Al-Akhbar

ادخلوا فى السلم كافة

- يواصل اإلمام الشعراوى خواطره حول اآلية 208 من سورة البقرة فى قوله تعالى: « َيا أَُّيَها اَّلِذيَن آَمُنوا اْدُخُلوا ِفى الِّسْلِم َكاَّفًة َوَل َتَّتِبُعوا ُخُطَواِت الَّشْيَطاِن ِإَّنُه َلكم َعُدٌّو ُمِبٌني» بقوله: اهلل سبحانه وتعالى شاء أن يجعل أسس اإلس

بعد ذلك ُي ْب َنى اإلسالم، وحني يبنى اإلسالم فإياك أن تأخذ لبنة من اإلسالم دون لبنة، بل يؤخذ اإلسالم كله، فالضرر الواقع فى العالم اإلسالمى إمنا هو ناجت من التلفيقات التى حتدث فى العالم املسلم. تلك التلفيقات التى حتاول أن تأخذ بعضا من اإلسالم وتترك بعضا، وهذا هو السبب فى التعب والضرر؛ ألن اإلسالم لبد أن يؤخذ كله مرة واحدة. إذن «ادخلوا ِفى السلم َكآ َّف ًة» يعنى إياكم أن تتركوا حكما من األحكام. إن الذى يتعب املنتسبني إلى الدين اآلن أننا نريد أن نلفق حياة إسالمية فى بالد تأخذ قوانينها من بالد غير إسالمية. إذن حتى ننجح فى حياتنا، فالبد أن نأخذ اإلسالم كله. إن احلق سبحانه وتعالى يريد بدعوتنا إلى دخول اإلسالم أن يعصم الناس من فتنة اختالف أهوائهم فخفف ورفع عن خلقه ما ميكن أن يختلفوا فيه، وتركهم أحرارا فى أن يزاولوا مهمة استنباط أسرار اهلل فى وجوده بالعلم التجريبى كما يحبون، فإن أرادوا رقي ًا فل ُي ْع ِم ُلوا عقولهم املخلوقة هلل؛ فى الكون املخلوق هلل، بالطاقة املخلوقة هلل؛ ليسعدوا أنفسهم ويدفعوها إلى الرقي، وإن انتهى أحد منهم إلى قضية كونية، واكتشف سرا من األسرار فى الكون فهو لن يقدم للناس جديدا فى املنهج، وسيأخذ الناس هذا اجلديد ول يعارضونه. إذن فمن املمكن أن يستنبط العلماء بعضا من أسرار قضايا الكون املادية بوساطة العلم التجريبي، وهى أمور سيتفق عليها الناس، ولكن البشر ميكن أن يختلفوا فى األمور النابعة من أهوائهم؛ ألن لكل واحد هوى، وكل واحد يريد أن يتبع هواه ول يتبع هوى اآلخرين، واحلق سبحانه يريد أن يعصمنا من األهواء لذلك قال لنا: «ادخلوا ِفى السلم َكآَّف ًة» أى ادخلوا فى كل صور اإلسالم، حتى ل يأتى تناقض األهواء فى املجتمع. وكن أيها املؤمن فى سلم مع نفسك فال يتناقض لسانك مع ما فى قلبك، فال تكن مؤمن اللسان كافر القلب. كن منسجما مع نفسك حتى ل تعانى من صراع امللكات. وأيض ًا كن داخ ًال فى السالم مع الكون الذى تعيش فيه، مع السماء، مع األرض، مع احليوان، مع النبات. كن فى سلم مع كل تلك املخلوقات ألنها مخلوقة مسخرة طائعة هلل، فال تشذ أنت لتغضبها وحتفظها عليك. كن منسجم ًا مع الزمن أيض ًا، ألن الزمن الذى يحدث فيه منك ما يخالف منهج اهلل سيلعنك هو واملكان، وإذا أردت أن تشيع سالمك فى الكون فعليك كما علمك الرسول صلى اهلل عليه وسلم أن تسالم كل الكون، وكان الرسول صلى اهلل عليه وسلم يشيع السالم فى الزمان واملكان، وعلى سبيل املثال كان صلى اهلل عليه وسلم أكثر الناس صياما فى شعبان، وملا سأله الصحابة عن هذا أخبرهم أن شعبان شهر يهمله الناس ألنه بني رجب ، وهو من األشهر احلرم األربعة وبني رمضان، فأحب أن يحيى ذلك الشهر الذى يغفل عنه الناس، فكأن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أراد أن يسعد الزمان بأن يشيع فيه لونا من العبادة فال يجعله أقل من األزمنة األخرى. كذلك األمكنة تريد أن تسعد بك، فكل األماكن تسعد بذكر اهلل فيها. واحلق سبحانه بعد أن أمرنا جميعا بالدخول فى السلم بافعل ول تفعل، حذرنا من اتباع الشيطان ألنه هو الذى يعمل على إبعادنا عن منهج اهلل فقال جل شأنه: «ول

‪ٌَّ َُ‬ تتبعوا خطوات الشيطان ِإنه لكم عدو

‪ٌُ َِّ‬ مبني» «البقرة: .»208 وملاذا ل نتبع خطوات الشيطان؟ ألن عداوته لإلنسان عداوة مسبقة، وقف من آدم هذا املوقف، وبعد ذلك أقسم بعزة اهلل أن يغويكم جميعا، وإذا كان احلق سبحانه وتعالى قد حكى لنا القصة فكأنه أعطانا املناعة، أى أن الشيطان لم يفاجئنا. وإمنا وضع احلق أمامنا قصة الشيطان مع آدم واضحة جلية ليعطينا املناعة، بدليل أننا حني نريد أن نصون أجسامنا جنعل ألنفسنا مناعة قبل أن يأتى املرض، نطعم أنفسنا ضد شلل األطفال، وضد الكوليرا، وضد كذا، وكذا، فكأن اهلل سبحانه وتعالى يذكر قصة الشيطان مع أبينا آدم ليقول لنا: لحظوا أن عداوته مسبقة. وما دام له معكم عداوة مسبقة فلن يأخذكم على غرة؛ ألن اهلل نبهكم لتلك املسألة مع اخللق األول. والشيطان عندما يذكر فى القرآن يراد به مرة عاصى اجلن، ألن طائع اجلن مثل طائع البشر متاما، ومرة يريد به شياطني اإلنس. إذن من اجلن شياطني، ومن اإلنس شياطني. وحتى تستطيع أن تفرق بني ما يزينه الشيطان وبني ما تزينه لك نفسك، فإن رأيت نفسك مصرا على معصية من لون واحد فاعلم أن السبب هو نفسك، ألن النفس تريدك عاصي ًا من لون يشبع نقص ًا فيها فهى تصر عليه: إنسان يحب املال فتتسلط عليه نفسه من جهة املال، وإنسان آخر يحب اجلنس فتتسلط عليه نفسه من جهة النساء.

 ?? ?? < الشيخ الشعراوى
< الشيخ الشعراوى

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt