R22 ThisWeek

مذّكرات الرؤساء العرب المنسيين

- سامي مروان مبيض

فـي الواليـات األمريكيـة، ُعرٌف قائـم منذ وفاة الريس فرانلكـن روزفلـت عـام ،1945 بـأن ُتجمع أوراق كل رئيـس فـي مكتبـه حكومية خاصة تحمل اسـمه، وأن يضـع مذكرات بنفسـه وينشـرها بعد مغادرتـه المكتب البيضاوي. سـرت هذه العادة على كل الرؤسـاء، باسـتثناء جـون كينـدي الـذي ُقتل قبـل إنهاء واليته عام ،1963 ودونالـد ترامـب الـذي لم تصـدر مذكراته حتى اآلن.

بعـض هـذه المذكـرات كانت مربحة جـدا ألصحابها، مثل مذكـرات بيـل كلينتـون «حياتي» التي قبض سـلفة 15 مليـون دوالر أمريكـي من الناشـر قبـل كتابتها، و12 مليونـًا أرباحـًا مـن المبيعات. أمـا الرئيس باراك أوباما، فقـد تقاضـى 65 مليـون دوالر مقابـل مذكراته «األرض الموعـودة» التـي صدرت عام .2020

ال ُعرف مشـابهًا في العالم العربي ألن الرؤسـاء والملـوك يبقـون عـادة فـي الحكم حتـى الممات، أو يتم خلعهـم واعتقالهـم، كمـا حدث مع حسـني مبارك وزين العابديـن بـن علـي، أو مقتلهـم مثلما حدث لصدام حسـين ومعمـر القذافـي. لذلـك، ال نجـد أي أثر مكتوب لرؤسـاء العراق (باسـتثناء روايات صدام الشـهيرة) أو لملوكـه الثالثـة قبل عام .1958

الملـك المؤسـس فيصـل األول توفـي فجأة وهو في الخمسـين مـن عمـره عام ،1933 ومات نجلـه وخليفته غـازي عـام 1939 بحـادث سـير (قيل إنـه كان مفتعال) وهو في السـابعة والعشـرين من عمره. أما الملك الشـاب فيصـل الثانـي، فقـد قتـل مع بقية أفراد أسـرته في

مجـزرة قصـر الرحاب الشـنيعة عام .1958

وفـي السـعودية، لـم يترك أي مـن ملوكها مذكرات، فالملـك سـعود ُخلـع عن الحكـم عام ،1964 والملك فيصـل ُقتـل عـام ،1975 أما بقية األشـقاء من أوالد الملـك المؤسـس عبـد العزيـز آل سـعود، فقد بقوا في الحكـم حتى الشـيخوخة والممات.

األردن

االسـتثناء الالفـت هـو المملكة األردنية الهاشـمية، حيـث لـكل مـن ملوكهـا األربعة مذكـرات ذات قيمة، آخرها مذكـرات الملـك الحالـي عبـد الله الثانـي التي صدرت عام .2011 الملـك المؤسـس عبـد اللـه األول وضع مذكراته قبـل مقتلـه عـام 1951 وكذلـك فعل حفيده الملك حسـين فـي كتـاب ‪Uneasy Lies the Head‬ الصـادر عام ،1962 تـاله كتـاب «مهنتـي كملـك» الصادر عام ،1975 وهو عبـارة عـن أسـئلة وجهت للملك حسـين مـن قبل صحافي فرنسـي. وهنـاك مذكرات مشـكوك بأمرهـا حملت توقيع والـده الملـك طـالل، الذي حكم األردن مـن تموز/يونيو 1951 إلى آب/ أغسـطس .1952

خلـع الملـك طـالل عن العرش بحجـة مرضية عام ،1952 وعـاش سـنواته فـي المنفى بتركيـا حتى وفاته عام ،1972 إذ قيـل إنـه وضـع مذكرات ُنشـرت على صفحات مجلـة «روز اليوسـف» المصريـة في مرحلة السـتينيات. كان ذلـك خـالل أوج الحـرب اإلعالمية بيـن عمان والقاهرة، ويعتبـر الملـك طـالل فيها أنه تعـرض لمؤامرة كبرى دّبرتهـا زوجتـه الملكـة زين شـرف لكي يتوّلـى نجله الملك

حسـين عـرش األردن. ولكـّن لغة المذكرات ركيكـة للغاية وكذلـك التهجـم الكبيـر على أفراد األسـرة الهاشـمية، ما جعـل الكثيـر مـن المؤرخين والباحثيـن األردنيين والعرب يشـككون بمصداقيتهـ­ا ويقولـون إن الملـك طالل لم يكتبهـا قـط إنمـا كانـت من تأليف المخابـرات المصرية.

مصر

كل ملـوك مصـر قبـل ثـورة 23 يوليو 1952 لـم يكتبوا مذكـرات، باسـتثناء الخديـوي عباس حلمـي الثاني الذي دون مذكراتـه، التـي نشـرت بعنـوان «عهدي» عام 1993 وتـم ترجمتهـا الحقـا إلـى اللغة اإلنجليزية عبـر الجامعة األميركيـة فـي القاهـرة. حكـم عباس حلمـي الثاني مصر مـن عـام 1892 إلـى عام ،1914 عندما تـم خلعه عن العـرش مـن قبـل اإلنجليز، ولـه أوراق مفصلة ودقيقة عـن فتـرة حكمـه ومنفـاه الطويل في أوروبـا، تم إيداعها فـي جامعـة درهـام البريطانية عام ،1980 ويجـري فتحها سـنويا للباحثيـن المختصيـن عبـر زمالـة أكاديمية تحمل اسـم «زمالـة محمـد علي». بعيدا عن هـذه التجربة الفريـدة للخديـوي، ال نجـد أوراقـا مماثلـة ال للملك فؤاد أو لنجلـه الملـك فـاروق، علمـا أن الكثير مـن وزرائهم كتبوا مذكراتهم.

أمـا عـن رؤسـاء مصر بعد إعـالن الجمهورية عام ،1953 فـأول مـن كتـب مذكرات كان اللواء محمـد نجيب، وقد صـدرت بعـد خروجـه من اإلقامـة الجبرية عام 1984 وكان لهـا صـدى كبير في األوسـاط السياسـية والثقافية. وقد حمـل هـذا الكتـاب عنوانـًا الفتًا «كنت رئيسـًا لمصر» في

محاولـة مـن المؤلـف تذكيـر الناس أنه فعال كان رئيسـا بالده، بعد أن شـطب اسـمه من قائمة الرؤسـاء في عهد صديقـه وزميلـة جمـال عبد الناصر.

وكان محمـد نجيـب قـد حكـم مصر فعال حتى شـباط/فبراير ،1954 عندمـا عزلـه عبـد الناصـر ووضعه فـي إقامة جبرية كانـت أقـرب إلى سـجن في فيال زينـب الوكيل، زوجة النحـاس باشـا، حيـث لـم يره أحد ولم يسـمح له بالخروج أو المشـاركة في أي نشـاط سياسـي. يتحدث الرئيس نجيـب بحرقـة قلـب كيـف انقلب عليـه كل رفاقه من الضبـاط األحـرار، ولـم يحركوا سـاكنا للدفـاع عنه بعد صدور قـرار اإلقصـاء. يـروي محمـد نجيب كيف جـاء أحد أبنائه مـن المدرسـة باكيـا عندما لم يقرأ اسـم أبيـه في قائمة الرؤسـاء المصرييـن، معتبـرًا أن والـده لم يكـن صادقًا معه عندمـا قـال له «ُكنت رئيسـا لمصر».

الرئيـس جمـال عبـد الناصـر لم يكتب مذكـرات، ولكنه وضع كتابـًا صغيـرًا عـن «فلسـفة الثورة» عام 1954 (قدم له وحـرره محمـد حسـنين هيكل). أما الرئيس أنور السـادات، فلـه مذكـرات شـهيرة بعنـوان «البحث عن الذات،» صدت فـي نيسـان/أبريل ،1978 وُترجـم إلـى 13 لغة، منها اإلنجليزيـ­ة والفرنسـية والعبريـة، وقد ُنشـرت فصول منه فـي كبـرى المجـالت والصحف، مثـل «تايم» األمركية و»باري ماتش» الفرنسـية.

لبنان

الوضع مختلف في لبنان حيث يوجد تداول للسلطة وثقافة أقوى في أدب المذكرات، نظرا لكثرة من يحمل لقب «الرئيس السابق» أو «الرئيس األسبق.» أول من نشر

كان اللواء محمد نجيب أول من كتب مذكرات بعد إعالن الجمهورية املرصية عام ،1953 وقد حمل كتاب محمد نجيب عنواًان الفتًا (كنت رئيسا ملرص) يف محاولة من املؤلف تذكري الناس أنه فعًال كان رئيسًا بالده، بعد أن ُشطب امسه من قامئة الرؤساء يف عهد صديقه وزميلة جمال عبد النارص

مذكراته كان الرئيس الشيخ بشارة الخوري بعنوان «حقائق لبنانية.» وضعها الرئيس الخوري خالل سنوات تقاعده بعد أن أجبر على االستقالة عام ،1952 وقد جاءت بثالثة أجزاء وفيها دفاع مستميت عن عهده سواء عندما كان رئيسا للحكومة أيام االنتداب الفرنسي أو بعد انتخابه رئيسا للبالد عام .1943

وقد وضع خليفته الرئيس كميل شمعون مذكرات بعنوان «مذكراتي» عام ،1969 كما وضع كل من شارل حلو وأمين الجميل وإلياس الهراوي مذكراتهم. أما عن بقية الرؤساء، فلمعظمهم تسجيالت صوتية ومقابالت تلفزيونية، تعتبر مذكرات «مرئية».

سوريا

مّر على سوريا عشرون رئيسًا منذ بدء االنتداب الفرنسي عام ،1920 ولكنهم جميعا لم يتركوا مذكرات. مع العلم أن بعضهم عاش طويال بعد مغادرته الحكم، مثل الرئيس صبحي بركات الذي استقال عام 1925 وتوفي عام ،1949 والرئيس ناظم القدسي، الذي ُنحي عام 1963 وتوفي عام .1998 أما الرئيس شكري القوتلي «بطل الجالء» فقد عاش سنوات منفى في مصر ما بين عهده األول -1943( )1949 والثاني ،)1958-1955( وكان بإمكانه كتابة مذكرات خاللها ولكنه لم يفعل، واكتفى بكتابة مقدمة لكتاب «كيف استقلت سورية» عام ،1950 للصحافي سعيد تالوي.

وقد عاش الرئيس القوتلي تسع سنوات بعد خروجه من الحكم لغاية وفاته في بيروت عام ،1967 ترك خاللها تسجيالت صوتية، أو «مذكرات صوتية،» ال تزال في حوزة عائلته حتى اليوم، وكذلك فعل الرئيس القدسي. أما الرئيس حافظ األسد فقد ترك ما هو قريب من المذكرات، عبارة عن لقاءات مطولة مع الصحافي البريطاني باتريك سيل، صدرت في كتابه الشهير «األسد: الصراع على الشرق األوسط» عام .1989 ولكنها ليست مذكرات ألنها ليست بقلمه وهي تتوقف في نهاية الثمانينيا­ت، علما أن األسد عاش حتى عام .2000

ما يعوضنا عن ضعف المذكرات الرئاسية في سوريا هو عدد ال بأس به من مذكرات رؤساء الحكومات. جمعت أوراق الرؤساء جميل مردم بك ولطفي الحّفار من قبل ابنتيهما، سلمى مردم بك وسلمى الحّفار الكزبري، وقامت األديبة كوليت خوري بجمع أوراق جدها الرئيس فارس الخوري في ثالثة أجزاء، صدر آخرها بدمشق عام .2015 أما محسن البرازي، رئيس وزراء سوريا عام ،1949 فقد جمعت بعض أوراقه من قبل الّدكتورة خيرية قاسمية، وُمذّكرات معروف الّدواليبي ُسّجلت من قبل الباحث السوري الُمقيم في السعودية عبد القدوس أبو صالح، الذي جالس الّدواليبي ودون ذكرياته بين عام ،1993و1987 لينشرها عام .2005

يبقى الدكتور بشير العظمة، رئيس الوزراء في زمن االنفصال، الوحيد بين رؤساء الحكومات السورية، الذي دون مذكراته بنفسه، ونشرها عام .1990 ولعّل أشهر تلك المذّكرات وأكثرها انتشارا هي مذّكرات الرئيس خالد العظم، بأجزائها الثالثة، ولكّنها صدرت في مطلع السبعينيات، بعد سبع سنوات من وفاته.

 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Algeria