Al-Quds Al-Arabi

الأردن الرسمي: استغراب ودهشة... ثلاثية «الشارع ـ الواقع ـ مراكز القوى» بدأت تلتهم تجربة الرزاز

«فلترة» حوارات المحافظات كشفت المستور

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

التعبيــر علناً عــن «الاســتغرا­ب» من مقاومــة أهالي المحافظات لفكرة الحوار مع حكومته حول قانون الضريبة يدخل عملياً رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في مستوى «إظهار الدهشة» الذي تعقبه بالعادة مؤشرات «التذمر» ثم مشاعر «الإحباط» السياسي وصولاً إلى إظهار الاستعداد للانسحاب من المشــهد. الرزاز كان قد صرح في محاضرة شهيرة له بانه «لن يستسلم ببساطة ولن يستقيل».

لكن اللهجــة تبدلت قليلاً مع إعلانه أمــس الأول أن ما حصل في المحافظات من منــع وزرائه وتجاهل الحوار بل مطالبتهم بالمغادرة أحياناً «أمر يستحق الدراسة والتأمل». المقربون من خلية الــرزاز الوزارية يتحدثون عن «صدمة تقييم» في البيت الداخلي للحكومة بســبب العنف الذي استعملته المحافظات في مواجهة الطاقم الوزاري المحاور. ومع القناعة بان معظم اللقاءات التي كانت نتيجتها عبثية عملياً رتبت عبر دوائر الحكام الإداريين وبوجود ترتيبات أمنية غير مبررة أصلاً لحكومة تسعى للحوار وتنفرد بهذه الخاصية. ومع ذلــك ثمة من بدأ يروج لنظرية تتحدث عن موقف شعبي متوتر ضد الحكومة ويطالب برحيلها مبكراً وتدعمه – هذا الأهم - بعض القوى داخل الدولة.

وإلــى ان يتوثق الرزاز ومجموعته من ذلك يمكن القول ان المعادلة التي بدأت بإظهار الاســتغرا­ب ســتنتهي وفقاً للتقاليد الأردنية المألوفة بـ »التضجر» ثم المزيد من الدهشة تمهيداً لإعلان شكل من أشكال الانسحاب عبر التأكيد بان الواقــع معقد وأصعب بكثير من الــكلام. في المربع الذاتي للرزاز نفسه التقطت «القدس العربي» اشارات على قناعة متكرســة بأن الحكومة الحالية تســتطيع إصلاح المشهد الوطني المعطوب إذا ما حظيت بغطاء سياسي شامل يدعم خياراتها ومن كل المؤسســات العميقــة وغير العميقة في الدولة.

لســبب أو لآخر يشــعر المطبخ الحكومي بــأن ذلك لم يحصل بعد او لا يحصل بالمســتوى الكافي للأزمة الاعمق التي كشــفتها حوارات الأطراف حيث الاكتشــاف الأكثر حساســية وهو تكدس حالــة «رفض» شــعبية في عمق المجتمع لم يتجاوزها حتى نظام تقنين وفلترة الشخصيات المحليــة التي تدخل للحوار مع الحكومــة لأغراض قانون الضريبة. بمعنى آخر الغضــب والاحتقان أكبر بكثير مما تتوقعه حتى مجسات الدولة بدليل ان القوى الكلاسيكية الموالية والمؤيدة للدولة في المحافظات والأطراف هي التي غضبت في وجه الحكومة ورفضــت التحاور معها بالرغم مــن الحرص والســهر علــى «فلترة» الاشــخاص الذين يعبرون للحــوار مع الرزاز ومحاولات تخفيض الســقف مرات عدة.

كيف ســيعمل الرزاز وطاقمه إذا كانت القوى المحافظة ترفض التجاوب او حتى الإصغاء؟

هذا هو الســؤال الأكثر إثارة للتســاؤل اليوم وســط دوائر صناعــة القرار وهــو على الأرجح الســؤال الذي بدأ يشــبك وزارة الرزاز بالمعادلة التي تبدأ بالاســتغر­اب وتنتهــي بالضجر والإنســحا­ب. بمعنى آخر المؤشــرات تتحشــد ولم تعــد لصالح حكومــة الــرزاز وبرنامجها خصوصاً وان الضغوط مورســت وبقســوة داخل القرار علي رئيــس الوزراء حتى يتجنب أي مواجهة مع صندوق النقد الدولي. ما يمكن فهمه اوتلمســه من أجواء السهرة الخاصة للرزاز مع الحراكيــن الذين حملوا حكومته على الأكتاف يوحــي بأن انماط الإحبــاط البيروقراط­ي بدأت تتســلل لأقرب دوائر رئيس الحكومــة. ولم يكن ليحصل ذلك لولا الرسائل العنيفة التي ألقاها حوار المحافظات في حضن حكومــة ليبرالية إصلاحية طلب منها الجميع فجأة إصلاح المشــهد العام ومواجهة تحديات جسيمة دون ان تظهر جميع «قوى الأمر الواقع» اي تعاون او مرونة معها.

الدوائر الشــريكة لا تبدو مســتعدة لتقــديم تنازلات كبيــرة من أجل «تمكــن» الــرزاز من عملــه وبرنامجه. وموقف الشارع سلبي جدًا من الحكومة وحوار المحافظات يقول ضمنياً أن الشــارع في المحافظات على الأقل يرفض «تســليف» الرزاز مســبقاً أي دفعة على حساب الإنتظار وتمكينه مــن العمل والتغيير، الامر الــذي يتطلب الصبر عمليــاً علــى المزيد من الإجــراءا­ت الاقتصاديـ­ـة والمالية القاسية. وكذلك ســلطة البرلمان معنية بالدفاع عن نفسها وهيبتهــا المهدورة أكثــر بكثير من تمريــر حكومة الرزاز ومشاريعها.

في المقابل قوى الحراك الشــبابي التــي حملت تجربة رزاز على الأكتاف تشــعر بالخذلان وبسبب نقص خبرتها في العمل السياسي العميق وغرور بعضها يمكنها مأسسة حالة إنقــاب على رئيس الــوزراء الــذي حمله الحراك الشــبابي المدني أصلا وفي اي وقت. وبصــورة مختلفة يمكن القول ان حكومــة الرزاز في حالة اســتثنائي­ة غير مســبوقة ولم تتعرض أي من الحكومــات في الماضي لها. هي الحكومة التي يطالبها مركز القرار عملياً بالإســتدر­اك وبناء أســس لبرنامج إصلاحي شامل والضرب بقوة ضد الفســاد ومواجهة أبشــع التحديات المالية بأسوأ المراحل واصعبها دون منحها بالمقابل الإســتقلا­لية التي تحتاجها لتنفيــذ المهمة أو القيام بهــا. وهي الحكومــة التي يحذر الحراك الذي دعمها بصورة مراهقة بالانقلاب عليها في اي وقت. وهي أيضا تمثل الــوزارة الحالمة التي لا تقرأ الواقع كمــا هو أو قرأته بتوقيت متأخر. والمثير اكثر أنها الوزارة التي يطالبها الشارع المحتقن والغاضب بحل كل المشكلات ومعالجــة كل الملفــات وكل أخطاء الماضــي دفعة واحدة وقبل ان يســمح بالجلوس معها أصلا وهي مهمة يبدو ان الرزاز بدأ يقول إنها تشــبه الفيلم الامريكي الشهير «مهمة مستحيلة .»

... نعم هو وضع متــأزم وموتور من الطبيعي أن تظهر معه ملامح «متلازمة» الضجر والدهشة والاستغراب.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom