حصاد الرحلة
حتــفــتــان بــديــعــتــان مـسـجـلـتـان عــلــى شريط سينمائي، كالهما يحمل االســم نفسه (هناك نسخة ثالثة بالرسوم املتحركة ال تقل روعـة) .. األفالم الثالثة حتمل جميعا اسم «العجوز والبحر»، وقد جرى صنع وعرض النسخة األولى فى العام 8591وتـألـق فيها املمثل الكبير سبنسر تريسي، أمــا النسخة الثانية فقد مت إنتاجها للعرض التليفزيونى بعد 32 سنة (العام )1990 ولعب دور البطولة فيها الفنان العبقرى أنتونى كوين.
«العجوز والبحر» مأخوذة عن رواية (قصيرة) حتـمـل االســـم نفسه كتبها واحـــد مــن أعظم وأكبر أدباء أمريكا الشمالية والعالم، أرنيست هـمـنـجـواي، وحــصــل عـنـهـا عـلـى جــائــزة نوبل لـــأدب فــى الــعــام ..1954 واســمــح لــى عـزيـزى أن أتـــرك بـاقـى السطور مللخص هــذه القصة الـرائـعـة الـتـى أراهـــا األقـــرب واألكــثــر انطباقا على حال مجتمعنا.. وأقصد بذلك جهاد هذا املجتمع ومحاوالته التى طالت ولـم تنقطع على مــدى مــراحــل تـاريـخـه احلــديــث كله من أجل أن ميسك بأول طريق النهوض والتقدم
واحلرية والدميوقراطية والعدالة، لكنه يقطع شوطا ثم يتعثر على الطريق أو يتقهقر فيعاود الرحلة من جديد.. متاما كما الصياد العجوز «سنتياجو» الــذى يحكى همنجواى (برهافة وإعـجـاز أدبــى متفرد) حكاية كفاحه اليومى وعناده وإصــراره على امتطاء مركبه الصغير مندفعا به إلى قلب البحر حيث ميخر عبابه متحديا أمواجه العاتية، بينما أمل حلو يداعب خياله أن ينجح مرة فى صيد سمكة كبيرة يعود بها فخورا سعيدا إلى قريته.
الفشل املتتالى فى حتقيق حلم هذا العجوز، اليردعه وال يفتح فى قلبه ثغرة مير منها اليأس بالعكس، فاإلخفاق والفشل يزيدانه إصـرارا وتشبثا باألمل واحللم، ومن ثم يكرر كل يوم معركته املنفردة مع البحر حيث الشيء يؤنس
وحدته إال حواره الداخلى مع نفسه.. على هذا النحو متضى أحداث الرواية من صفحة ألخرى من دون أن يشعر القارئ بذرة من ملل أو سأم (متاما مثل البطل «سنتياجو»)
و.. أخــيــرا تـلـوح فــى األفـــق بــــادرة تـشـى بـأن انتصار الصياد العجوز على وشك أن يتحقق، ففى أحد أيامه التى تشبه بعضها، يخرج الرجل إلـى البحر فى الفجر كالعادة، ويظل يصارع املاء واألمواج الصراع الشاق نفسه حتى إذا ما انقضت ساعات الصبح وحلت الظهيرة يهتز مركبه الصغير فجأة بعنف وتظهر له السمكة احلـــلـــم واضـــحـــة تــتــألــق فـــى املـــــاء مبـالمـحـهـا البهيجة وحجمها العظيم.. إذن أخيرا صار الصيد الثمني املرجتى قريبا وميسورا.
غير أن الصياد العجوز املكافح سرعان ما
يكتشف ونكتشف معه أن فصال جـديـدا من اجلهاد والصراع العنيف بدأ (هذا الفصل هو مـوضـوع الفيلم) مـن أجــل اإليــقــاع بالسمكة الهائلة العتيدة التى فتنت سنتياجو وهيجت عواطفه فراح يناجيها ويخاطبها قائال: «أيتها السمكة، كم أحبك واحترمك لكننى بالتأكيد لن أدعك تفلتني وسأنال منك شئت أم أبيت».
يومان كامالن ميضيهما سنتياجو وهو يكافح كفاحا مريرا فى عرض البحر لإليقاع بسمكته الضخمة وفى صباح اليوم الثالث ينجح فى السيطرة عليها، بيد أن الدماء التى تسيل منها جتتذب إلى املكان خصوما آخرين جبابرة لم يحسب لهم الصياد حسابا، إذ تتقاطر عليه بعض أسماك القرش العمالقة الشرسة تريد خطف فريسته والتهامها، فارضة عليه فصال جديدا من اجلهاد والصراع، أشد قوة وعنفا، بل هى حرب حقيقية طويلة يخوضها العجوز بصالبة وعناد ويخرج منها فى النهاية، سعيدا منتصرا بعدما فاز اخيرا ببقايا وأشالء السمكة التى طاملا متناها وحلم بها.