السـابقة للتنبـؤ بالعوامـل التـي ميكـن أن تدفـع الناخبـن للتصويـت يف اتجـاه معـن(61).

ويف مجــال اإلنــذار املبكــر الخــاص باحتــامال­ت تفجــر الراعــات، رصــدت دراســة “فردريــك بارتـون” و“كاريـن فـون هيبـل”، مـا يزيـد عـى 30 منـوذج محـاكاة إلكرونيـاً للتنبـؤ باحتـامالت تفجـر الراعــات الداخليــة والدوليــة يف العــامل، تتصدرهــا برامــج تتبــع ملؤسســات، مثــل هيئــة املســاعدا­ت األمريكيـة وبرنامـج األمـم املتحـدة للتنميـة والبنـك الـدويل ومجموعـة التحكـم يف املخاطـر الريطانيـة لالستشــار­ات ومجموعــة “آي إتــش إس” لالستشــار­ات ومجموعــة “يب آر إس” لالستشــار­ات األمنيــة. وتقـوم هـذه الرامـج كافـة عـى تجميـع منتظـم للبيانـات التـي تغطـي مجموعـة ضخمـة مـن املـؤرشات األمنيـة واالجتامعي­ـة واالقتصادي­ـة والسياسـية الخاصـة بـدول العـامل املختلفـة إلصـدار إنـذارات مبكـرة بالراعـات الداخليـة والدوليـة قبـل حدوثهـا(71).

وعـى الرغـم مـن تطـور الدراسـات الكميـة، فـإن غالبيتهـا مل تحقـق نجاحـاً يف اسـتراف املسـتقبل بسـبب عـدم مراعـاة تعقيـدات السـلوك البـري وصعوبـة إخضاعـه للتحويـل الكمـي، وعـى سـبيل املثال يـؤدي التغـر الرسيـع لتوجهـات املواطنـن لتحجيـم قابليـة االسـتعانة باسـتطالعا­ت الـرأي كمـؤرش عـى السـلوك التصويتـي للناخبن. -7 الدراسـات املسـتقبلي­ة ‪:)Future Studies(‬ تركـز الدراسـات املسـتقبلي­ة عـى اسـتراف االحتـامال­ت املسـتقبلي­ة املتوقعـة للظواهـر املختلفـة والتغـرات املسـتقبلي­ة مـن خـالل أدوات منهجيـة بينيـة، يتمثـل أهمهـا يف النـامذج السـببية التـي تـدرس كميـاً اتجاهـات التغـر يف االرتبـاط بـن املتغـرات، وبنـاء السـيناريو­هات املتوقعـة لتطـور الظواهـر ورسـم الخرائـط الزمنيـة التـي تربـط بـن الخـرة التاريخيـة لتطـور الظاهـرة وواقـع الظاهـرة يف الوضـع الراهـن للتنبـؤ مبسـارات واتجاهـات املسـتقبل.

وقـد يسـتند التنبـؤ يف الدراسـات املسـتقبلي­ة إىل رصـد القـوى الرئيسـية املحركـة لتطـور الظواهـر ملعرفـة املسـارات املحتملـة أو رصد التناظر والتشـابه بــن الســوابق التاريخيــ­ة والتطــورا­ت الواقعيــة الحاليـة ‪)Method of Analogy(‬ أو رصـد االرتباط الزمنـي بـن حدثـن باعتبـاره مـؤرشاً عـى قـرب وقـوع ظاهـرة معينـة، مثـل التنبـؤ باحتـامل حـدوث هجــوم إرهــايب انتقامــي عقــب تصفيــة قيــادات التنظيــام­ت اإلرهابيــ­ة.

كــام تعتمــد الدراســات املســتقبل­ية عــى اســتطالعا­ت رأي الخــراء حــول االتجاهــا­ت املســتقبل­ية والعصــف الذهنــي بــن املتخصصــن، فضـالً عـن االعتـامد عـى منـاذج للتحليـل الكمـي، مثـل منـاذج االقتصـاد القيـايس، ومنـاذج “املدخـالت واملخرجـات” ‪،)Input΀Output Models(‬ ومنـاذج ديناميـات النظـم ‪،)Systems Dynamics(‬ ومنـاذج املحــاكاة Models( .)18(ا)Simulation

وعــى الرغــم مــن ذلــك، فــإن النــامذج الكميــة واتجاهــات االختيــار العقــالين، تعــاين النزعــة اإلمريقيـة للتعميـم والسـعي لبنـاء منـاذج نظريـة صالحـة لتفسـر حـاالت متعـددة، وهـو مـا يعـد مـن أهـم مسـببات إخفـاق توقعـات املتخصصـن، يف ظـل االعتـامد عـى مـؤرشات جزئيـة يف بنـاء تعميـامت عـى حـاالت غـر متشـابهة يف خصائصهـا، وهيمنـة اتجاهـات اختـزال الظواهـر االجتامعيـ­ة واإلنسـاني­ة يف مـؤرشات كميـة تجميعيـة، واإلميـان املطلـق بحتميـات التعـادل واالتسـاق بـن أطـراف املعـادالت، وهـو مـا يـؤدي إلغفـال كافـة التعقيـدات اإلنسـانية واالجتامعي­ـة غـر القابلـة للتعبـر الكمـي.

انتقـل حقـل دراسـات املسـتقبلي­ات مـن الركيـز عــى االتجاهــا­ت الصاعــدة يف الحــارض يف املجــاالت االقتصاديـ­ـة والتكنولوج­يــة واالجتامعي­ـة والسياسـية واألمنيـة إىل اإلقـرار بالتعقيــد­ات املتصاعــد­ة يف الواقــع وتصاعــد عــدم اليقــن يف التطــورات املســتقبل­ية، ومــن ثـم طـرح أكـر مـن صيغـة وتصـور للمسـتقبل وعــدم االكتفــاء بطــرح مســار واحــد مرجــح للمســتقبل .

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates