R22 ThisWeek

هل كان أشرف مروان عميلًا ثلاثياً وليس فقط عميلًا مزدوجاً؟

- معتز بالله محمد

تحـت عنـوان «أشـرف مـروان لم يكن عميـاً مزدوجاً بل كان ثلاثيـاً»، أعـاد المحلل العسـكري الإسـرائيل­ي أمير أوران فتح أوراق ملف أشـرف مروان، في مقال نشـره في صحيفـة هآرتـس، في 13 تشـرين الثانـي/ نوفمبر.

وكشـف الكاتـب مضمـون وثيقة جديدة تشـير إلى أن مـروان لـم يكـن عميـاً مزدوجاً ناور بـه الرئيس المصري أنـور السـادات لتضليـل إسـرائيل، بـل كان أكثر من ذلك، إذ عُثـر علـى أدلـة قويـة حول تعامله مع جهاز الاسـتخبار­ات البريطانـي، بالإضافـة إلى إشـارات على أن السـعوديين والأمريكيي­ـن كانـوا يتغـذون على معلومـات تأتيهم منه، بشـكل غير مباشـر أو مباشر.

وهنـا ترجمة كاملـة للمقال:

خـال عطلـة نهايـة الأسـبوع، كالعادة، مـرّ تاريخ مهم في حروب إسـرائيل، دون أن يترك أثراً: 11 تشـرين الثاني/ نوفمبـر، تاريـخ أول اتفـاق بين إسـرائيل ومصـر في نهاية حـرب يـوم الغفـران )حرب أكتوبر(، «اتفاق النقاط السـت» فـي الكيلـو 101 بيـن ممثلـي الجيشـيْن الجنرال محمد الجمسـي والجنـرال أهارون ياريف.

أهميـة الاتفـاق الذي وصفته )رئيسـة الحكومة الإسـرائيل­ية( غولـدا مائيـر في أذن )وزيـر الخارجية الأمريكـي( هنـري كيسـنجر بـ»الإنجاز الرائـع»، لم تنبع فقـط مـن محتوياتـه: الالتـزام بوقف إطلاق النار، تبـادل الأسـرى، الترتيبـات المحلية بشـأن حصار مدينة السـويس، والالتـزام المتبـادل بتنفيـذ قرارات مجلس الأمـن، ولكـن أيضـاً مـن التوقع الكامن فيهـا بمزيد من التقـدم، بفصـل القوات، والانسـحاب، وإنهـاء حالة الحرب،

والسلام.

كانـت هـذه نيـة الرئيس المصري أنور السـادات التي أخطأهـا التقييـم الوطني في إسـرائيل مـراراً: الحكومة برئاسـة غولدا وليس أمان )الاسـتخبار­ات العسـكرية(، كما هو شـائع بشـكل خاطئ.

حتـى فـي الفترة التي سـبقت 11 تشـرين الثاني/ نوفمبـر، ارتكـب المسـتوى السياسـي خطأً في فهم إشـارات السـادات. هذه المرة، ومنذ أن اكتوى في تشـرين الأول/ أكتوبـر، لـم يشـعر براحة البـال، بل تفاقم الأمر وخشـي تجدد القتال، بدلًا من رصد أن السـادات يريد السلام.

الجمسـي، رئيـس قسـم العمليـات ثم رئيـس أركان الجيش المصـري ثـم وزيـر الدفـاع لاحقاً، قال ذلك صراحـة لنظرائه: ياريـف، القائـد السـابق لـ»أمان» الذي جُنّـد في الاحتياط، واللـواء يسـرائيل تـال، نائب رئيس الأركان وقائـد الجبهة الجنوبيـة. خبـر مثيـر وصل إلـى القدس وقوبل بآذان مغلقـة هنـاك. كمـا كان قبـل الحـرب، وحتى في ذروتها، كان السـادات مسـتعداً لإيقافهـا فـي اليوم التالي لاندلاعها. كانت دماء آلاف الشـهداء سـتُحقَن، وفي النهاية، لم يكن هناك اسـتعداد إسـرائيلي للانسـحاب الكامل من سـيناء مقابل السـام الكامل.

السـادات كان رجـل الدولـة الوحيد فـي المنطقة على مسـتوى كيسـنجر. في رسـالة إلى غولدا، أوضح وزير الخارجيـة الأمريكـي الميـزة الإضافيـة لاتفاقية النقاط السـت: إدراك مَيْل السـادات للانفصال عن النفوذ السـوفياتي، وتحركه نحو واشـنطن. التف السـادات

على السـوفيات الذين اسـتمروا في المطالبة بانسـحاب فـوري للجيـش الإسـرائيل­ي إلى الشـرق وتظاهروا أيضاً بتمثيـل سـوريا وجبهـة عربية صلبة.

في مسـاعدة سـاحقة لهذه الرؤية، والتي سـيكون هنـاك مَـن يختلـف عليهـا بين باحثي حـرب يوم الغفران )حـرب أكتوبـر(، يلقـي الآن المؤرخ الدكتور يغـال كيبنيس الـذي وثـق بدقة المناوشـات الدبلوماسـ­ية في مطلع عـام 1973، قنبلـة خارقـة للتحصينـات، عبـر وثيقة عثر عليهـا مؤخـراً ووافق على الكشـف عنها هنا: أشـرف مـروان، عميـل الموسـاد، الـذي كان تفعيله في أوائل السـبعينيا­ت مصحوبـاً بشـكوك حـول مصداقيته وظروف تطوعـه كجاسـوس )أخبـرت غولـدا لجنة غرانـت أنها محتارة فـي أمـره(، كُشـف أنه عمـل أيضاً للمخابـرات البريطانية. بكلمـات أخـرى: لـم يكن مروان عميـاً مزدوجاً ناور به السـادات لتضليـل إسـرائيل بمعلومـات مضللة. في الواقـع، كان لديـه عمـاء فـي كل مـن القاهرة وتل أبيب، علـى حـد سـواء. لقـد كان عميـا ثلاثياً. ربمـا أكثر من ذلك، لأن السـعوديين والأمريكيي­ـن كانـوا يتغـذون عليه أيضاً، بشـكل غير مباشـر أو مباشـر، ولكن عُثر على أدلة قوية في السـياق البريطاني.

فـي العاشـر مـن أيار/ مايو مـن عام 1973، التقى كيسـنجر فـي وزارة الخارجيـة البريطانيـ­ة مـع أليك دوغلاس هـوم، وزيـر الخارجيـة في حكومة إدوارد هيـث المحافظة. كان كيسـنجر لا يـزال مستشـاراً للأمـن القومـي للرئيس نيكسـون. كان يأمـل، لكنـه لـم يكن متأكداً، أن نيكسـون سـيعيّنه وزيـراً للخارجيـة عندما يتقاعـد ويليام روجرز. فـي محادثـة مـع هوم، جلس بجانبه مسـاعدوه عالم السـوفياتي­ات هيلمـوت سـونينفيلت ورئيـس المكتب بيتـر رودمـان. ومـع هوم، كان مسـؤولون من أعلى جهـاز الحكومـة البريطانيـ­ة: باراك ترند، أنتوني بارسـونز، ودينيـس غرينهيل.

فـي الهيـكل البريطانـي، تكون الاسـتخبار­ات الخارجية MI6 تابعـة لوزيـر الخارجيـة، وجهاز الاسـتخبار­ات الوقائي MI5 لوزيـر الداخليـة. لذلـك، على عكس واشـنطن والقدس، حيـث كانـت قنـوات التقارير الخاصة بوكالة الاسـتخبار­ات المركزيـة والموسـاد تصـل فقط إلى كبـار القادة الذين يقـررون مـا سـيقولونه وبالأخص ما لـن يقولوه لوزراء الخارجيـة وغيرهـم، كان دوغـاس هوم وكبار مسـؤولي مكتبـه شـركاء للسـر وعلـى دراية جيـدة بالمصادر حتى في مـا يتعلـق بالقضايا الأكثر سـرية.

«مـن الصعـب للغاية رؤية أي حل لمشـكلة الشـرق الأوسـط»، تحـدث هوم مـن أنفه، وأضاف: «في الآونة الأخيـرة، وصَلَـت رسـالة صارمة للغايـة من مروان، ينوي الرئيـس السـادات بموجبهـا شـن هجـوم من نوع ما في القريـب العاجـل». هكذا، نسـب وزير الخارجيـة البريطاني تنبيهـاً اسـتخبارياً رفيعـاً إلـى مصدر كبير، مـن المقربين للسـادات. عندما شـارك الموسـاد، بتوصية من غولدا، عبـر وكالـة الاسـتخبار­ات المركزية، مع كيسـنجر المواد التـي قدمهـا مـروان، لم يتم الكشـف عن اسـمه مطلقاً. كان بوسـع كيسـنجر ورؤساء الاسـتخبار­ات المركزية الأمريكيـة ريتشـارد هيلمـز وبيـل كولبـي أن يخمنوا، أو

يتظاهـروا بأنهـم لا يعرفـون هوية المصـدر الذي ينقل معلومـات جيـدة إلى إسـرائيل، لكن لم يتفوه تسـفي زاميـر ولا ممثلـه فـي العاصمـة الأمريكية إفرايـم هاليفي باسمه أبداً.

لـم يكـن الأمر كذلك بيـن الحلفاء الأنغلوساك­سـونيين. نائـب مديـر مكتـب هوم، بارسـونز، أضاف أنه في المحادثـات التـي أعقبـت المعلومات التـي قدمها مروان، وعلـى وقـع «وهم السـادات بأنه يمكـن أن يبدأ حرباً صغيـرة ومحـدودة»، مـا يعنـي أن البريطانيي­ـن كانوا على علـم بالخطـة العملياتيـ­ة، و»أن يهـرب مـن العقاب». تم تحذيـر المصرييـن مـن أن «السـقف سيسـقط عليهم إذا أطلقـوا النار على الإسـرائيل­يين».

تسـاءل كيسـنجر كيف يمكن الإقناع بذلك، ورد بارسـونز بـأن الـرد المصـري المحـدد وفق قولـه كان يقال مراراً: «إذا اتخـذوا إجـراء، فلـن يكون خارجاً عن السـيطرة». قال وزير الخارجيـة هـوم إن المصرييـن ربمـا يحاولون صدم الغرب قبل مناقشـة حول الشـرق الأوسـط في مجلس الأمن. ورد كيسـنجر بـأن أقـوى تأثيـر على العرب هـو خوفهم من هزيمة سـاحقة أخرى )مثل حرب الأيام السـتة(.

علـى خلفيـة الأمـور، في تلك الأشـهر بين نيسـان/ أبريل وأيـار/ مايـو، كان يأس السـادات يتزايـد من الجمود السياسـي. اتخـذ خطـوات علنية لبـث أجواء الطوارئ: في مصـر، فُتحـت غرف الحرب وسـط ضجة كبيرة، اسـتعداداً لانتهاك وقف إطلاق النار في السـويس، والذي اسـتمر أكثـر مـن عاميـن بعد الأشـهر الثلاثـة المحددة له في صيف 1970.

أشرف مروان لم يكن عميـاً مزدوجاً، بل كان أكـر من ذلك، إذ عُثر على أدلة قوية حـول تعامله مع جهاز الاسـتخبار­ات البريطاني، بالإضافة إلى إشارات على أن السـعوديين والأمريكيي­ن كانـوا يتغذون على معلومـات تأتيهم منه

سـراً، وصل تحذير من مروان إلى إسـرائيل أثار نقاشـاً شـاملًا على أعلى المسـتويات السياسـية والأمنية. قدّر أمـان أنـه علـى الرغم ممـا كان يحدث بشـكل علني وتحذير مروان، فإن السـادات سـيمتنع عن إطلاق النار.

لمزيـد مـن الأمـان، أعلن الجيش الإسـرائيل­ي حالة تأهب جزئيـة، «أزرق أبيـض»، لكـن لم تُمارَس أي مرونة سياسـية لمنـع الحـرب. علـى العكـس من ذلك، تبنـى حزب العمل فـي آب/ أغسـطس برنامجـاً صارماً: وثيقة غاليلي )باسـم الوزيـر الـذي صاغها يسـرائيل غاليلي(، لصالح الاسـتيطان في شـرق سـيناء. في غضون ذلك، ومن حسـن حظ إسـرائيل، أن النقـاش فـي الأمم المتحدة وقمة نيكسـون - بريجينيـف )الرئيـس السـوفياتي فـي تلـك الفترة( مر أيضاً بلا هدف، ودُفع السـادات إلى طريق مسـدود كان السـبيل الوحيـد للخـروج منـه هو التحرك العسـكري الذي يكسـر الجمود.

التألـق الأصلـي للسـادات في ذلك الموسـم، من ربيع وصيـف 1973، كان مزيجـاً مـن الإعلان والإخفاء: شـفافية اسـتراتيجي­ة مفادهـا إعلانـه أنه سـيفتح النـار في حالة عدم إحـراز تقـدم سياسـي، ومن خلفها غمـوض عملياتي. أعلـن السـادات عبـر قنـوات مختلفة، سـرية وعلنية، ما ينـوي فعلـه، وفـي الوقت نفسـه، حتـى لا ينهار التحرك العسـكري تمامـاً، أخفى «كيـف» ولـ»ماذا». «كيف» تعنـي أيضـاً «متـى». مـن المحتمل جداً أنه أراد إغراء إسـرائيل بالضـرب أولًا، بإطـاق النار وليـس بالعبور، لإثبـات عدوانهـا مـن أجل كسـر الجمود السياسـي. عملياً، فوجئ بدهشـة إسـرائيل وصبرها.

قبـل سـنوات مـن مغادرته بلاده والانتقـال للعيش في لنـدن بشـكل دائـم، زار مـروان العاصمة البريطانية بشـكل متكرر. كان يتمتع بوضع رسـمي كمستشـار رئاسـي وكان يتعامـل مـع القضايـا التـي تقع فـي صميم الاهتمام البريطانـي: الخليـج العربـي وليبيـا والنفط. وكان جشـعه وعلاقاتـه برئيس الاسـتخبار­ات السـعودية كمال أدهم معروفين.

سـيكون مـن قبيـل انعدام المهنيـة والخطأ الافتراض أن الاسـتخبار­ات البريطانيـ­ة كانـت مهملة في الإشـراف علـى مـروان، والذي اتصل بالسـفارة الإسـرائيل­ية في لنـدن، مـرة ومرتيـن، للتواصل مع الموسـاد. هناك التقى مشـغله ورئيس الموسـاد تسـفي زامير. من الصعب تصديـق أن هـذا مـر دون أن يلاحظـه أحد من الاسـتخبار­ات البريطانيـ­ة التـي تابعت الأجانب والإسـرائي­ليين والمصرييـن. يمكـن لمحادثة هوم-كيسـنجر أن تشـرح سـبب تركهـم لـأولاد يلعبون: عـرف البريطانيو­ن، ولم يكترثـوا، أن مـروان يبيـع بضاعتـه لعمـاء إضافيين، ويدرج بها رسـائل، بحيث يختلط الاسـتخبار­ي بالسياسـي.

فـي 25 أيلـول/ سـبتمبر 1973، الـذي صادف أن يكون أيضـاً يـوم محادثـة )ملك الأردن( حسـين وغولدا، قرر السـادات أنه سـيذهب إلى الحرب في السـادس من أكتوبـر. فقـط خـال هذه الأيام الـ12، وليـس طوال الفترة التـي سـبقتها، أخطـأ أمان والموسـاد وهيئة الأركان العامـة وحفنـة من الأشـخاص المعروفين فـي الحكومة )غولـدا، دايـان، غاليلـي، ألون( في رصـد القرار، وليس النيـة العامـة والاسـتعدا­دات التي قـد تتحقق أو لا تتحقق.

فـي هذين الأسـبوعين، كانـت هناك نقطتـان محتملتان أخريـان لتغييـر القـرار، من حيث الجوهـر والتوقيت: التنسـيق مع سـوريا )فضّل حافظ الأسـد شـن هجوم فجـر الثامـن مـن أكتوبـر وانتهى إلى الثالـث من أكتوبر(؛ وتقريـر مـن مـروان إلى زامير عشـية يوم الغفران، أفاد بأن تحركاً سياسـياً إسـرائيلياً قد يتسـبب في دفع السـادات إلـى إلغـاء الحرب. مثل هـذه الخطوة لم تأتِ.

وصـول الباحثيـن الإسـرائيل­يين إلى الأرشـيفات الأجنبية محـدود. الأمريكيـو­ن كرمـاء رغم أنهم لا يكشـفون عن المصـادر الاسـتخبار­ية. المصريـون بالطبع لـم يفعلوا ذلـك. البريطانيـ­ون بيـن هذا وذاك، يفرجون عـن القليل الـذي لا يقـدّم صـورة كاملة لانعطافات أشـرف مروان بيـن أسـياده المختلفيـن. لكـن يتضـح مرة أخرى إلى أي مـدى كان ممكنـاً لرحلـة جويـة سياسـية مرنة وبعيدة النظر التوصل إلى سـام مع السـادات دون فزع حروب إسـرائيل غيـر الضروريـة. لكـن من أجل ذلـك كانت هناك حاجـة إلـى حكومـة أكثـر جرأة وحكمة مـن تلك التي قادت إسـرائيل إلى نيران 1973.

«سـيكون من قبيل انعـدام المهنية والخطأ الافتراض أن الاســتخبا­رات البريطانية كانـت مهملة في الإشراف على أشرف مروان الذي اتصل بالسـفارة الإسرائيلي­ـة في لندن، مرة ومرتـن، للتواصل مع الموساد »

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Algeria