Al-Akhbar

مرص ال صنعته

- بقلم: محمد حسنني هيكل

اآلن.. قـــــد أســـتـــط­ـــيـــع أن أمـــســـك مــشــاعــ­رى ألكــتــب عــنــه، فـلـقـد قضيت أيـــــامـ­ــــا بـــعـــد الــــرحــ­ــيــــل، ال أســتــطــ­يــع أن أصــــــدق، وأيــــامـ­ـــا أخـــــرى تــلــتــه­ــا، ال أستطيع أن أتـصـور، حتى استرجعت نفسى من أثر الصدمة.

أتـذكـر مـا كنت أقـــول دائــمــا، عندما كان بيننا: «إنه بكل عظمته لم يصنع مـصـر، ولـكـن مصر بكل عظمتها هى التى صنعته، ولـو ولـد فـى غير مصر ملــا ظــهــر، ولـــو ظـهـر فــى غـيـر مـصـر ملا استطاع».

دوره البطولى كله جـزء من قدرها التاريخى.

إن الــــبـــ­ـطــــل ظــــــاهـ­ـــــرة مــــؤقـــ­ـتــــة فــى الـتـاريـخ، ويـجـب أن يـكـون كـذلـك، ألن األصل واألسـاس الباقى واخلالد، هو الشعب.

وأن يكون دور البطل ظاهرة مؤقتة فى التاريخ، فذلك ال يعنى أنه فلتة أو صدفة، وإمنـا البطل فى األمـة احلية ظاهرة طبيعية، وإن لم تكن كظواهر الشروق والغروب، تتكرر كل يوم.

إن البطل إنسان تتسع همته آلمال أمــتــه وهـــى فــى فــتــرة خـطـر تستودعه كـــــل ســـــرهــ­ـــا، وتـــعـــط­ـــيـــه كـــــل طـــاقـــت­ـــهـــا، لـكـى يـتـقـدم بـاسـمـهـا، ويــواجــه ويـزيـح ويــقــتــ­حــم، وهــــى بــعــد اخلـــطـــ­ر تـسـتـرد سرها، وتأخذ طاقتها؛ ألن مسيرتها أصــبــحــ­ت بـــالـــض­ـــرورة أعــــرض مـــن دور البطل.

كـان البطل فى التاريخ جسر عبور ألمته.

مــــن الـــقـــل­ـــق إلـــــى الـــشـــج­ـــاعـــة.. مـن احلـــيـــ­رة إلــــى الـــتـــق­ـــدم.. ممـــا كــــان إلــى ما يجب أن يكون أو فى اجتاهه على األقل.

ولقد يقال إنه كانت فى دور جمال عبد الناصر بقية.

كنا نتمنى على اهلل أن يتركه بيننا، حــتــى يــقــود زحـــف الــتــحــ­ريــر، ويـشـهـد يومه.

كنا نتمنى ذلك لنا وله، على األقل ليرى النتيجة التى عمل من أجلها، حتى آخــر خفقة فـى القلب، ويعيش الفرحة التى قاسى من أجلها، وعانى، وتعذب. لكن مشيئة اهلل فوق كل األمنيات. ثـــم نــتــذكــ­ر أن جــمــال عــبــد الـنـاصـر أدى، فى احلقيقة، كل دوره أو معظمه.

وعندما نسأل أنفسنا: ما هو الدور الذى حققه عبد الناصر؟

فـــإنـــن­ـــا يـــجـــب أن نـــســـتـ­ــشـــرف أفـــقـــا واسعًا، ذلك أن املعركة التى نخوضها اآلن، أزمـــــة ســــوف متــــر، وحـــدتـــ­هـــا فى وجداننا جتـىء من أننا مازلنا فيها، لكنها سوف متضى، كما مضت قبلها األزمـــــ­ـــــات فـــــى تـــــاريـ­ــــخ األمم احلـــيـــ­ة، ودور جـــمـــال عـــبـــد الـــنـــا­صـــر- عــنــدمــ­ا نستشرف األفــق األوســـع - بتجاوزها فى احلقيقة.

إن هــــنــــ­اك إجنــــــا­زيــــــن بــــــارز­يــــــن فــى دورعـــــب­ـــــد الــــنـــ­ـاصــــر، مــــن وجــــهـــ­ـة نـظـر احلركة العامة للتاريخ:

أولـــهـــ­مـــا: أنـــــه وصـــــل مـــصـــر بـأمـتـهـا العربية.

وثانيهما: أنــه وصــل أمـتـه العربية بالعالم وبالعصر.

هـــذا.. بكل بساطة هـو دوره، وحتته تـنـدرج كـل التفاصيل، وتتعدد معارك حربه التى لم تتوقف يوما قبل رحيله، وال أظنها سوف تتوقف بعد الرحيل. إن التاريخ فوق مشاعر األفراد. وعـــــجــ­ـــزى - بــــعــــ­د الــــرحــ­ــيــــل - عــن التصديق، وعــن الـتـصـور، لـم يكن إال شعور فرد عرفه عن قرب. ومن هنا أحبه فى عمق. ولـــقـــد كـــــان شــــعــــ­ورى غـــريـــب­ـــا خـــال ساعات الرحيل احلزينة. مـن مقال «ملحمة الصراع مع األلم»

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt