Al-Quds Al-Arabi

دعوة إلى مفاوضات على حدود 67 أم حرب «في سبيل الله»... بقيادة نتنياهو؟

العاروري ــــ الرجوب و«فلسطين يونايتد»:

- ران أدليست معاريف 2020/7/10

■ بهدوء نســبي، على نحو شبه ســري، برعاية إرهاب الضجيج الذي لا ينتهي من التوربينات، أســترق إلى اللجة المتلظية لإســرائيل ـ فلســطين العامل الكفيل بتغيير صورة النــزاع، دراماتيكياً. فقبل أســبوع، عقد جبريــل الرجوب، الــذي كان رئيس جهاز الأمن الوقائي ســابقاً ويتولى اليوم رئاســة اتحاد كرة القدم الفلســطين­ي، مع صالح العاروري نائب رئيــس المكتب السياســي لحماس، مؤتمــر فيدو بث لمؤتمر صحافي في رام الله، بنية تأسيس تعاون بين حماس والســلطة لمواجهة الضم. أعلــن الرجوب: «نخــرج اليوم بصوت واحد وعلم واحد، حماس أم شــركاؤنا. كل الفصائل تفتح صفحة جديدة».

وقال العاروري إن «الفصائل ملتزمة بمنع الضم وبالتقدم في مخطط يوحد الشــعب الفلســطين­ي. هذه فرصة لمرحلة جديدة ووضع اســتراتيج­ية تخدم الشــعب الفلسطيني في هذا الوقت الخطر والحســاس». ليست هذه هي المرة الأولى التي تجري فيهــا محاولة وحدة بين حماس والســلطة منذ ألقي موظفو السلطة من أســطح غزة وسيطرة حماس على القطاع في 2007. في 2011 وقــع اتفاق مصالحة في القاهرة، وبعد خمســة أشــهر من ذلك أعيد جلعاد شــاليط. أما قائد الذراع العســكري لحماس، أحمد الجعبري، الذي أدار حملة الاختطــاف والتبادل، تبنى فــي المرحلة الثانيــة هدنة بين إسرائيل وحماس.

في تشــرين الثاني 2012 صُفي الجعبري في إطار سياسة استفزازية لمنع التســوية. ردت حماس بنار كثيف،ة وردت إسرائيل بحملة «عمود السحاب». إذا اطلقت النار فلا حديث عن هدنة. فــي 2014 كان هناك اتفاق لمصالحة فلســطينية، وتشكلت حكومة انتقالية مشتركة سارت نحو الهدنة وأدارت إرهاباً للضغط على إسرائيل. وجاء اختطاف الفتيان الثلاثة وحملة «الجرف الصامد» لتصفي هذه الإمكانية.

من حيث المبدأ: حكومات اليســار ـ رابين، بيرس، باراك وأولمــرت– أدارت النــزاع، بينمــا م.ت.ف والســلطة هما الشــريكان الأولان بصفتهمــا الاحتمال الوحيد للتســوية السياسية، والقطاع جزء من التسوية. أما حكومات شامير، وشــارون، ونتنياهو، فكلهــا راهنت على «فرق تســد» بين القطاع وم.ت.ف، والهدف هو تحريض حماس على م.ت.ف وتمني التوفيق لكليهما.

شــامير كرئيس لحكومــة الوحدة، وبمســاعدة رئيس المخابرات يوســف هرملين ونائبه يعقوب بيرس، أمر بإقامة حمــاس كمنظمــة كدية تضعــف و/أو تصفــي م.ت.ف. في الثمانينيـ­ـات، كانت م.ت.ف تهديداً بمســتوى إيران إليوم، وكان عرفــات بمرتبة هتلر. )موازيــن القوى في حينه مثلما هي إليوم، دافيد مقابل جوليات، نحن جوليات(. بالتوازي، حققت م.ت.ف شرعية دولية، مما زاد الحاجة إلى تصفيتها. ووضع وزير الدفاع إســحق رابين )في الثمانينيا­ت، قبل أن يصحــو( تحت تصرف حملــة إقامة حمــاس الإدارة المدنية ومنســق أعمال الحكومة في المناطق، شموئيل غورن، الذي ضرب عينه نحو رئاســة الموساد وإرضاء شــامير، رئيس الوزراء في حينه.

حماس الإســامية المرتبطة بالإخوان المسلمين كانت رأت في الدولــة الفلســطين­ية الديمقراطي­ة، التــي لعرفات وأبو مــازن، موبئة أخلاقية ودينيــة، أما فكرة اليهــود العبقرية فكانت الســماح لحماس المشــاركة في الانتخابــ­ات. لهذه الدرجة نجحــت إقامة حمــاس، بحيث إنها ســيطرت على القطــاع في 2007، فصفّــت مقاومة «فتح» وبــدأت تدير ضد إسرائيل والســلطة معارك ضائعة مسبقاً عززت مكانتها بين الجمهور الفلسطيني بالعموم قبيل الانتخابات.

بالتوازي، واصلت حكومة نتنياهــو إدارة نظام احتلال في الضفة وحصار في القطاع، إلى أن زأر الفأر الحماســي في «الجرف الصامد» في 2014. رغم القتــل والدمار الذي زرعه الجيش الإسرائيلي في القطاع، أدت نار حماس المضادة على

بلدات في إســرائيل بالطرفين، اليوم، إلــى نوع من الجمود عقب ميزان رعب عسكري والخوف من تصعيد نتنياهو. هنا صاروخ، وهناك غارة جوية، لا شيء يستوجب عملاً حقيقياً، سواء كان عسكرياً أم سياسياً.

ولا تزال حمــاس تبحث عن هدنة وتبادل للأســرى، ولا يزال نتنياهو يخشى ما سيقولونه داخل كنس المستوطنات، وهو عالق مع الأســرى وجثامين الجنود. يتساوم على عدد محرري حماس، ولكنه يســمح لقطــر بإعطاء هواء التنفس لحماس وعدم الوقوف جبهوياً أمام أبو مازن كزعيم مشترك للقطاع والضفة.

رسالة العاروري

في ذلك اللقاء الذي رافــق المؤتمر الصحافي بين الرجوب والعاروري، كان هنــاك أيمن عودة أيضاً. وكانت هيلا كورح من القناة 13 مليئة بالدهشــة عن حــدود الصدمة خوفاً من وقوع الســماء! فهل يمكن لأيمن عــودة أن يؤيد حماس، أي يؤيد المــس بالجنود اليهــود؟! حاول عــودة إيجاد جواب ينزل فــي حنجرة الوطنــي الإســرائي­لي النموذجي، ولكن دون جدوى. اذهب واشــرح لمذيعة لا تعرف تعقيدات النزاع دور إســرائيل الحصري في تخليد النزاع واحتمال المساهمة للتعاون بــن القطاع والضفة في تحقيــق الحل. بما في ذلك عامــل القوة في هذا التعــاون )نتنياهو وشــركاؤه كما هو معروف لا يفهمون إلا لغة القوة(.

أصرت السيدة كورح على حصول جواب عن سؤال ليس له صلة بخطوة الوحــدة، إنما بتلك الخطوات لإحباطها. هل يكره العاروري إسرائيل؟ بالتأكيد. هل هو مؤيد لقتل جنود إســرائيلي­ين؟ بالتأكيد. هل ينفذ أعمالاً معناها قنبلة متكتكة؟ ليس للاستخبارا­ت الإســرائي­لية دليل )لو كانت بارقة دليل لفعلوا فيه العجب(.

واضح أن استمرار الوضع القائم )حصار القطاع واحتلال الضفة( يســتوجب مــن كل فلســطيني متوســط يعارض الاحتــال والحصار أن يؤيد «الشــبكة المتكتكــة» التي هي اليوم ســبب كاف للتصفية، والعاروري هدف تصفية قديم. بعض من سياسة التصفيات الرامية إلى تصفية فلسطينيين يشــكلون خطراً وجودياً مثل مروان البرغوثي. لست واثقاً بأن العاروري سينجو في الأشــهر القريبة المقبلة في صالح فوضى تنسي قصورات كورونا واحتجاج الجوعى. أفترض أن كــورح تعتقد أنها تمثــل مخاوف اليهــود وانعدام ثقتهم بحماس وثأر الدم لمتضرري الإرهاب. غير أن السبيل للخروج من دائرة الدم هو وضع المخاوف ومشــاعر الثأر جانباً وعدم الانجراف في حملة إشعال تلك المخاوف ومشاعر الثأر.

وإذا ما أصرت الســيدة كورح على ألا تفهــم بأن الناس يضعون رواســب الماضي جانباً عند التوجه إلى المفاوضات، فلعلهــا تفهم بأن ما كان فــي ذاك «المؤتمــر الصحافي» كان محاولة فلســطينية للوصول إلى المفاوضات مع إســرائيل مع نجمــة )كوخافيــت(: كوخافــي والجيش الإســرائي­لي سينتصران في الجولة التإلية، ولكن الفلسطينيي­ن سيأتون إليه موحدين عقب الضم. رســالة العاروري كانت أن «الضم لن يترك أي أمل للفصائل في التقدم نحو المخطط السياســي الأدنــى لإقامة دولة في حدود 67 فــي الضفة الغربية وقطاع غزة».

هــذه جملــة أساســية يفتــرض أن تتصدى للمســلمة الإســرائي­لية التي تقول إن الحماســيي­ن لا يريدون تسوية، بل تدمير إســرائيل. «حدود 67» للعاروري وحماس هي نوع من دعوة للمفاوضات. ولا يملك أحد جواباً على ســؤال: هل ستخوض حماس والســلطة حرباً عنيفة ضد كل مخطط هو أقل من 67. حمــاس تقاتل اليوم على حياة مواطنيها؛ بمعنى الماء، والكهرباء وأفق الخروج من دائرة الفقر والمرض النابع منه. وحكومة إسرائيل تقرر إذا ما كان هذا الوضع سيتحول من كفاح من أجل مواطنيهم إلى حرب استقلال في سبيل الله.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom