هذا الرجل ظلمناه !
اخلديو إسماعيل بنى قـصـورا فخمة مثل قصر عابدين والقبة ورأس الـتـني، وكــوبــرى قصر النيل، وحـفـر قـنـاة السويس ودار األوبـــــرا وإنـــــارة الـــشـــوارع ومـــد أنــابــيــب املــيــاه ودار اآلثـــار املـصـريـة، وحـفـر الــتــرع وإنــشــاء الـكـبـارى وزيــــادة الرقعة الزراعية، وإجنازات أخرى هائلة يصعب حصرها.
فـــى الـــرابـــعـــة عـــشـــرة مـــن عـــمـــره ســـافـــر إســمــاعــيــل بن إبــراهــيــم بــن محمد عـلـى إلـــى فيينا عـاصـمـة النمسا، ليعالج من رمد صديدى، فقضى بها عامني، ثم انتقل إلـى باريس، لكنه لم يفنت بجامعاتها ومصانعها، فلم ينضم إلى جامعة، واكتفى من العلم بقسط ضئيل من علوم الهندسة والرياضة والطبيعة، وهـو قـدر ال يؤهل لتكوين عقلية ناضجة متكاملة.
فتنت باريس إسماعيل بشىء آخـر، بجمال شوارعها ومبانيها، فـــأراد أن ينقل بـاريـس إلــى الـقـاهـرة ومــن ير مـيـدان األوبـــرا فـى بـاريـس فهو صـــورة طبق األصـــل من مــيــدان األوبــــرا فــى الــقــاهــرة، ولكننا "بـهـدلـنـا" اجلـمـال والروعة باملبانى القبيحة وكل صور العشوائيات.
شــهــد عــــام 1866 اخلـــطـــوة األهـــــم فـــى تـــطـــور احلــيــاة النيابية فـى مصر بإنشاء "مجلس شــورى الــنــواب" فى عهد اخلـديـو إسماعيل، هــذا املجلس الـــذى اعتبر أول برملان ميتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس اسـتـشـارى تغلب عليه الصفة اإلداريــــة، وتـكـون مجلس شـــورى الــنــواب آنــــذاك مــن 75 عــضــوًا منتخبًا مــن قبل األعـــيـــان: فــى الــقــاهــرة، واإلســكــنــدريــة، ودمـــيـــاط، وعمد الـبـاد ومشايخها فـى بـاقـى املـديـريـات الـذيـن أصبحوا بدورهم منتخبني ألول مرة فى عهد اخلديو إسماعيل، إضــافــة إلـــى رئــيــس املـجـلـس الــــذى كـــان يـعـني بــأمــر من اخلديو.
وقـــد سـاعـد عـلـى هـــذا الـتـطـور انـتـشـار أفــكــار التنوير على يـد مجموعة مـن كـبـار املفكرين والـكـتـاب، إضافة إلــى ظهور الصحف فـى ذلــك الـوقـت ممـا عــزز املطالبة الشعبية بإنشاء مجلس نيابى له صاحيات تشريعية ورقابية أوسع.
حـــدث جـــدل كـبـيـر بــني املـــؤرخـــني حـــول "االســـتـــدانـــة"، ولكنه استدان ليبنى ويعمر فى ظل ضيق موارد الباد.
الباب العالى كما يسمونه ال يريد أبوابًا تعلو عليه، ومصر كانت مؤهلة لذلك با منازع، فصدر فرمان بعزل اخلـديـو إسماعيل، بزعم أن اسـتـمـراره يــؤدى إلــى إثــارة املـشـاكـل واملــخــاطــر ملـصـر وللسلطة الـعـثـمـانـيـة، وُأسـنـد منصب اخلديوية إلى األمير توفيق باشا.
لــم يـكـن أمــــام إسـمـاعـيـل بــاشــا إال اإلذعـــــان للفرمان السلطانى، فسافر إلى نابولى بإيطاليا، وانتقل بعدها إلــى األسـتـانـة، وتـوفـى فـى محبسه فـى قصر أمير جان مارس ،1895 عن عمر يناهز 64 عاما.