Al-Akhbar

«الفرط».. اتجاه إجبارى والغالء يقهر «الوجاهة»

رجيم اقتصادى للحد من تضخم األسعار

- عبد الصبور بدر

لم يخترع املصريون الذرة فهذا السلوك تطبقه منذ عشرات السنني دول أوروبية يؤمن مواطنوها بعدم التبذير وشراء ما يلزمهم من احتياجات فقط، إال أن الفارق هو أن ممارسة املصريني لهذا السلوك إجباري، كما أنه ال يفى باحتياجاته­م املطلوبة!

أمـام أكشاك السجائر تستطيع بسهولة ماحظة شباب ورجال لم يستطيعوا االمتناع عن عادة التدخني السيئة حتى بعد ارتفاع أسعار السجائر فلجأوا إلى الشراء بالفرط.

أمـا سـوق إمبابة فيكتظ مبواطنني فقراء جـدا يشترون بقايا الطعام الذى كان فى طريقه إلى القمامة بأسعار زهيدة والغريب أنهم يشكون أيضا من أرقام األسعار التى تتضاعف وجعلتهم مكتوفى األيدى أمام فتات الطعام.

بجنيهات قليلة ميكنك احلصول على عبوة صغيرة من الزيت يفرغها لك البقال فى كيس شفاف. ليس الزيت فقط هو ما يبيعه عم محمد فرط للغابة ولكنه أيضا يبيع لهم عدة أصناف بنفس الطريقة مثل اخلل والعسل االسود والطحينة. لدى محمد قناعة أنه يساهم فى حل مشكلة بسطاء ال ميلكون قوت يومهم ويتحدث عن حاالت يعرفها ويحكى قصصا مؤملة ألشخاص ينامون بدون عشاء ألنهم ال يجدون ثمنه.

فى سوق إمبابة تستطيع مشاهدة أشياء تباع وتشترى وأنت تظن أن مكانها الوحيد هو صندوق القمامة فداخل السوق تباع هياكل الدجاج وهـى عبارة عن عظم الصدر والرقبة واألجنحة والتى يتزاحم عليها هؤالء الفقراء كبديل للحوم أو الدواجن عن طريق استخدامها فى عمل شوربة.

تصف سعاد أحمد (ربة بيت) األسعار بأنها نار، وتقول: الست الشاطرة تعرف كيف تدبر أمورها فى أصعب الظروف، وتضيف: عندما يعلو سعر سلعة معينة بشكل مبالغ فيه فليس من الصعب االستغناء عنها، وتضرب مثاال باألرز الذى رفضت دخوله البيت وفكت عنه احلظر حني هبط سعره، ولذلك فإنها عندما تذهب إلى السوق تختار دائما أنواع الطعام الرخيصة وتترك الطعام الغالى ملن ميلكون ثمنه، وال تنكر أنها تقف عاجزة أمام السلع الضرورية التى ال ميكن االستغناء عنها مثل السكر.

ويعترض محمود إسماعيل على األسعار التى تقفز يوما بعد آخر وال يستطيع ماحقتها لكونه موظفا بسيطا بالتربية والتعليم ولديه أسرة مكونة من 5 أفراد لديهم من الطلبات ما يقصم الظهر.. يشهر يده اخلالية فى وجوهنا وهو يقول: هاجيب منني، واملدارس عايزة طلبات قد كده وهدوم ودروس، واملرتب ما بيكفيش عيش حاف!

ويصف عبد اجلليل عوض (موظف بالصحة) معادلة املرتب واألسـعـار بأنها مـن أعقد املــعــاد­الت، ومـجـرد خطأ بسيط فيها يؤدى إلى انفجارات غير محسوبة، ويقول إنه يحسبها بالورقة والقلم ويستغنى عن أشياء ضرورية جدا ويستبدل املنتجات اجليدة بالرخيصة حتى يتمكن من إطعام أوالده وسد احتياجاتهم الضرورية.

أمــا عـــادل فـخـرى (مـحـاسـب) فـيـقـول: إنــه ال يستطيع االستغناء عن متطلباته الضرورية فى حني أن مرتبه ال يكفيه وهو ما جعله يحل تلك املعادلة الصعبة بالبحث عن عمل آخر مينحه راتبا إضافيا يسمح له باحلياة بكرامة، وقـد وجـد بالفعل وظيفة بائع فـى أحـد احملــات بالعتبة

فلتت األسعار، ال جتد من يحكمها، أو يقنعها بالتوقف عن القفز وافتراس راتب املوظف الشهرى فى أيام معدودة!. بدخله البسيط وجد املواطن نفسه أمام غول ضخم يلتهم كل محاوالته التى يقوم بها للنجاة من اإلفالس واالقتراض وهو ال يدرى ماذا يفعل بجنيهاته التى فقدت قوتها الشرائية.. لم يعد فى مقدرة األسرة الفقيرة شــراء كيلو من اللحم بـ 180 جنيها أو فــراخ، جتــاوز سعر الكيلو منها 33 جنيها.. أو حتى زجاجة الزيت التى وصلت لـ43 جنيها إضافة إلى االرتفاع اجلنونى فى أسعار الطماطم والبطاطس والبصل واخلضراوات واألرز والفاكهة..

د. عالية املهدى قائا: الشغل مش عيب.. العيب أمد أيدي.

تصف د. عالية املهدى أستاذ االقتصاد بجامعة االقتصاد والعلوم السياسية، سياسة الفرط انها سلوك متحضر وتقول: فى أوروبا يقومون به ألنهم أشخاص ميتلكون رشادة، اعتادوا على أال يشتروا شيئا ال يحتاجون له، فلماذا يشترى الفرد الواحد مثا 12 مثلثا من اجلنب وهو يحتاج ألربعة فقط، وملاذا أشترى كيلو موز بينما احتياجى كله لثمرتني فقط، ونفس الشيء يطبق على أشياء كثيرة جدا.

وتضيف: ال يوجد أى شـيء فى أوروبــا صاحلا يلقى فى صناديق القمامة، بينما يختلف األمـر لدينا فأغلب األسر تعودت على أن متأل األطباق وفى نهاية االنتهاء من تناول الوجبة جند الكثير من البقايا فى األطباق.

وتستطرد: من املمكن أن تؤدى سياسة الشراء بالفرط إلى

أمام هذه التحديات اضطر املواطن إلى أن يشترى القليل جدا من هذه األشياء ليضمن حقه فى تذوقها بعد أن يأس من احلصول عليها كاملة.. سجائر فرط وزيـت فرط وسكر فرط وحلـوم فرط وخضار فرط ودواء فرط باحلباية وشبكة عرائس فرط يكتفى فيها العروسان بدبلة نحيلة وكان اهلل بالسر عليم. حل األزمة فقد يحدث عن طريقها تخفيض فى األسعار نظرا لعدم إقبال املواطنني على الشراء بكميات كبيرة، وقلة الطلب فى السوق على البضائع مرتفعة السعر، وسيحدث شيء من اثنني إما ان الشركات ستقوم بتقليل أسعارها لكى تبيع منتجاتها بشكل أكبر أو ان الكمية املنتجة ستقل بالفعل.

وتوضح: السيدة املصرية مدبرة بطبعها وال حتتاج خلبير اقتصادي، فأى أم مصرية هى اقتصادية بطبعها، وسوف تبحث عن البضائع اجليدة قليلة الثمن وتترك األشياء الغالية، ومـن ثقافة السيدة املصرية االستغناء عن السلع الباهظة وصنعها باملنزل مثل املربى وغيرها.

ويؤكد د. رشاد عبد اللطيف أستاذ علم االجتماع أن سلوك الفرط مرتبط كليا بالغاء ففى كل وقت يقابل فيه املصريون مشاكل وأزمــات اقتصادية وغـاء فى أسعار السلع يلجأون مباشرة إلى الفرط وشراء ما يسد احتياجهم فقط، ويتمنى أن يستمر هذا السلوك طوال الوقت. ويتذكر األزمة االقتصادية عام 1930 عندما حدث كساد اجتاح العالم كله وتأثرت به مصر وبدأ أغلب الشعب املصرى يتجه لهذه السياسة ويقلص املصروفات، أما فى زمن خافة سيدنا عمر بن اخلطاب حدث وأن بدأ الشعب يأخذ ما يكفى احتياجاته فقط حتى على مستوى اجليش نفسه، ونفس الشيء حدث فى حرب 67 أيضا كنا نقول إننا يجب أن نقتصد فى مأكلنا ومابسنا فكنا نشترى مابسنا من املناطق الشعبية.

ويقول: ومن املجتمعات األوروبية التى متارس هذا السلوك فرنسا واجنلترا وأمريكا وإيطاليا وغيرها الكثير، واصفا سلوك الفرط باملتحضر وبأنه وسيلة توفير الكثير من املوارد املتواجدة فى مجتمعنا، ولو مت تعميمها فبإمكانها أن جتعلنا فى غنى عن مساعدات البنك الدولى أو صندوق النقد الدولي.

ويوضح: أن الشعب املصرى يحب وطنه وهو ما يعنى أنه على الدولة إعادة حساباتها خاصة بالنسبة للفئات الفقيرة املطحونة، ألن تأثير الغاء عليهم هو األصعب.

ويضيف: حتت شعار (بـ ناقص) يحاول املصريون الهروب من اإلحساس املهني بالغاء، وهو ما يجعلهم يستغنون عن الكثير من السلع التى تربك حساباتهم املادية، فبالنسبة لألكل فبدال من الطعام الذى يفيد اجلسم يتم التركيز على األصناف التى متأل املعدة.

ويـقـول د. أحمد عبد اهلل أسـتـاذ علم النفس بجامعة الزقازيق: ليس كل املصريني شخصا واحـدا، فمثا هناك فئة ترى أن الغاء يقتصر على أنهم ال يستطيعون شراء مابس جديدة ألوالدهم على العيد، أو عدم تناولهم للحوم والـفـراخ بشكل معقول، أو شعورهم باحلرمان من أشياء بسيطة تكون متاحة لغيرهم، فالشعور بالغاء يختلف من شخص آلخر وفق ظروفه، وحسب مستواه االقتصادي، ومن حيث االستهاك، فاألولويات نفسها تختلف، ومن يستطيع االستغناء عـن شــيء ليس بـالـضـرور­ة أن اآلخــر يستطيع االستغناء عنه بنفس الكيفية، وهـو مـا يعنى أن التأثير ليس واحــدا، فهناك رد فعل متباين، حينما ترتفع أسعار السيارات فهذا ال يهم الشخص العادى على عكس شخص فى طريقه لشراء سيارة، ولذلك تختلف نظرات املترددين على السوبر ماركت إلى سلعة معينة، فمنهم من ال يشتريها ومنهم من ال يتصور حياته بدونها.

 ?? ?? حتقيق :
حتقيق :
 ?? ?? ◼
 ?? ?? ◼ د. رشاد عبد اللطيف
◼ د. رشاد عبد اللطيف

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt