Al-Akhbar

وداعا عروس عروس البحر

-

لم تكن هويدا فتحى مجرد صحفية أفنت عمرها فى بالط صاحبة اجلاللة، فهذا مصير أغلب من أخلصوا لهذه املهنة. لكن هويدا كانت حالة خاصة من احلب الذى لم يعد موجودا بكثرة، جمعت بينها وبني مهنة البحث عن املتاعب فنسيت تقريبا كل ما يتعلق بحياة اإلنسان الطبيعية، وجعلت كل الهموم هماً واحداً هو ماذا ستقدم من إنتاج جديد للجريدة صباح اليوم؟!. كان من املمكن أن تفعل هويدا مثلما يفعل أغلبنا من الصحفيني الذين يقسمون يومهم ثلثا للصحافة وثلثا للبيت واألوالد وثلثا ألصحابه. لكن هويدا اختارت ومنذ اليوم األول الذى التحقت فيه بكتيبة صحفيى األخبار أن جتعل يومها كله للصحافة وال شيء آخر غير الصحافة.

تربعت صاحبة اجلاللة فى قلب وعقل هذه البنوتة املتميزة خلقاً وعلماً فلم تترك فيهما أى مساحة ألى شيء سواها. وعندما كنت أداعبها أحياناً على استحياء مذكراً إياها بأال تدع الصحافة تنسيها حياتها االجتماعية، كانت تضحك فى خجل وتقول: لو كنت تعنى الزواج فقد أحببت البحر وتزوجته منذ زمن وال أظن أن من تعشق بحر اسكندرية ينقصها أى شيء مما حترص عليه أى أنثى من تكوين بيت وأسرة وأطفال صغار.

نعم عشقت هويدا البحر عشقاً يصلح للحكاوى على الـربـابـة فــى زمــن لــم يعد يعترف بـهـذا الــنــوع مــن احلب األفالطونى. ولكن ألنها كانت متفردة فى كل شيء كان من الطبيعى أن تختار هويدا هذا البحر لتودعه كل أسرارها وحكاياتها، وتعيش به ومعه أحلى احلكايات التى تركت لنا دروساً كثيرة فى احلب والعطاء. ويبدو أنها كانت تشعر بقرب األجل حيث كثفت فى أيامها األخيرة نشر صور حبيبها على صفحتها على الفيس بوك. وكأنها قد اختارت أن تكشف للجميع علنا عن حبيبها بل وتودعه أمامنا. تلك الصور التى التقطتها بعدستها اخلاصة. عدسة القلب النابضة باحلب وليس الكاميرات الصماء التى تعجز عن رصد مواطن جمال املالح وأسراره.

وألنها متفردة فى كل شيء كان من الطبيعى أن تضع هويدا فتحى مفهوما مختلفا ملعنى املراسل الصحفى فى احملافظات الذى يدور جل اهتمامه غالبا باألخبار واملوضوعات احمللية التى تهم املواطن داخل احملافظة فقط حيث جنحت أن جتعل كل قــراء األخـبـار فى جميع احملافظات يتابعون حمالتها الصحفية وحتقيقاتها املتميزة خاصة فى مجال البحث عن دواء ناجع لكثير من األمـراض العضال مثل الفشل الكلوى والــســرط­ــان. وقــد حققت هـويـدا فـى مـجـال الكشف عن األبحاث العلمية احلديثة عدة موضوعات هامة نالت عنها عدة جوائز محلية وعاملية حيث دعيت للمشاركة فى تغطية منتديات عاملية تناقش اجلديد فى عالم الطب وكيف ميكن تسخيره خلدمة اإلنسان فى كل مكان. وألن خدمة الناس كان من صفاتها املتالزمة لشخصيتها كانت هويدا مقصدا لكل زميل ينوى زيارة اإلسكندرية. كنت أقول لها مداعباً عندما أحدثها تليفونيا قبل زيارة اإلسكندرية: الدين يقول لنا ادخلوا البيوت من أبوابها ونحن ال نعرف لالسكندرية باباً غيرك، فتضحك هاشة باشة مرحبة، وهكذا كانت تفعل مع كل من يقصد الثغر سواء للعمل أو للفسحة فتستقبل وتستضيف وجتـرى اتصاالتها لتسهيل مهامنا وال تتركنا إال على باب اإلسكندرية عائدين للقاهرة. وكان من الطبيعى لشخصية بهذه الصفات أن تنال ثقة زمالئها فانتخبوها نقيبا لصحفيى الثغر فى دورة اتسمت بالنشاط واالزدهار.

ال أتخيل اإلسـكـنـد­ريـة بـدونـك يـا هـويـدا وأثـــق أن بحر اإلسكندرية يبكيكى بدموعه لكن عزاءنا أنك اآلن بإذن اهلل فى مكان أفضل بكثير من هذه احلياة. رحمك اهلل أيتها الصديقة الغالية والزميلة العزيزة والصحفية الالمعة عروس عروس البحر، وأسكنك الفردوس األعلى من اجلنة. وإنا هلل وإنا اليه راجعون.

هشام مبارك

 ?? ?? ◼ الراحلة فى حفل فوزها بإحدى اجلوائز فى مشوارها املهنى الكبير
◼ الراحلة فى حفل فوزها بإحدى اجلوائز فى مشوارها املهنى الكبير

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt