R22 ThisWeek

شارة على ذراع لاعب عربي؟

- محمد خير

فـي البيـان الذي أصـدره المنتخب الألمانـي لكرة القدم، بعـد منعـه من ارتداء شـارة «حب واحـد»، الداعمة لحقوق المثلييـن، قبـل انطـاق مباراتـه أمام اليابـان في مونديال قطـر 2022، جـاء أن «الأمـر ليـس متعلقاً بموقف سياسـي، فحقوق الإنسـان ليسـت موضعاً للتفاوض».

لا يميّـز كثيـرون، خصوصـاً في البـاد المحرومة من الحيـاة السياسـية، والضمانـات الحقوقيـة، بين أن تتخذ موقفـاً مـن قضية سياسـية؛ كالحـرب في أوكرانيا أو القضيـة الفلسـطيني­ة، وبيـن أن تتخـذ موقفاً يمسّ قضيـةً حقوقيـةً؛ كالموقـف مـن العنصرية، أو الفقر، أو -سـبب المشـكلة فـي المونديـال «العربي»- حقوق المثلييـن ومجتمـع الميم-عيـن، مـن بين طيف واسـع من الحقـوق الإنسـانية التـي قـد لا تتصل مباشـرةً بالفعاليات السياسية.

هكـذا وإن كان مفهومـاً أن يُسـتفز كثيـرون فـي منطقتنا مـن إظهـار التعاطف الواسـع فـي الحقل الرياضي الأوروبـي، مـع الأوكرانيي­ن إثر الاجتياح الروسـي، لأن ذلـك «الإظهـار للتعاطـف» يناقض الإصـرار المديد من المؤسسـات الرياضيـة الدوليـة على عدم «تسـييس الرياضـة»، متذكريـن المنـع والعقوبـات التي تعرّض لهـا الكثيـر مـن اللاعبيـن العرب إثر إظهارهـم التعاطف مـع الفلسـطيني­ين أو مقاطعـة مباريـات مع لاعبين إسـرائيليي­ن، فإن شـعور الاسـتفزاز هذه المرة -في المونديـال القطـري- لا يبـدو ذا حجـة متماسـكة. فمن غير المفهـوم أن يُعـدّ التضامـن مـع حقـوق المثليين محلًا للمقارنـة مـع أي قضيـة عربية، ولا هو مسـألة سياسـية حتـى إن حـاول كثيـرون من الغاضبيـن تسييسـها ليتمكّنوا مـن اجتـراح أسـباب لـ»مقاومتها». ويبدو رفـض أغلبية

واضحـة مـن الجمهور العربـي لتناول المسـألة المثلية برمتهـا، أقـرب إلـى تصريحات قديمة لمسـؤولين في أنظمـة شـهيرة باسـتبداده­ا، تصريحات نفـى أصحابها وجـود أي مثلييـن فـي بلدانهـم، علـى ما في ذلك من مخالفـة بديهيـة لأبسـط حقائـق العلم والاجتماع.

لكـن جوهـر «الصـراع» قـد لا يكـون المثلية في ذاتها، وإنمـا يتعلـق قبـل ذلـك بحق المرء في إظهـار تضامنه مـع أي شـخص كان. لقـد دار النقـاش حول حق لاعبي ألمانيـا -ولاعبيـن أوروبييـن آخريـن كانوا أقل «إخلاصاً للقضيـة»- فـي أن يعلّقوا شـارات علـى أذرعهم الخاصة، لا أذرع الآخريـن. قـد يبـدو الصراع على الجسـد –ظاهرياًصراعـاً علـى جسـد المثلييـن، أو ممارسـي المثلية، لكنه فـي الحقيقـة امتـد ليشـمل الصراع على جسـد اللاعبين أنفسـهم، والمتعاطفي­ـن بشـكل عـام، إذ مُنـع حتى جمهور المباريـات مـن ارتـداء أو إظهار أي شـارة «ملونة» ترمز إلى حقـوق المثلية.

ماذا لو تخيّلنا، على الناحية الأخرى، أن لاعباً عربياً قرر ارتداء شارة على ذراعه للتضامن مع قضية ما؟

ثم إن هذا الصراع على الجسـد، امتدّ حتى إلى الإشـارة الرمزيـة التـي أبداهـا لاعبو الفريـق الألماني، بوضع أكفّهـم علـى أفواههـم، كرمز لـ»الإسـكات» الذي تعرضوا لـه بمنعهـم مـن ارتداء شـارات دعـم المثليين. فقد أثارت تلـك الإشـارة، للغرابـة، غضبـاً لا يكاد يقلّ عـن الغضب من شـارات الدعم نفسـها، وطوفاناً من السـخرية -خصوصاً بعـد خسـارة الألمـان من اليابانيين فـي المباراة- عمّ وسـائل التواصـل الاجتماعـي، ليس مـن الإنترنت العربي المحلـي فحسـب، بـل حتى مـن صفحات للعـرب المقيمين فـي ألمانيـا، الذيـن بدا واضحاً أنهم «يسـتحون» من تصـرف «فريقهم».

لكـن مـاذا لـو تخيّلنـا، على الناحية الأخـرى، أن لاعباً عربياً قـرر ارتـداء شـارة على ذراعه للتضامن مـع قضية ما؟ لا يجـب أن يشـطح خيالنـا كثيـراً، فاللاعـب العربي، كأي مواطـن عربـي، لا يتمتـع بقـدر كبيـر -أو أي قدر- من حرية التعبيـر الحقيقيـة. وأحيانـاً، قد يُسـمح لـه بالتضامن مع قضيـة عروبيـة، أو لنقـل، يتم التسـامح مـع تضامنه، إذ عـادةً مـا يخفي اللاعب إشـارة تضامنه تحـت قميصه، إلـى أن تحيـن اللحظـة المناسـبة ليكشـف عنها. أما أغلب مـا يخفيـه تحـت القميـص، فيكـون عادةً صوراً لأحد أفراد العائلـة، أو صديـق راحـل، خاصـةً لو كان لاعبـاً في الفريق نفسـه، أو لأمـور «إنسـانية» من هـذا القبيل. ولإخفائه حتـى هـذا التضامـن البسـيط تحت قميصه أسـباب، فهو لا يضمـن -فـي مجتمـع السـلطات الصارمـة هذا- أن يتم السـماح له مسـبقاً بالإعراب عن أي شـيء. لهذا يزداد اسـتخدام القمصان الداخلية، ويندر اسـتخدام الشـارات على الذراع.

هـذا علـى الرغـم مـن أن اللاعب العربي، لو كان مسـموحاً لـه أن يتضامـن، ولـو كان -قبـل ذلك- ذا عقل ورؤية، لديـه بحـر لا نهائـي ممـن يمكـن أن يتضامن معهم، ومـن القضايـا التـي يمكن أن يسـاهم فـي التنبيه إليها، حتـى مـع الالتـزام بعدم «تسـييس الرياضة»، وحتى مـع تجنّـب الحريـات العامة كونها «سياسـةً». يمكن للّاعـب العربـي -فـي هذا التصـور الخيالي- أن يرتدي شـارةً تعتـرض مثـاً، علـى زواج القاصرات في بلاده، أو تحـذّر مـن ختـان الإناث. يمكن أن يرتدي شـارةً تتعاطف مـع أطفـال الشـوارع، وتطالب بتعديل قوانيـن التبنّي. ويمكـن أن يدعـم قوانيـن التبرع بالأعضاء، أو المسـاواة القانونيـة بيـن الرجـل والمرأة. كمـا يمكن أن يحارب التحـرش الجنسـي، والعنـف ضد النسـاء. في الواقع، إذا كان يمكـن لهـذا المشـهد الخيالـي أن يتحقـق، فإن لاعبي المنتخـب الألماني سـوف يحسـدون اللاعبيـن العرب على وفـرة القضايـا التـي تنتظرهـم ليتضامنـوا معها، لو كان بإمكانهـم، ولـو كانوا يريدون.

لا يميّز كثيرون، خصوصاً في البلاد المحرومة من الحياة السياسية، والضمانات الحقوقية، بين أن تتخذ موقفاً من قضية سياسية؛ كالحرب في أوكرانيا أو القضية الفلسطينية، وبين أن تتخذ موقفاً يمسّ قضيةً حقوقيةً؛ كالموقف من العنصرية، أو الفقر، أو حقوق المثليين

يمكن للّاعب العربي -في هذا التصور الخيالي- أن يرتدي شارةً تعترض مثلاً، على زواج القاصرات في بلاده، أو تحذّر من ختان الإناث. يمكن أن يرتدي شارةً تتعاطف مع أطفال الشوارع، وتطالب بتعديل قوانين التبنّي

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Algeria