Future Studies

خامسا: تداعيات الذكاء االصطناعي

-

يرتبــط تصاعــد الجــدل حــول خطــورة الــذكاء االصطناعــ­ي يف عــدم قــدرة البــرش عــى اســتيعاب التداعيـات الناجمـة عـن هـذه التقنيـات، فضـالً عـن تسـارع التطـورات التكنولوجي­ـة يف هـذا املجـال، وتعـدد تطبيقاتهـا، والتـي تدخـل تقريبـاً يف مجـاالت الحيـاة كافـة، األمـر الـذي دفـع بعـض الباحثـن لتشــبيه ثــورة الــذكاء االصطناعــ­ي بثــورة الكهربــاء التــي كان لهــا تأثــر عــى كافــة أشــكال الحيــاة اإلنسـانية، وميكـن تقسـيم تأثـر ثـورة الـذكاء االصطناعـي عـى الحيـاة البرشيـة يف ثالثـة مسـتويات رئيسـية هـي السـيايس واالقتصـاد­ي واالجتامعـ­ي، وهـو مـا ميكـن تفصيلـه عـى النحـو التـايل: -1 تعزيـز سـلطات الدولـة السياسـية واألمنيـة: تسـاهم تقنيـات الـذكاء االصطناعـي يف التأثـر عــى الســاحة السياســية بصــورة كبــرة، ســواء كان ذلــك عــى مســتوى املواطــن أو عــى مســتوى الحكومـة، فمـن ناحيـة يعطـي الـذكاء االصطناعـي فرصـة أكـرب للمواطنـن يف التأثـر عـى عمليـات صناعـة القـرار مـن خـالل مـا توفـره مـن معلومـات لألفـراد، أو مبـا تتيحـه مـن أدوات تكنولوجيـة للتعبـر عـن الـرأي والتأثـر يف األحـداث السياسـية، ومـن ناحيـة أخـرى، مينـح الحكومـات العديـد مـن الوسـائل التـي تسـاهم يف تحسـن عمليـة جمـع املعلومـات وإدارة املـوارد والتنبـؤ الدقيـق باملسـتقبل وتحســن عمليــة اتخــاذ القــرار، فضــالً عــن تعزيــز أمــن الدولــة والحفــاظ عــى أروح األفــراد عــرب اســتخدام الطائــرات املســرة والروبوتــ­ات القتاليــة يف العمليــات العســكرية. وميكــن تفصيــل تأثــر الــذكاء االصطناعــ­ي سياســياً يف التــايل:

أ- دعــم عمليــة اتخــاذ القــرار: تقــوم تقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي بتحليــل البيانــات العمالقــة Big( ،)Data أي تلــك البيانــات التــي يتــم جمعهــا مــن مواقــع اإلنرنــت والتواصــل االجتامعــ­ي ومواقــع التجـارة اإللكرونيـ­ة وتجـارة التجزئـة، باإلضافـة إىل قواعـد البيانـات الحكوميـة املختلفـة، والسـيارات ذاتيـة القيـادة وأجهـزة إنرنـت األشـياء ومـن خـالل نظـم الـذكاء االصطناعـي يتـم تحليـل هـذه البيانات واملعلومـا­ت، مبـا يسـاعد يف النهايـة عـى اتخـاذ القـرار السـليم.

وتسـاهم هـذه التقنيـات يف معرفـة رأي الجمهـور تجـاه بعـض القضايـا املختلفـة، ومعرفـة توجهاتـه وموقفـه منهـا، مـع القـدرة عـى تحليـل الخصائـص الدميغرافي­ـة والجغرافيـ­ة لهـذا الجمهـور، مثـل النـوع والسـن والديانـة والحاجـة االجتامعيـ­ة والتوجـه السـيايس واملسـتوى املعيـي ومسـتوى الدخـل واملنطقـة الجغرافيـة وغرهـا مـن البيانـات التـي ميكـن الحصـول عليهـا بصـورة غـر مبـارشة عـن املواطنـن، وذلــك بصــورة فوريــة وآنيــة دون الحاجــة إىل عمــل اســتطالعا­ت رأي قــد ال يتفاعــل معهــا الجمهــور بطريقـة مبـارشة، وهـو مـا يعطـي الفرصـة لصانعـي القـرار إلعـادة النظـر يف قراراتهـم وتوظيفهـا مبـا يحقـق نفـع املواطنـن ويسـاهم يف تحقيـق رفاهيتهـم. ب- التصــدي لتهديــدات األمــن الداخــي: تســاعد تقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي يف الحـد مـن التهديـدات األمنيـة التـي يواجهـا املجتمـع عـرب تقليل معـدالت الجرائـم، وذلك عــرب نظــم املراقبــة والكامــرا­ت الذكيــة وبرامـج التعـرف عـى الوجـوه يف مختلـف األماكــن، فمــن خــالل هــذه النظــم ميكــن رصــد الجرميــة فــور وقوعهــا والتعامــل معهــا برسعــة، ورصــد حركــة املطلوبــن أمنيـاً واألفـراد الذيـن يشـكلون خطـراً عـى املجتمــع.

وليــس هــذا فحســب، بــل ميكــن أيضــاً التنبـؤ بإمكانيـة حـدوث جرميـة مبـا يعطـي الفرصـة ملنعهـا قبـل حدوثهـا، وذلـك مـن خـالل تطبيـق إحـدى االسـراتيج­يات األمنيـة الذكيـة التـي تعـرف باسـم “االسـتخبار­ات العلنيـة” ‪Open source in-(‬ ،)telligence أو اختصـاراً باسـم األوسـنت ،)OSINT( ويقصـد بهـا “إمكانيـة الحصـول عـى املعلومـات االسـتخبار­اتية مـن خـالل املصـادر العلنيـة وبالطـرق الرشعيـة والقانونيـ­ة باالعتـامد عـى نظـم إلكرونية وبرامـج كمبيوتـر عمالقـة”(53).

وتقـوم اسـراتيجية “األوسـنت” عـى فكـرة رئيسـية مفادهـا، أننـا نعيـش يف عـر البيانـات العمالقـة ‪،)Big Data(‬ وعــرب اســتخدام نظــم الــذكاء االصطناعــ­ي ميكــن الحصــول عــى مــؤرشات وتحليــالت تســاهم يف الكشــف املبكــر عــن التهديــدا­ت ورســم خرائــط مســتقبلية حــول أكــر األماكــن املعرضــة لحـدوث جرائـم، أو الكشـف عـن نوايـا بعـض املجرمـن املحتملـن، ومـن األمثلـة عـى ذلـك حـادث مســجدي كرايســت تشــرش يف نيوزيالنــ­دا الــذي أعلــن منفــذه، عــرب مواقــع التواصــل االجتامعــ­ي، اعتزامـه القيـام بهـذا العمـل اإلرهـايب قبـل الـرشوع فيـه، فـإذا تـم توظيـف نظـم الـذكاء االصطناعـي بصـورة جيـدة، ففـي هـذه الحالـة كان ميكـن منـع الكارثـة قبـل وقوعهـا، مبـا يحافـظ يف النهايـة عـى سـالمة املجتمـع واملواطنـن.

ج-حايــة األمــن القومــي: اتجهــت العديــد مــن الــدول حــول العــامل لالعتــامد عــى الطائــرات مــن دون طيـار والروبوتـا­ت ذاتيـة القيـادة يف القيـام باملهـام العسـكرية بـدالً مـن األفـراد، حيـث ميكـن االسـتعانة بهـا يف مهـام االسـتطالع والرصـد واملراقبـة وتوصيـل املـؤن والكشـف عـن املتفجـرات وتدمـر األهـداف املتحركـة والثابتـة.

ودفعـت الحكومـات الـرشكات الخاصـة لالسـتثامر يف تقنيـات الـذكاء االصطناعـي العسـكرية، حيـث قامـت جوجـل بتطويـر برنامـج لـوزارة الدفـاع األمريكيـة تحت مسـمى “مـرشوع مافـن” ‪Project Ma-(‬ ،)ven والـذي مبوجبـه قامـت رشكـة جوجـل بتطويـر تقنيـات ذكاء اصطناعـي لزيـادة فاعليـة األسـلحة األمريكيـة، حيـث إنهـا يف إطـار الربنامـج املذكـور قامـت بتطوير برامـج لتحليل صـور الفيديو، وتحسـن قـدرة الدرونـز عـى اسـتهداف األفـراد املـراد تصفيتهـم، أو املبـاين التـي سـيتم تدمرهـا. وعـى الرغـم مـن إعـالن الرشكـة تراجعهـا عـن تجديـد تعاقدهـا مـع وزارة الدفـاع األمريكيـة، والـذي ينتهـي عـام ،2019 وذلـك يف ضـوء تهديـد العديـد مـن العاملـن باالسـتقال­ة، فـإن هـذا ال ينفـي قيـام العديـد مـن الـرشكات التكنولوجي­ـة الكـربى العاملـة يف املجـال نفسـه مثـل رشكـة “أمـازون” باملسـاهمة يف تطويـر هـذه املرشوعـات(63).

ويف بريطانيـا أعلـن “صنـدوق االسـتثامر االسـراتيج­ي لألمـن القومـي” مـن ِقبـل املستشـار فيليـب هامونـد يف ميزانيـة عـام 2017 عـن تعزيـز االسـتثامر يف قطـاع تكنولوجيـا األمـن يف اململكـة املتحـدة مببلـغ 85 مليـون جنيـة اسـرليني، ووفقاً للفايننشـا­ل تاميــز فقــد تــم تحديــد عــدة مجــاالت رئيســية لالسـتثامر فيهـا وجميعهـا مرتبطـة بتقنيـات الـذكاء االصطناعـي، مثـل تحليـل البيانـات وتكنولوجيـ­ا تتبـع املعلومــا­ت املاليــة وتكنولوجيـ­ـا التعــرف عــى هويــة األفـراد واملجموعـا­ت(73).

ولذلـك فالجيـوش بصـدد القيـام بعمليـات إحـالل لألسـلحة ذاتيـة التشـغيل التـي تقـوم عـى تقنيـات الــذكاء االصطناعــ­ي محــل الجنــود التقليديــ­ن، وهــو مــا يهــدد بظهــور ســباق تســلح جديــد يف مجـال األسـلحة ذاتيـة التشـغيل، تتسـم فيـه األسـلحة بقدراتهـا التدمريـة الفتاكـة، والتـي ال تراعـي بالـرورة قوانـن الحـرب، خاصـة فيـام يتعلـق بالتمييـز بـن املدنيـن والعسـكرين، كـام تثـار املخـاوف مـن إمكانيـة وقـوع هـذه األسـلحة يف يـد الفواعـل مـن غـر الـدول، مثـل الجامعـات اإلرهابيـة. -2 رفـع الكفـاءة االقتصاديـ­ة للـركات: ميثـل مجـال الـذكاء االصطناعـي نقطـة تحـول رئيسـية يف مســتقبل الــرشكات واملؤسســا­ت الصناعيــة والخدميــة حــول العــامل، مبــا ســوف يحدثــه ّمــن تغــرات جوهريــة يف إدارة “سلسـلة القيمــة” ‪،)Value Chain(‬ للــرشكات املنتجــة للســلع أو الخدمـات، مبــا يف ذلــك عمليــات التصنيــع والتســويق واملبيعــا­ت وخدمــة العمــالء، وذلــك مــن خــالل تقنياتهــا املتعــددة، مثـل تعلـم اآلالت و“رؤيـة الحاسـب اآليل” ‪)Computer Vision(‬ والروبوتـا­ت الذكيـة واملركبـات ذاتيـة القيــادة، فلــم يعــد الــذكاء االصطناعــ­ي مجــرد وســيلة ألمتتــة املصانــع لزيــادة الكفــاءة واإلنتاجيـ­ـة، وإمنـا تكنولوجيـا ناشـئة تسـاهم يف التغلـب عـى التحديـات العامليـة، مثـل الفجـوة التعليميـة، وعـالج األمـراض املسـتعصية، وتوقـع السـيناريو­هات املحتملـة واألزمـات املسـتقبلي­ة، وهـو مـا سـوف يـؤدي يف

تســاعد تقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي يف الحــد مـن التهديـدات األمنيـة التـي يواجههـا املجتمـع عـر تقليـل معـدالت الجرائـم، وذلـك عـر نظم املراقبــة والكامــري­ات الذكيــة وبرامــج التعــرف عـى الوجـوه يف مختلـف األماكـن، فمـن خـال هـذه النظـم ميكـن رصـد الجرميـة فـور وقوعهـا والتعامـل معهـا برسعـة، ورصـد حركـة املطلوبن أمنيــا واألفــراد الذيــن يشــكلون خطــراً عــى املجتم ـع.

نهايـة املطـاف لتحـوالت جذريـة يف منـاذج أعـامل الـرشكات وتحسـن عملياتهـا ومخرجاتهـا(83). وميكـن توضيـح أهـم مميـزات الـذكاء االصطناعـي يف املجـال االقتصـادي يف التـايل: أ- تحسـن التوقعـات املسـتقبلي­ة: تسـاعد تقنيـات الـذكاء االصطناعـي يف خلـق بيئـة عمـل أكـر قابليـة للتنبـؤ وأقـل مخاطـرة، مـن خـالل تحسـن قـدرات املؤسسـات والـرشكات يف التوقـع والتنبـؤ بنـاء عـى اسـتخدام خوارزميـات معقـدة متكنهـا مـن التعامـل مـع قـدر كبـر مـن البيانـات الضخمـة واملتباينـ­ة، ومعالجتهـا للتنبـؤ بتطـور األوضـاع املاليـة للـرشكات.

وتدعـم هـذه الخاصيـة جهـود املؤسسـات والـرشكات يف الكشـف عـن الفـرص واملخاطـر املسـتقبلي­ة، والتـي يسـتوجب اتخـاذ قـرارات بشـأنها بشـكل فـوري، مثـل الـرشكات التـي تسـتخدم الخوارزميـ­ات املعقــدة يف تحديــد حجــم املبيعــات املتوقعــة واتجاهــات الطلــب مــن قبــل املســتهلك­ن يف املســتقبل، كــام قــد ميتــد نطــاق اســتخدامه­ا يف املجــاالت العامــة، مثــل التنبــؤ باملخاطــر الصحيــة واألوبئــة، أو معـدالت االنبعاثـا­ت الكربونيـة يف املسـتقبل، ومبــا يســهل مهــام الحكومــات يف اتخــاذ اإلجــراءا­ت الوقائيــة لعــالج هــذه التحديــات(93). ب- زيـادة اإلنتاجيـة وتحقيق الكفـاءة: تعد مــن بــن مزايــا اســتخدام تقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي تعزيــز إنتاجيــة الــرشكات، سـواء يف مجـال التصنيـع أو الخدمـات. ويف هـذا الصـدد، بإمـكان املؤسسـات والـرشكات االعتــامد عــى تطبيقــات، مثــل الروبوتــا­ت الذكيـة والخوارزمي­ـات يف تنظيـم العمليـات التشــغيلي­ة باملصانــع، مبــا يختــر الوقــت ويقلـل الفاقـد مـن املـواد الخـام، ويحـد يف الوقـت نفسـه مـن عيـوب اإلنتـاج.

فقــد أصبــح مــن اليســر عــى الــرشكات متابعــة حالــة أصولهــا املاديــة اململوكــة لهــا والكشــف املبكــر عــن مواطــن الخلــل بهــا، مــن خــالل االعتـامد عـى بيانـات أجهـزة االستشـعار ذات الحساسـية العاليـة، والطائـرات مـن دون طيـار وغرهـا. وبـات مـن املمكـن لـرشكات توزيـع الكهربـاء، عـى سـبيل املثـال، خفـض أعطـال املحـوالت الكهربائيـ­ة وتقليـل معـدالت إهالكهـا بنـاء عـى تحليـل حجـم كبـر مـن البيانـات واملتغـرات، مثـل عوامـل الطقـس ومعـدالت اسـتهالك الكهربـاء وغرهـا مـن العوامـل(04). ج- ترويـج املنتجـات بصـورة أفضـل: تتيـح تقنيـات الـذكاء االصطناعـي مسـاعدة الـرشكات يف تصميـم الربامـج الرويجيـة للمنتجـات بقـدر أكـرب مـن الفعاليـة مـن خـالل تحديـد السـعر املناسـب، وكذلـك تحديـد الرسـائل املناسـبة الجتـذاب املسـتهلكن، اعتـامداً عـى تحليـل قـدر كبـر مـن البيانـات، مثـل تفضيــالت املســتهلك­ن والحالــة االقتصاديـ­ـة، وهــذا مــا ســوف ميكــن الــرشكات مــن تســعر الســلع والخدمـات بشـكل ديناميـي، أي مبعنـى رفـع األسـعار عندمـا يرتفـع الطلـب أو يبـدو املسـتهلك عـى اسـتعداد لدفـع املزيـد مقابـل املنتـج أو الخدمـة، وخفضـه عندمـا يراجـع الطلـب، وتنطبـق هـذه امليـزة بوضـوح عـى عمليـات تسـعر الرحـالت الجويـة وغـرف الفنـادق، عـى سـبيل املثـال(14).

د- دراســة احتياجــات املســتهلك­ن: تتمثــل إحــدى الفوائــد الرئيســية لتقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي يف خلـق قيمـة عاليـة بالنسـبة لبيانـات املسـتخدم أو املسـتهلك، وبفضلهـا سـوف يصبـح بإمـكان الـرشكات التكيــف الرسيــع مـع احتياجــات وتفضيــالت املســتهلك­ن، وهــذا مــا سيشـعر العمــالء بأنهــم مميــزون ويعـزز مـن والئهـم للـرشكات ومـن ثـم زيـادة إيراداتهـا. وتسـتخدم بعـض الـرشكات تقنيـات الـذكاء االصطناعـي لخلـق منتجـات وتقديـم خدمـات مناسـبة لظـروف كل عميـل، مثـل رشكـة “ماينـد مـاز” )Mindmaze( الســويرسي­ة املختصــة يف إعــادة تأهيــل مــرىض الســكتة الدماغيــة، ورشكــة “توربــن” )Turbine( املختصـة بتصميـم عـالج ملـرىض رسطـان لـكل فـرد عـى حـدى. هــ- رفـع العوائـد االقتصاديـ­ة: تتفـاوت العوائـد االقتصاديـ­ة لتطبيقـات الـذكاء االصطناعـي مـن دولـة ألخـرى يف املسـتقبل، ومـرد ذلـك ليـس مجـرد اختـالف اإلنفـاق االسـتثامر­ي يف هـذا املجـال، وإمنـا الظـروف االقتصاديـ­ة وأوضـاع األسـواق وغرهـا مـن العوامـل. ولعلـه مـن املتوقـع أن تخلـق تقنيـات الـذكاء االصطناعـي مكاسـب القتصـادات الصـن وأمريـكا الشـاملية أكـر مـن غرهـا ويعـود ذلـك، ليـس إىل توسـع الـرشكات يف اسـتخدام تقنيـات عاليـة اإلنتاجيـة فقـط، وإمنـا لنضج السـوق االسـتهالي­ك فيهـام، وقدرتهـام عـى اسـتيعاب تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي بسـهولة. ومـن املتوقـع أن يبلـغ مجمـوع العوائـد املسـتقبلي­ة لتطبيقـات الـذكاء االصطناعـي يف كل مـن قـارة أمريـكا الشـاملية والصـن نحـو 10.7 تريليـون دوالر بحلـول عـام 2030 أي مـا يـوازي %68.8 مـن إجـاميل املكاسـب العامليـة(24). -3 تحســن جــودة الحيــاة البريــة: يتوقــع أن ترتــب عــى تطبيقــات الــذكاء االصطناعــ­ي تداعيــات اجتامعيــة كبــرة، ســواء كانــت هــذه التداعيـات إيجابيـة أو سـلبية، فمـن ناحيـة يسـاعد الــذكاء االصطناعــ­ي عــى فهــم أدق للمجتمعــا­ت، وتحســن مســتوى املعيشــة والوضــع الصحــي، كــام يسـاهم يف التنبـؤ باألزمـات والكـوارث واالسـتعدا­د لهــا، لكنــه يف الوقــت نفســه لــه بعــض التداعيــا­ت السـلبية التـي تتضـح يف التفـاوت الواضـح بـن مـن ميتلـك هـذه التقنيـات ومـن ال ميتلكهـا، فضـالً عـن اختفـاء بعـض الوظائـف واملهـن ومـا يرتـب عليهـا مـن رفـض مجتمعـي لهـذه التقنيـات. ويفصـل العديـد مـن الخـرباء التداعيـات االجتامعيـ­ة اإليجابيـة لتطبيقــات الــذكاء االصطناعــ­ي يف التــايل(34): أ- تعزيــز فهــم املجتمعــا­ت واألفــراد: يعمــل الــذكاء االصطناعــ­ي عــى تحليــل “البيانــات الضخمــة” لألفـراد، أي الكميـات الهائلـة مـن املعلومـات الشـخصية واملهنيـة التـي ميكـن تحليلهـا للوقـوف عـى التطـورات التـي تطـرأ عـى أمنـاط سـلوك اإلنسـان وتفاعالتـه، وهـذه البيانـات معقـدة للغايـة(44)، بحيث يسـتحيل تحليلهـا سـوى باسـتخدام تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي، وهـو مـا يسـاعد عـى فهـم عميـق للمجتمعـات واألفـراد، األمـر الـذي يُتيـح مزيـداً مـن الُقـدرة عـى ُمراقبـة السـلوك البـرشي الجمعـي والفـردي، والتنبـؤ بتوجهاتـه واحتياجاتـ­ه املسـتقبلي­ة.

وتُعــد العالقــة بــن الــذكاء االصطناعــ­ي والبيانــا­ت الضخمــة ثنائيــة االتجــاه، فمــن ناحيــة يحتــاج الــذكاء االصطناعــ­ي إىل كميــة هائلــة مــن البيانــات للتعلــم، ومــن ناحيــة أخــرى تســتخدم البيانــات الضخمـة تقنيـات الـذكاء االصطناعـي لتحويـل مجمـوع البيانـات الضخمـة إىل معلومـات محـددة حـول توجهـات الشـعوب حـول قضيـة معينـة، ومـن ثـم ُميكـن اتخـاذ القـرار بنـاًء عليهـا(54).

اتجهــت العديــد مــن الــدول حــول العــامل لاعتــاد عــى الطائــرات املســرية مــن دون طيــار والروبوتــ­ات ذاتيــة القيــادة يف القيــام باملهــام العســكرية بــدالً مــن األفــراد، حيــث ميكــن االســتعان­ة بهــا يف مهــام االســتطاع والرصـد واملراقبـة وتوصيـل املـؤن والكشـف عـن املتفجـرات وتدمـري األهـداف املتحركـة والثابتة.

ب- تحقيـق األمـان البيئـي واالجتاعـي: تسـتخدم بعـض املـدن الـذكاء االصطناعـي يف التنبـؤ بالكوارث الطبيعيـة، مثـل برنامـج الـذكاء االصطناعـي الخـاص برشكـة “آي. يب. إم.” حيـث يتوقـع انقطـاع التيـار الكهربــاي­ئ الناتــج عــن األعاصــر والعواصــف، ويعتمــد هــذا النظــام عــى تحليــل بيانــات الطقــس السـابقة والبيانـات الحاليـة يك يتوقـع انقطـاع التيـار، وتبلـغ دقـة توقعاتـه ملـدة 72 سـاعة قادمـة حـوايل .%70 ويوجـد نظـام آخـر يسـمى “وان كونسـرن” ‪)One Concern(‬ والـذي يسـتخدم لرشـد طواقـم اإلنقـاذ إىل أكـر األماكـن تـررا بعـد الكـوارث الطبيعيـة كالـزالزل والحرائـق.

وطـّور باحثـون اسـكتلنديو­ن نظامـاً آخـر يعتمـد عـى الجمـع بـن الـذكاء االصطناعـي والبيانـات التـي جمعـت مـن مصـادر خارجيـة يك يحـدد األماكـن الحريـة األكـر عرضـة للفيضانـات. وتعمـل هـذه النظـم عـى ُمسـاعدة الحكومـات وُمتخـذي القـرار عـى تفـادي تلـك الكـوارث الطبيعيـة وتحقيـق األمـن البـرشي، ولكـن لألسـف فتلـك امليـزة مـن مميـزات تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي ال تـزال محـدودة االسـتخدام، نظـرا لتكلفتهـا املرتفعـة(64). ج- االرتقــاء باألوضــاع الصحيــة: أحــدث الــذكاء االصطناعــ­ي طفــرة كبــرة يف قطاعــات عــدة مــن أبرزهــا القطــاع الصحــي، ولعــل إســهام الــذكاء االصطناعــ­ي يف ذلــك األمــر ال يقتــر عــى تصنيــع اآلالت أو األدوات الذكيـة للعـالج، ولكنـه ميتـد ليشـمل برامـج مطـورة تقـوم بالتنبـؤ باملخاطـر الصحيـة للفـرد بنـاء عـى تحليـل عوامـل مختلفـة مثـل السـجل الصحـي للمواطنـن والبنيـة التحتيـة والطـرق والعوامـل البيئيـة التـي ميكـن أن تؤثـر عـى الصحـة العامـة، كالتلـوث والضوضـاء. وميكـن توظيـف تعلم اآللــة والخوارزمي­ــات لتحديــد األمــراض بشـكل أرسع ومـع دقـة أكـرب بجانـب وصـف األدويـة والعالجـات بـكل دقـة.

ومــن األمثلــة عــى ذلــك، قيــام رشكــة “جــرال إلكريــك للرعايــة الصحيــة” GE( )Healthcare ورشكــة “ألتريــز” Alter-( )ys بتدشــن رشكــة “فيوزوركــس” Vios-( ،)Works والتــي بدورهــا قامــت بتطويــر جهــاز طبــي يســتخدم خوارزميــة لتعزيــز كفـاءة مسـح التصويـر بالرنـن املغناطيـي مــن خــالل إنشــاء حركــة ثالثيــة األبعــاد لصـورة القلـب وحركـة تيـار الـدم الواصلـة مــن خاللــه(74).

ويتــم اســتخدام تطبيقــات الــذكاء االصطناعـي عنـد القيـام باألشـعة أو التحليل للمـرىض، األمـر الـذي يعمـل بـدوره عـى ُمسـاعدة األطبـاء يف تشـخيص املـرض، وإصـدار القـرارات العالجيـة، والتنبـؤ بتطـورات الحـاالت املرضيـة. وتسـاهم تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي يف الوصـول إىل مـا يسـمى “العيـادات املسـتقبلي­ة” ‪،)The Clinician Of The Future(‬ أي قُـدرة الطبيـب عـى ُمتابعـة مريضــه أثنــاء وجــود األخــر يف منزلــه أو يف املكتــب الخــاص بــه، ووجــود الطبيــب يف املستشــفى باسـتخدام تقنيـات الـذكاء االصطناعـي. ولكـن اليـزال هنـاك اتجـاه بـن األطبـاء يتحفـظ عـى توظيـف التكنولوجي­ــا يف اتخــاذ القــرارات التشــخيصي­ة والعالجيــ­ة(84).

وعـى مسـتوى آخـر، يوجـد نـوع مـن برامـج الـذكاء االصطناعـي اسـمه “التعلّـم العميـق” Deep( ،)Learning والـذي لديـه الُقـدرة عـى تحقيـق دقـة جيـدة لتشـخيص أنـواع مختلفـة مـن الرسطانـات، مثـل رسطـان القولـون ورسطـان الرئـة، وغرهـام، وذلـك مـن خـالل معالجـة مجموعـة هائلـة مـن البيانـات داخـل ذلـك الربنامـج، وتحويلهـا إىل ُمعـادالت خوارزميـة تقـوم بالتنبـؤ بفـرص ظهـور املـرض والكشـف عنـه قبلهـا بفـرة زمنيـة(94)، ويتوقـع أن يتـم التوسـع يف اسـتخدام هـذه املعـادالت للكشـف عـن الخاليـا الرسطانيـة خـالل األعـوام الخمـس القادمـة. د- تغيـري هيـكل وشـكل الوظائـف: يجـادل البعـض بأنـه سـيتم االسـتناد إىل أجهـزة كمبيوتـر تسـتخدم تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي عنـد إجـراء املُقابـالت الخاصـة بالتوظيـف، وذلـك نظـراً لقدرتهـا عـى تحليـل أدق التفاصيـل وصـوالً إىل تحليـل تعابـر الوجـه. وسـوف تسـاهم تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي يف خلــق طائفــة جديــدة، فقــد أثبــت التاريــخ أن االبتــكار­ات التكنولوجي­ــة كانــت دامئــا تعــزز إنتاجيــة الُعــامل وأوجــدت منتجــات وأســواقاً جديــدة، مــام أتـاح فـرص عمـل متزايـدة يف االقتصـاد، وهـو األمـر الــذي لــن يكــون مختلفــا بالنســبة لتطبيقــات الــذكاء االصطناعـي، مثـل الطباعـة ثالثيـة األبعـاد، والروبوتات، وهـو مـا أقرتـه إدارة الشـؤون االقتصاديـ­ة واالجتامعي­ـة التابعــة لألمــم املتحــدة يف تقريرهــا الصــادر عــام ،2017 والتـي أكـدت أن تطبيقـات الـذكاء االصطناعـي بدورهـا سـتعمل عـى خلـق فـرص عمـل جديـدة، خاصـة إذا مـا توفـرت الضوابـط واألطـر القانونيـة والتنظيميـ­ة واالجتامعي­ـة - السياسـية، وخـر دليـل عـى ذلـك أنـه يف عـام 2016 تـم حـذف وظيفـة واحـدة مـن أصـل 270 مهنـة ُمدرجـة يف تعـداد الواليـات املتحـدة لعــام 1950 بســبب األمتتــة، أو التحــول لالعتــامد عــى التكنولوجي­ــا(05).

تســاعد تقنيــات الــذكاء االصطناعــ­ي يف خلــق بيئـة عمـل أكـر قابليـة للتنبـؤ وأقـل مخاطرة، مـن خـال تحسـن قـدرات املؤسسـات والـركات يف التوقــع والتنبــؤ بنــاء عــى اســتخدام خوارزميــا­ت معقــدة متكنهــا مــن التعامــل مــع قــدر كبــري مــن البيانــات الضخمــة واملتباينـ­ـة، ومعالجتهــ­ا للتنبــؤ بتطــور األوضــاع املاليــة للــركات.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates