Al-Akhbar

وإياك أن تنسى نفسك !!

- توماس جورجيسيان يكتبها اليوم : thomas.gorguissia­n@gmail.com

االثنني أسـعـدنـى كثيرا خبر اخـتـيـار صــاح جـاهـن شخصية معرض القاهرة للكتاب عام ٣٢٠٢. يكفى أن يذكر اسم صاح جاهن أو يتم االشـارة اليه حتى ترى البهجة على الوشوش والفرحة فى القلوب. ألن هذا املبدع العبقرى كتب ورسم الكثير الذى شكل وجداننا .. وحرك مشاعرنا وحرر أفكارنا .. وكدنا نطير وننطلق معه. ونشعر أننا ولدنا من جديد مع رسوماته الكاريكاتي­رية وكلمات أغانيه وأشعاره ورباعياته .. باملناسبة ما من يوم مير فى حياتى إال وأنا أقــرأ رباعية أو أكثر مـن رباعياته. انها روشـتـة نفسية تطبطب عليك وتريحك. عجبي!

واللجوء لصاح جاهن ولعامله ليس فى حاجة إلى تبرير أو تفسير.. أو استئذان. وفى كل األحـوال أنت الكسبان. مازلت أتذكر ما قاله جاهن فى حوار تليفزيونى عندما سئل عما يتمناه البـنـه اذ قــال باختصار: راحـــة الـبـال. وأتذكر أيضا اختياره لزهرة املشمش كزهرته املفضلة. زهرة املشمش اجلميلة التى تعلقت بها وأحببتها منذ ذاك التنبيه..

صاح جاهن كان معى وأنا أسمع اذاعة الشرق األوسط فى شبابى .. ونصيحته الغالية اآلتية بصوت ايناس جوهر غمض عينيك وامش فى خفة ودلع الدنيا هى الشابة وأنت اجلدع تشوف رشاقة خطوتك تعبدك لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع عجبي وان كنت فيما بعد اكتشفت أن الرباعية كما كتبها جاهن تقول: غمض عينيك وارقص !..

وجاهن كان معى أيضا مؤخرا وأنا أتابع تلسكوب ناسا وكالة الفضاء األمريكية واكتشافها آلفاق وأعماق جديدة لكوننا الا محدود .. ”إنسان .. أيا إنسان ما أجهلك ما أتفهك فى الكون وما أضألك شمس وقمر وسدوم وماين جنوم وفاكرها يا موهوم مخلوقة لك؟ عجبى

دائما وقفت مبهورا أمام إبداعه املتنوع واملتميز وأكيد املبهر .. األسـتـاذة سناء البيسى كانت على حـق عندما

وصفته بـ «كتيبة االبداع» .. وكم من أسئلة طرحت عليها وكم من املرات سمعت منها عن جتربتها مع هذا العبقرى .. أثناء حتضير حلقات هو وهي.. بطولة سعاد حسنى وأحمد زكي. صاح جاهن كان له مكانه ومكانته فى بالى دائما وأنا أسأل عنه وأنا أريد أن أعرف عنه .. واحلمد هلل حدث لى هذا مع األستاذ إحسان عبد القدوس واألستاذ أحمد بهاء الدين ومع من كانوا معه فى مشاوير حياته واحلالة اجلاهينية اخلاصة التى خلقها بروحه وبريشته وقلمه .. «أنا دبت وجزمتى نعلها داب من كتر التدوير ع األحباب».. أهل روز اليوسف وصباح اخلير لم يفارقهم بريق أفكاره .. وال البهجة التى كان ينشرها بينهم .. «باتنطط واتعفرت واتــرقــص كــده كـــده» .. والتقيت بـه أيـضـا فـى منزله .. بحضور ابنته سامية (الصغيرة آنذاك) وهى جالسة على الكنبة املجاورة لنا .. كنت أريد أن أعيش وأمتص رحيق جتربته .. وأعرف أكثر عن بداياته مع مجلة صباح اخلير ورحلته مع خلق البهجة والفرحة ووالدة األغنية والليلة الكبيرة وتشكيل الكاريكاتي­ر والقفشة الساخرة .. نعم كنت مع فيلسوف الدهشة وفنان البهجة وموسيقار اخليال قبل عدة شهور من رحيله عن دنيانا .. فى أبريل ٦٨٩١ قبل أن يكمل عامه ال ٦٥ من عمره ..

ان اختيار صاح جاهن شخصية معرض الكتاب فرصة لنا جميعا وخصوصا لألجيال الصاعدة لكى نعرف أكثر عن ابداعه املتنوع ونتعمق أكثر فى تفاصيل عبقريته وأن نعيد قـراءة كتاباته وسماع أشعاره ورباعياته ونتأمل من جديد مواقفه اجلريئة والشجاعة برسوماته الكاريكاتي­رية ونشاهد كـل مـا أضـافـه للسينما واملــســر­ح.. وهــذا ليس ملعرفة قيمته واالحتفاء به فقط .. بل من أجل إثراء حياتنا وإضفاء بهجة أليامنا .. األربعاء

نسيت نفسك؟ وال ايه؟ هكذا يأتى التنبيه أو التحذير .. أو العبارة الصادمة «هو أنت نسيت نفسك؟ وال حتب أفكرك؟». وال شك أن نفسية ونية القائل وشكل عاقته بك .. أو نبرة التنبيه حتدد طبيعة الغرض من «جرس اإلنذار». هل هو مهموم بك و«قلبه عليك» أم عايز يحرجك (وميكن نفسه يذلك كمان). وفى كل األحوال «اوعى تنسى نفسك»

«نعم أحب أن أنسى» نقلت هذه الرغبة عن املفكر زكى مبارك الذى أكمل عبارته قائا: «ولكن أين بائع النسيان؟». فعا أين هو؟ ومن هو هذا البائع؟ وما هى أسعار النسيان هذه األيام؟ واذا باع النسيان فمن يشتريه؟! خاصة أن الكل يروج للذاكرة ويحذر من أن «يضربها» أو «يشلها» النسيان. وال شك أن الزهامير شبح يهددنا وكابوس يطاردنا نحن ومن حولنا. ويا رب استر.

ويذكر الروائى عبد الرحمن منيف «ان النسيان أسهل طريقة للحياة». ورمبا يعنى بهذا «ارمى ورا ضهرك واقلب الصفحة». وقد مت التنويه كثيرا بأن «الذاكرة خدام العقل وأن النسيان خـدام القلب». وأن اإلنسان قد يتمكن من العيش دون أن يتذكر ولكن من املستحيل أن يعيش دون أن ينسى.

وطبعا فى هذا أيضا تنفع احلكمة القائلة: اسألوا املجرب وال تسألوا الطبيب

وطبعا من منا ينسى األغنية الشهيرة التى سمعناها ورددناها على مدى عشرات السنن (نعم من الزمن املاضى اجلميل) وهى أغنية «انس الدنيا وريح بالك واوعى تفكر فـى اللى جـرالـك»ـ كلمات مـأمـون الشناوى وحلـن وغناء محمد عبد الوهاب. هذه األغنية ولدت عام ٤٤٩١. ومن حن آلخر يذكرنا عشاق األغانى الغربية بأغنية الفيس بريسلى الشهيرة «لقد نسيت أن أتذكر بأن أنسى».

و«اوعى تنسى نفسك» هى النصيحة الغالية التى على مسامعك من أصدقائك املخلصن.

ومن هنا أجد نبيل صديق أيام الصبا والشباب ينبهنى و«يشد ودني» قائا: «اوعى حذار من أن تأخذك مشاغل احلياة وتربطك فى ساقية وتغمم عينيك وتكمم فمك. وتفضل تــدور وتـــدور بـك بـا توقف .. ووقتها مـش بس حتكون نسيت نفسك امنــا حتكون كمان مـش عايز حد يفكرك باللى انت فيه»

السبت تتكرر كانت فى القاهرة ما من جتمع أدبى فى أمريكا يتحدث عن ضرورة الشعر فى حياتنا أو اجتماع نسائى يناقش عزمية املرأة فى التاريخ إال ويأتى ذكر اسمها ويجيب فى سيرتها احلضور. حديث شجون وذكـريـات وحديث احتفاء وتعظيم سـام لشاعرة عظيمة تـركـت بصمة خــالــدة فــى حـيـاة أمــريــكـ­ـا.. وهـى باملناسبة التى كتبت وألقت قصيدة فى مراسم تولى بيل كلينتون رئاسة الباد فى يناير ٣٩٩١.

انها مايا أجنيلو الشاعرة األمريكية السوداء التى رحلت عن عاملنا عام ٤١٠٢.وهى فى ال ٦٨ من عمرها.

مايا اجنيلو كامرأة وســوداء ومتمردة ورافضة وحاملة خاضت حياة شاقة مليئة باملخاطر واالحباطات والتحديات املستمرة واملصائب املتتالية. وكما ذكر أحد الذين عرفوها عن قـرب أنها مـرت بكل ذلـك ومـع ذلـك عاشت بل كتبت شعرا يحب البشر والدنيا. شعرا يحلق بنا بعيدا واألهم انها علمتنا كيف نحضن تفاصيل حياتنا ونعطى قيمة ومعنى لوجودنا.. و«أن نكون كقوس قزح وسط السحاب». حسب تعبيرها.

مايا أجنيلو كانت فى القاهرة فى بداية الستينيات. وكانت قد ذهبت الى العاصمة املصرية مع زوجها الثانى فاس ماهكاى أحد نشطاء حركة التحرير بجنوب أفريقيا ومعها أيضا ابنها الصغير من زواجها األول. فاس زوجها كان على اتصال بالقيادات املصرية وكـان يذكر بفخر لزوجته انه التقى بالزعيم جمال عبد الناصر وتناول القهوة معه. هكذا ذكرت مايا فى كتابها «قلب امرأة». وفيه سطور عن حياتها فى القاهرة وشوارعها وتعرفها على املصرين باإلضافة إلى بدايات تعلمها للغة العربية. وقد عملت مايا محررة بـ «آراب أوبزرفر» الصادرة فى القاهرة باللغة االجنليزية. وعاشت فى ٥ شارع أحمد حشمت بالزمالك. وفى القاهرة أيضا التقت وألول مرة بنيلسون مانديا الزعيم األفريقى عام ٢٦٩١. وقد توطدت بينهما الصداقة فيما بعد..

وقـــد أصــــدرت مــايــا أجنـيـلـو ٦٣ كـتـابـا وديــــوان شعر. اإلعامية الشهيرة أوبرا وينفرى قالت عنها ان مايا كانت معلمة أو مدرسة حياة وبشر ومن أفضل دروسها «عندما تتعلم عليك أن تقوم بتدريس علمك وعندما تأخذ عليك أن تعطى أيضا» كانت اجنيلو تتذكر دائما كيف أن جدتها فى يوم ما احتضنتها بكل احلب وقالت للطفلة التى كانت ال تتكلم إال قليا : «ال تهتمى مبا يقوله الناس عنك. إن اهلل اذا أراد وأنت اذا اجتهدت ستكونن أستاذة .. تدرس للطلبة وتعلمهم». ومن عبارات مايا أجنيلو الشهيرة: «ان الطائر يغنى ليس ألن لديه ردا (أو إجابة على سؤال مطروح) بل يغنى ألن لديه أغنية»ـ

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt