عروض الكتب

Leadership and the Rise of Great Powers By: Yan Xuetong, Princeton University Press, 280 pp., $26,2019, 9780691190082 عرض: منى مصطفى - رئيس التحرير التنفيذي للموقع العربي، المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي

"كيف تنشأ وتتفكك القوى العظمى؟"، يعد هذا السؤال نقطة بداية كتاب "يان زويتونج" الأستاذ بجامعة تسينجهوا الصينية بعنوان "القيادة وصعود القوى العظمى"، حيث يطرح الكاتب منظوراً صينياً لتفسير انتقال القوة في النظام الدولي وصعود الصين وتحديها للهيمنة الأمريكية في مقابل تراجع مكانة الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

اأ�ش�س "الواقعية الأخلاقية"

استند الكاتب للفكر الصيني القديم في تفسير الصعود الصيني، مؤكداً أن معضلة "الدولة في مقابل القائد" قد حسمت مبكراً في فكر الفلاسفة الصينيين لصالح الدور المهيمن للقائد الفرد باعتباره الأكثر قدرة على توجيه الدولة وحفظ الاستقرار والأمن وتوجيه الطاقات والموارد لتعزيز مكانتها.

وفي مقابل هذه الرؤية الواقعية فإن الضوابط الأخلاقية كانت المحدد الرئيسي لدور القائد في حكم الدولة، وهو ما تجلى في مفاهيم مثل "السلطة الإنسانية" و"الحكمة الملكية"، والتي تضمنت تأكيداً على الضوابط القيمية والأخلاقية لدور القائد ليصبح راعياً لمصالح الشعب والدولة وتحقيق العدالة بالمفهوم الأخلاقي.

الروؤية القيمية للعالم

يرى الكاتب أن التنافس بين الصين والولايات المتحدة لا يقتصر على القوة الصلبة فحسب، وإنما يمتد للقدرة على امتلاك المكانة الأعلى على المستوى الأخلاقي. ففي مقابل تركيز بول كينيدي في كتابه "صعود وسقوط القوى العظمى" على الموارد والقوة الاقتصادية والتمدد الجيواستراتيجي للمصالح، يركز "يان" على القوة الأخلاقية، معتبراً إياها المحدد الرئيسي للصعود الصيني، فالرؤية الأخلاقية للعالم والمصالح والقواعد الدولية ومصداقية الالتزامات ضمن التحالفات هي التي تمنح الصين القدرة على التغلب على منافسيها الدوليين.

ويجادل الكاتب بأن الصين منذ نهاية الحرب الباردة تمكنت من توظيف القوة الأخلاقية مقارنة بالتراجع الأمريكي في هذا الصدد، مما أدى لتوسع دوائر الدول الصديقة والحليفة للصين، مقارنةً بتزايد أعداء الولايات المتحدة، خاصةً عقب تولي الرئيس ترامب السلطة وتبنيه خطاباً مصلحياً قائماً على شعار "أمريكا أولاً" وصدامه مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين ومطالبتهم بدفع التكلفة.

تحديات ال�شعود ال�شيني

على الرغم من ارتباط "السلطة الإنسانية" للقيادة بالإرث التاريخي للصين، يشير الكتاب إلى أن الصين تواجه تحديات في توظيف "القوة الأخلاقية" وتحقيق الاتساق الكامل بين الضوابط المثالية والسياسات الواقعية بسبب تعقيدات النظام الدولي، بالإضافة إلى ضعف القدرة على مخاطبة العالم الغربي بسبب التباين في الأسس القيمية والفكرية للثقافات السائدة.

ولا ينفصل ذلك عن احتمالات تأثير التنافس المحتدم مع الولايات المتحدة على سياسة "المكاسب المتبادلة" التي تتبعها الصين في علاقاتها الدولية لتصبح علاقاتها بواشنطن محكومة

بمعادلات صفرية بسبب ديناميات الصدام بين القوة المهيمنة والقوة المتحدية للوضع الراهن للنظام الدولي.

وعلى الرغم من أن الصدام العسكري المباشر بين القوى الكبرى قد يكون مستبعداً بسبب امتلاك الأسلحة النووية، فإن الانخراط في صدامات عسكرية بسبب التعارض في المصالح قد لا يكون مستبعداً، خاصةً أن الكاتب يرى أن استخدام القوة العسكرية قد يكون مشروعاً إذا كان مدفوعاً بمبررات أخلاقية من منظور القيادة السياسية للدولة.

ويعني ذلك أن النخب السياسية الصينية لا تستبعد بصورة كاملة احتمالية استخدام القوة العسكرية إذا ما تفاقمت التوترات مع دولة من دول الجوار في القارة الآسيوية.

ختاماً، يعتبر الكتاب أحد أهم المؤلفات التي تعبر عن رؤى النخب السياسية والفكرية الصينية للعلاقات الدولية والتنافس الجيواستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين وتحولات تراتبية القوة في النظام الدولي ومستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة، بالإضافة للتقييمات الصينية لتأثيرات وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قمة السلطة في الولايات المتحدة.