Al-Akhbar

اجلنيه اجمليدى!

- بقلم: أحمد رجب

ال ميــكــن أن يـــقـــال إن الـــعـــا­لـــم الـنـفـسـى الــفــرنـ­ـســى «بــيــنــي­ــه» هـــو مــبــتــك­ــر اخـــتـــب­ـــارات الــــذكــ­ــاء، فــهــذا عـــــدوان واضــــح عــلــى حـقـوق ستى احلـاجـة الـتـى ابتكرت الـفـوازيـ­ر كـأول شــكــل الخـــتـــ­بـــارات الــــذكــ­ــاء، والـــدلــ­ـيـــل فــــزورة ستى عن السيف «إيـش برق برق واستخبى فى الـــورق؟» وهـذه الفوازير لم تعد مالئمة الخـتـبـار ذكـــاء اإلنــســا­ن الــعــصــ­رى، ألن هـذا اإلنسان أصبح يدوخ بني املكاتب لتخليص أوراقــه، وأصبح يعرف أقـرب الطرق لتجنب هـــذه الـــدوخــ­ـة، فـــإذا سـألـتـه «إيـــش بـــرق بـرق واستخبى فـى الــــورق» قــال لـك «الـلـحـلـو­ح»، ولــــم تــكــن ســتــى تــعــنــى راكـــــب الـــطـــا­ئـــرة فى فزورتها «إيش عدى البحر وال اتبلش» ألنها كانت تعنى العجل فى بطن أمه، وإذا نظرنا الــى اخـتـبـارا­ت الــذكــاء الـتـى وضعها العالم الفرنسى وجـدنـاهـا ال تـالئـم الـعـصـر، فمن بينها أن تعرض على من تختبره صورة غير معقولة عـبـارة عـن شخص يجلس ضاحكا ســعــيــد­ا واحلـــريـ­ــق يــشــب مـــن حـــولـــه، فمثل هذه الصورة لو نظر اليها اإلنسان العصرى الذكى فلن تشد انتباهه ألنها صورة معقولة جـــدا، ألن الشخص الـضـاحـك فــى الـصـورة والـــنـــ­ار مــن حــولــه هــو املــوظــف الــــذى أحــرق املخزن قبل اجلرد.

لهذا أصبح من احملتم إيجاد صورة أخرى مـالئـمـة لـلـعـصـر، يكتشف اإلنـــســ­ـان الـذكـى عدم معقوليتها مبجرد النظر اليها، كصورة شارع نظيف فى القاهرة، أو صورة متحدث تــلــيــف­ــزيــونــ­ى ال يــهــش ذبـــابـــ­ة مـــاســـب­ـــيـــرو، او صورة رجل تبدو عليه السعادة وهو يشاهد الــتــلــ­يــفــزيــ­ون، وأصـــبـــ­ح مـــن احملـــتــ­ـم تـطـويـر كــل اخــتــبــ­ارات الـــذكـــ­اء عـلـى أســـس عصرية، وأصبح من الضرورى اشتراط النجاح فيها للمتقدمني لوظائف احلكومة حتى نضمن أجياال قادمة من املوظفني األذكياء يسيرون على منوال األجيال السالفة الذكية الذين وضعوا اللوائح بفطنة وصاغوا االستمارات احلكومية بذكاء، من أجل الدقة واحلرص على أمــوال الـدولـة، ومـا الذكاء غير حرص ودقة .

خذ مثال االستمارة احلكومية «١٧١ ع. ح» اخلاصة بجرد اخلزائن احلكومية من سنة ١٦٨١ فـهـذه االسـتـمـا­رة فيها خـانـات ألنــواع النقود املــجــرو­دة تتضمن العمالت التالية «جنيه إجنليزى ذهب - جنيه مجيدى ذهب - جنيه إجنليزى معجز» «مكتوبة كـده فى االستمارة - البنتو»، وهـذه االستمارة التى يـجـرى الـعـمـل بـهـا حـتـى الــربــع األخــيــر من الــقــرن الـعـشـريـ­ن كـــان لـهـا تـأثـيـر واضـــح فى حـيـاة قـريـب لــى اسـمـه عـبـدالـعـ­زيـز، التحق بـاحلـكـوم­ـة سـنـة ٠٧ ثــم صـــار أمـيـنـا خلـزانـة سنة ٤٧، فجاء األستاذ مراد رئيسه القدمي الذى ميارس عمله بكل دقة وفطنة، طلب أن يجرد معه اخلزانة على االستمارة املذكورة، فنظر رئيسه الى االستمارة قائال: «بص فى اخلـــزانـ­ــة يـاعـبـد الــعــزيـ­ـز وشــــوف عــنــدك كـام جنيه مجيدى»، وملا لم يكن لدى عبدالعزيز أى فكرة عن هذه االستمارة فقد سأل رئيسه عـن معنى كلمة «جنيه مجيدى» فقال له: «إنــــه جـنـيـه الــســلــ­طــان عـبـداملـج­ـيـد سلطان تركيا املعاصر حلكم محمد على باشا» وهذا اجلنيه ال وجــود لـه حتى فـى تركيا نفسها ولكن محتمل جدا أن يكون موجودا عندنا فـى اخلــزانــ­ة، والـظـاهـر أن الـشـاب املستهتر عبدالعزيز اعتبرها نكتة فثار األستاذ مراد مــنــددا مبوقفه الوظيفى الـشـائـن، وأفهمه أن احلكومة ال تطبع مثل هذه االستمارات عــبــثــا وعــلــيــ­ه أن يــطــبــق تــعــلــي­ــمــاتــه­ــا، وراح األستاذ مراد يفتش فى اخلزانة بنفسه عن اجلنيهات املجيدية واجلنيهات اإلجنليزى الـــــذهـ­ــــب واملـــــع­ـــــجــــ­ـزة والــــبــ­ــنــــتــ­ــو، ثـــــم أحـــــال عبدالعزيز للتحقيق، وأوضـــح عبدالعزيز فى التحقيق أن اجلنيه اإلجنليزى املعجز ال وجود له إال فى أنتكخانة لندن، والبنتو عملة فرنسية بعشرين فرنكا ذهبيا كانت متداولة أيام الدولة العثمانية وغير معقول أن يكون فى خزانته بنتو وال ولـدو، وانتهى التحقيق بـــإدانــ­ـة عـبـدالـعـ­زيـز إلهــمــال­ــه فى تــطــبــي­ــق الــتــعــ­لــيــمــا­ت الــــــــ­واردة بــاالســت­ــمــارة احلكومية «١٧١ ع.ح».

من كتاب «كالم فارغ»

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt