مرض التهويل والتهوين!
احــد أمراضنا املجتمعية هـو التهويل والتهوين فى أوقــــات الــشــدة ومــواجــهــة االزمـــــات ..! وهــــذا مــا أصـابـنـا عندما اندلعت األزمة االقتصادية احلالية والتى متثلت فــى انــفــالت مــعــدل الـتـضـخـم وشـــح الـنـقـد األجــنــبــى .. فهناك َنَفر منا يهولون من شأن هذه األزمـَة ويصنعون منها كارثة اقتصادية مقبلة علينا فى القريب العاجل جـدا الــذى لن يتجاوز الشهور األولــى من العام القادم .. وهناك من يهونون من هذه األزمـة ويتعاملون معها وكأنها أزمة عادية ال تختلف عما سبق أن واجهناه من أزمات اقتصادية سابقة، أو أزمة عابرة غير مؤثرة سوف نتخلص منها فى وقت قريب دون مواجهة خاصة كبيرة لها.!
وكــال الفريقني أخـطـأ فـى تقديره وتشخيصه لتلك األزمـــــة وبــالــتــالــى أخــطــأ فـــى تــوقــعــاتــه اخلـــاصـــة بــهــا .. فنحن لسنا بصدد كـارثـة اقتصادية تنتظرنا ال فكاك ومهرب منها، كما يصور األمـر مرضى التهويل، ولسنا مقبلني كما يـروجـون على سنة ســوداء شديدة القسوة والـشـدة علينا .. فنحن حتى اآلن ال نعانى مـن نقص أو اختفاء للسلع األساسية والضرورية، خاصة الغذاء، وال نعانى أزمــة طاقة مثل العديد من الــدول األوربية، ومنتظمون فى سداد مستحقات الديون اخلارجية حتى اآلن، ومنضى لزيادة معدل النمو االقتصادى.. ولكننا لسنا أيضا فى وضع اقتصادى عـادى وامنـا نعانى أزمة اقتصادية حتتاج منا جهدا وعمال وخططا لتجاوزها بسالم وبأقل األضرار والتداعيات املمكنة.. وهذه األزمة ليست عـابـرة وإمنـــا ممـتـدة لـوقـت غير قصير ألنـهـا فى جـانـب منها مرتبطة بـأزمـة اقتصادية عاملية صنعتها جائحة عاملية ثــم حــرب شبه عاملية فــى أوكــرانــيــا، وإذا كانت توقعات منظمة الصحة العاملية تبشرنا بانقشاع اجلـــائـــحـــة قــريــبــا فــــإن تـــوقـــعـــات احملــلــلــني الـعـسـكـريـني والسياسيني ال تبشرنا بانتهاء تلك احلرب قريبا، خاصة بعد قرار بوتني االستدعاء اجلزئى لالحتياطي .. فضال عن أن العالج الذى نتجرعه لعالج هذه األزمة له آثاره اجلانبية أيضا، مثل تخفيض اجلنيه الـذى يكبح، مع املــمــارســات االحــتــكــاريــة فــى أســواقــنــا، جــمــاح مــحــاوالت السيطرة على التضخم والغالء، ولذلك بلغ نحو 17 فى املائة الشهر املاضى.
والعالج الناجع والسليم لألزمة االقتصادية يحتاج أوال أن نتخلص من مرض التهويل والتهوين، حتى نرى األزمة على حقيقتها دون مبالغة لها ودون تقليل منها.. وهذا دور وواجب من يديرون اقتصادنا اآلن.