R22 ThisWeek

الاختلاف لا يفسد للطّعم قضية... هل أصل المحشي مصري، شامي أم عراقي؟

- شيماء اليوسف

اعتاد المصريون أن يضعوا المحشي وبالأخص ورق العنب على طاولة الإفطار في الأول من شهر رمضان، كهدية للصائمين على صبرهم، ونظراً للمكانة الكبيرة التي يتمتع بها هذا الطبق في مطبخهم.

بينما اعتاد أهل بلاد الشام أن يقدموا ورق العنب كطبق رئيسي على موائدهم، وطبق جانبي في مازاتهم، فإذا كانت الحشوة بدون اللحم المفروم صار «يلنجي» وتعني الكذاب باللغة التركية، وهي من الأكلات الصيامية المعروفة في صيام المسيحيين في المنطقة.

لذة المحشي والتعب والصبر اللذان يسبقان تحضيره يجعلانه طبقاً فاخراً «لا يُعد في ساعة بل في ساعات»، هذا الامتياز إضافة إلى الطعم الشهي وكثرة النسخ العربية منه التي تكاد تكون بعدد البلاد العربية، كل هذا تسبّب بظهور خلاف حول ملكية الطبق ونسبه، خلاف قد يعود أصله للمرة الأولى التي وضعت بها امرأة طبق محشي على المائدة أو الطبلية.

المتتبع لتفاصيل الخلاف حول أصل المحشي قد يستنتج أن أكثر من امرأة فكرت في نفس اللحظة باختراع المحشي، فطبخنها وقدمنها في نفس الوقت من نفس اليوم في بلاد مختلفة، فما هو أصله وكيف انتشر بين البلدان العربية؟

المحشي المصري

يقال إن معرفة المصريين للمحشي بدأت مع الوجود العثماني، حيث كان يسمى بالدولما في بداية انتشاره وتعني الخضروات المحشوة، وهو اللفط الذي لا يزال يُستخدم في العراق حتى اليوم، وكان يُحشى بالأرز واللحم المفروم معاً، إلا أن المصريين استبدلوا باللحم الطماطم، وقاموا بتخصيص طبق رئيسي من اللحم ليقدم إلى جانبه.

بحسب مطور ومبتكر الأطعمة محمد حسن، فإن المحشي يعتبر اختراعاً مصرياً، ويؤكد أن المصريين هم أول من قام بحشو الفلفل الحلو «الرومي»، والباذنجان والملفوف «الكرنب»، ,أن مصر عرفت المحشي قبل دخول العثمانيين إليها، منذ عهد الرومان.

يقول في حديثه لرصيف22 : «المصريون هم من ابتكروا المحشي بلا شك، وكل فكرة حشو الخضروات بدأت من عندهم، وقد ساعد في تنفيذ الفكرة زراعة الأرز التي كانت من اختصاصهم واشتهر بها الإقليم».

في المغرب يتميز المحشي بإضافة الشطة الحارة، والفواكه المجففة كالزبيب والخوخ التي تضفي تلك النكهة الحلوة المفاجئة في المحاشي والطواجن

فواكه مجففة... إضافات مغربية

تطور شكل المحشي في كل بلد بحسب المكونات الزراعية فيه، وتعددت المنكهات والتوابل بين النعناع الأخضر والكمون والفلفل الأسود ودبس الرمان، والبصل المبشور والبقدونس والكزبرة الخضراء والشبت والثوم إلى جانب صلصة الطماطم وغيرها.

في المغرب يتميز بإضافة الشطة الحارة، والفواكه المجففة كالزبيب والخوخ التي تضفي تلك النكهة الحلوة المفاجئة التي تهدينا إياها الأطباق المغربية في المحاشي والطواجن، ويطبخ باللحم المفروم أو بدونه بحسب الوصفة المتعارف عليها في كل مدينة، أو بحسب ذائقة و رغبة الطاهي/ية.

بلاد الشام... كل ما يُحفر يُحشى

يتفق أهل بلاد الشام على أن المحشي أصله من عندهم، ويختلفون من أي بلد فيهم وأحياناً من أية مدينة، إذ نجد أن جميع أشكال الخضار الورقية والجذرية تقريباً تُحشى في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن بما تيسر، من الملفوف إلى ورق العنب بنوعيه الأخضر والأسود، إلى الأوراق الموسمية كاللوف واللسينة، إلى الكوسا إلى الباذنجان، إلى القلقاس إلى البطاطا وحتى البصل.

وتتشابه الوصفات التي تحتوي في معظم الأوقات على الأرز واللحم المفروم كمكونات أساسية، مع تنويع البهارات والمنكهات كالبقدونس والشبت، ولا ينافس الأرز في الحشو إلا البرغل، حيث تنتشر هذه الوصفة في مناطق الشمال السوري كحلب والقامشلي، إضافة إلى الحشوة المقتصرة على اللحم المفروم مع الصنوبر والتي تستخدم في طبق الكوسا المطبوخ باللبن وتسمى بـ»شيخ المحشي»، والذي يطبخ في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين.

العراق يقول «دولما»

الواضح أن المحشي يُقدم في كل بلد بطريقة تعبر عن هويته وهوية مطبخه، من أسمائه في العراق شيخ المحشي لكنه يختلف عن ذلك الرائج في بلاد الشام بأنه لا يقتصر على الكوسا بل يشمل إلى جانبها الفلفل الحلو والباذنجان والبطاطا وأن حشوته هي اللحم والأرز، أما الاسم الأكثر شهرة للمحشي في العراق فهو «دولما» وهي نفس التسمية التركية للخضروات المحشية والتي كانت رائجة في مصر أيام العثمانيين.

قامت العراقيات بتطوير المحاشي بإضافة النكهات الخاصة ببلاد ما بين الرافدين، مثل وضع عظام اللحم أو الخبز في قعر القدر، ومثل استخدام دبس الرمان أو التمر الهندي لإضفاء بعض الحموضة اللاذعة، تقول شذى )48 عاماً( لرصيف22، وهي معلمة عراقية تسكن السويد، إنها «تستخدم البطاطا والفلفل وورق السلق والباذنجان والبصل الأخضر المفروم والبهارات وزيت الزيتون، عند تحضير خلطة الحشو».

المحشي في عائلة شذى، له طقوس خاصة في تناوله حيث يشربون معه اللبن، كما يفعل الأتراك، ويضعون في قعر إناء الطهي الخبز، وفي أحد الأيام تلقت والدتها نصيحة من جارتها بوضع اللحم بدلًا من الخبز، ولما فعلتها الأم، تغير طعم المحشي الذي اعتادوا عليه وكاد أن يغشى عليهم من هول المفاجأة على حد تعبيرها.

تقول: «تقاس مهارة الفتاة المقبلة على الزواج في العراق بمدى قدرتها على صناعة وتجهيز الدولما».

كلمة أخيرة

على الرغم من أن المحشي لا يعد من الأكلات الشعبية في السعودية، إلا أنه دخلها ومنطقة الخليج العربي من خلال التواصل مع الشعوب المجاورة للمملكة ومع أفواج المغتربين العاملين هناك منذ عقود.

يشير التشكيلي السعودي مشعل العمري خلال حديثه لرصيف22 إلى أن سكان حوض البحر المتوسط أكثر احترافية في صناعة المحاشي، بينما يفضل أهل الجزيرة العربية عنها المشاوي، يقول: «الناس في الجزيرة العربية بدو، والبدوي أقل اهتماماً بتنويع طرق الطبخ والحفظ، لأن بيئته الصحراوية لم تمنحه هذه الخيارات المتواجدة في الأرياف والمجتمعات الزراعية».

في النهاية... لا أحد يستطيع قول الكلمة الأخيرة، لأن الطبخ كاللغة له ذائقة تتطور بحسب الزمان والمكان، وتنتج أنواعاً جديدة من الأكلات قد تتحسن وتتغير إلى الحد الذي تنفصل به عن الطبق الأول، فربما هو مصري لارتباطه بالأرز، أو هو فعلاً تركي الأصل وقد كان الوجود العثماني السبب الأول لانتشاره في المنطقة.

وربما هو يوناني كما يقول اليونان، أو عراقي بقدم حضارة ما بين النهرين كما يقول أهل العراق، أو حلبي كما يصر أهل حلب بقولهم أن كل مبدأ حشو الطعام بدأ من مدينتهم، بما في ذلك الكبة، وحشو العجين، وطبعاً الخضراوات، وربما هو طبق موجود في كل مكان لأن بساطة الفكرة تجعلها واردة في أي مجتمع زراعي، لكن في كل الحالات، اختلاف الطعم أو البلد أو الحشو في هذا الطبق لا يفسد للود قضية.

قامت العراقيات بتطوير المحاشي بإضافة النكهات الخاصة مثل وضع عظام اللحم أو الخبز في قعر القدر، ومثل استخدام دبس الرمان أو التمر الهندي لإضفاء بعض الحموضة اللاذعة

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Algeria