Al-Quds Al-Arabi

قبل دقيقة واحدة فقط!

- ٭ كاتب سوري

■ قــال الــروس إن الإســرائي­ليين لــم يخبروهــم عــن العمليــة التي اســتهدفت مســتودعاً لذخيــرة قــوات الأســد، قرب اللاذقيــة، إلا قبل تنفيذهــا بدقيقة واحدة. فلم تكن هذه الفترة كافية ليبعدوا طائرتهم العســكرية التي أسقطتها الدفاعــات الجوية لنظام الأســد الكيمــاوي بالخطأ، أثنــاء تصديها للصواريخ الإسرائيلي­ة التي استهدفت الموقع العسكري الأسدي. ماذا يعني ذلك؟ يعني أولاً، أن مســتوى الثقة بين تل أبيب وموسكو، في سوريا، هي من العلو مما يجعل الأولى لا تشــعر بالحاجة لإبــاغ الثانية بنواياها العملياتية قبل فترة طويلة. وأن إســرائيل معها كرت أبيض من روسيا لضرب أي هدف على الأراضي الســورية وقتما تشاء. هذا كله معروف سابقاً ويمكن استخلاصه من كل الضربات الإسرائيلي­ة السابقة لمواقع إيرانية أو لحزب الله أو أســدية في ســورية. لكــن الجديد هو دخول الطائرة الروســية المنكوبة بركابها الخمسة عشــر على خط مواجهة إسرائيلية ـ أسدية. كيف حدث أن إسرائيل لم تحسب حساباً لاحتمال من النــوع الذي حدث، في منطقة قريبة من القاعدة الجوية الروســية فــي حميميم، حيث من الطبيعي أن يكون هناك تحليق متكرر للطائرات الروسية من وإلى القاعدة المذكورة. هل كانت مطمئنة من أن الدفاعات الجوية لــن ترد على ضرباتها، كما يحدث غالباً؟ أم أن في الأمر تقصداً، وراءه رسالة أمريكية إلى روسيا، على ما ذهب بعض المعلقين؟

يتطلب الأمر اجتماع عدد من المصادفات ليصح الحديث عن «رسالة» وأمريكية فوق ذلك!. أي أن تعرف إســرائيل مســبقاً بتحليق الطائرة الروســية في ذلك الوقــت، وأن تتوقع رداً من وســائل الدفاع الجوي الأســدية، وأن تخطئ هذه الهدف فتصيب الطائرة الروســية. لا يبدو هذا معقولاً، والأرجح أن ما شــجع البعض على افتراض من هذا النوع هــو توقيت العملية الإســرائي­لية التي جاءت بعد تفاهمات سوتشــي بين بوتين وأردوغان على خريطة طريق بشــأن إدلب يستبعد العملية العسكرية التي كان يخطط لها الروس والنظام الكيماوي هناك.

من المرجح إذن أن الحادث غير مقصود مــن أي من الأطراف المعنية به، ما لم تســفر التحقيقات عن غيــر ذلك. وبهذا المعنى فهو يكشــف استرخاءً روسياً، واستهتاراً إسرائيلياً، وتخلفاً تقنياً في سلاح الدفاع الجوي الروســي الموضوع في أيدٍ لا تتقن التعامــل معها. أو على الأقل هناك فوضى غريبة يتشــارك فيها الروس والأسديون والإسرائيل­يون أدت إلى هذا الهدف في «المرمى الصديق».

لكن الأهم من ســقوط الطائرة الروســية، هو اتفاق سوتشــي بين بوتين وأردوغان حول حل ســلمي لموضوع إدلب، بعدما كان العالم كله يتوقع هجوماً ينهي آخر معاقل الفصائل العســكرية، ويؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة، قتلاً وتهجيراً للمدنيين. فما الذي حدث بين السابع من شــهر أيلول حين رفض الروس، في قمة طهران، العرض التركي بوقف إطلاق النار، والسابع عشر من الشهر نفسه في اجتماع سوتشي، لكي يتراجع بوتين عن موقفه ويسلم لتركيا بحل عقدة إدلب بلا قتال؟

تشــير أغلب التحليلات الرائجــة إلى ضغوط أمريكيــة ـ أوروبية على روســيا، ربما وصلت درجة التهديد، باعتبارها ســبباً لهذا التغير في الموقف الروســي. ولكــن إذا نظرنــا إلى التصريحــا­ت الأمريكية والأوروبية، في الفترة الماضية، سنرى أنها كانت أدعى لتعزيز الاعتقاد بموافقة أمريكيــة ـ أوروبية على اجتياح النظــام لإدلب بغطاء جوي روســي. فقد حذرت تلك التصريحات من استخدام السلاح الكيميائي، ولــم تطالب روســيا بإلغاء العمل العســكري ضد إدلــب. فكانت تلك الصيغة الشــهيرة حول الســماح باســتخدام جميع أنواع الأســلحة باستثناء الســاح الكيميائي، وهو ما يعني موافقة ضمنية على العمل العسكري نفسه.

هــل كانت «ورقــة المبــادئ» التي طرحتها واشــنطن فــي اجتماع المجموعة المصغرة هي الحدث الفصل بين اســترخاء وتســليم أمريكي لروسيا، وتشدد مستجد؟ أم أن «حكمة» بوتين دفعته إلى إرضاء تركيا للحفاظ على إطار آستانة ـ سوتشــي الثلاثي. ذلك أن انفراط عقد هذا الثالوث من شأنه المخاطرة بعدم ترجمة الإنجازات العسكرية الروسية في سورية إلى نتائج سياسية.

حتى هذا التفسير لا يبدو مرضياً، لأن أبرز ما حدث في قمة سوتشي، كان غياب الرئيس الإيراني حســن روحاني عنه. فبــدا الأمر وكأن ما تعــذر الوصول إليه، في قمــة طهران، بحضور إيــران، بات ممكناً في غيابها في سوتشــي. صحيح أن إيران ليست في وضع مريح يتيح لها تفكيك الإطار الثلاثي، بخلاف تركيا، لكن استبعادها عن القرار بشـأن مصير إدلب قد يشكل سابقة يبنى عليها بخصوص الوجود الإيراني في سوريا ككل، وهو الأمر الذي تشــدد عليه واشنطن في إطار مواجهتها الشاملة ضد إيران.

يبقــى أن مصير إدلب لا يمكــن أن يخضع لتوقعات دقيقة، بســبب تعدد العوامل الفاعلة فيه، من جبهة تحرير الشــام )النصرة ســابقاً( إلى الفصائل المتحالفة مع تركيا، إلى الحراك المدني الذي شهد انتعاشاً كبيراً في الأســبوع الماضي، إلى العلاقة الدقيقة بين أنقرة وموســكو، إلى ما قد تريده واشنطن وتســتطيع إرغام موسكو عليه، وصولاً إلى «العملية السياســية» التي يعمل عليها ديمستورا وغيرها من العوامل السيالة.

خريطــة الطريق التــي اتفق عليها بوتــن وأردوغان تمتــد زمنياً لتنفيذها إلى شهر كانون الأول. ما يعني أن الروس يراهنون على «حل تركي» لموضوع هيئة تحرير الشــام، ثم للفصائــل «المعتدلة»، بموازاة عملية ديمســتورا السياسية بشــأن الدســتور. فبوتين يطمح لإنهاء الصراع في سوريا قبل نهاية العام. لننتظر ونرى ما إذا كان للأمريكيين رأي آخر.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom