Al Masry Al Youm

دس الأنف فى شؤون الآخرين

- أمينة خيرى ‪aminakhair­y@ gmail. com‬

الحِشرية أو التدخل فيما لا يعنينا أو دس الأنوف فى شؤون الآخرين أو التطفل أو التلصص عِلَل تختلف عن حب الاطلع، وأحيانًا عن حب الاستطلع بحسب الغاية، فحين يتحول حب الاستطلع إلى الوقوف خلف باب الشقة والنظر من «العين السحرية» على الطالع والنازل ولصق الأذن على الباب لعلنا نسمع كلمًا يدور بين اثنين أو نلتقط حدثًا أو فضيحة أو سرًّا، فهذا يندرج تحت بند الحِشرية. ولا أعلم ما إن كانت الحِشرية طبيعة أم عِلة مكتسبة تكبر وتترعرع فى بيئة حاضنة لقلة الذوق وانعدام قواعد السلوكيات والأخلقيات البديهية. ولكن ما أعلمه أن الحِشرية يمكن تهذيبها وتقويمها عبر التربية والتعليم. وقيل لنا زمان إن مَن تدخل فيما لا يعنيه نال ما لا يُرضيه، وفى أقوال أخرى، سمع ما لا يُرضيه. لكن ما قيل لنا شىء، وما يجرى حولنا وبيننا وفوقنا وتحتنا شىء آخر تمامًا. واقع الحال يقول إن عشق التدخل فى أمور بعضنا البعض أمر تدور رحاه منذ عقود. أتذكر جارات لنا فى بيتنا القديم كن يفتحن أبواب شققهن خمسة سنتيمترات ويتلصصن على كل ما يجرى فى الخارج. ولطالما تعجبت من ذلك التصرف، ولم أفهم سبب الوقوف خلف الباب بهذا الشكل. وكلما سألت والدتى، كانت ترد: مالناش دعوة. أفهمتنى والدتى بعدها أن التلصص على الآخرين ليس أمرًا محمودًا، وأن هؤلاء الجارات يتصورن أن وقوفهن خلف الباب بهذا الشكل لا يلحظه أحد، وهو ما يجعل شكلهن أسوأ وتقييم الآخرين لذكائهن أدنى. ونعلم جميعًا ميلنا الهادر نحو معرفة كم دفع عريس ابنة خالة زوجة عم نسيبة فلن مهرًا، وتفاصيل ما جرى فى زيجة قريب زميل زوج العم وأدى إلى الطلق وغيرها من أمور لا تعنينا من قريب أو بعيد سوى أنها تشفى آفة الحِشرية، فل هى مفيدة لمَن نحشر أنوفنا فى شؤونهم، ولا هى مفيدة لنا من قريب أو بعيد. اليوم تقوم ال«سوشيال ميديا» بهذه المهمة بالنيابة عنّا جميعًا. ومن السوشيال ميديا إلى الإعلم الرصين، الذى وجد نفسه فى حاجة إلى ركوب موجة الحِشرية. وبدلًا من أن ننتبه إلى هذه الآفة السخيفة، وتعمل مدارسنا على تقويمها بدلًا من فرض الإسدال زيًّا، وبدلًا من أن يعمل الإعلم على شغل وقت فراغ الناس بما من شأنه أن يفيد، إذا بنا نقع فى أغوار الحِشرية المفرطة. الغرق فى الحِشرية دليل مادى على أن ساعات عملنا محدودة، ومقدار إنتاجنا أكثر محدودية، وإلا لمَا كانت لدينا رفاهية الساعات التى نمضيها فى التلصص على الآخرين من خلف الباب. أما الحِشرية الدينية، فتحتاج مراجع لسرد ما أوصلتنا إليه فى مجتمعنا «المتدين بالفطرة». صحيح أن الحِشرية والتدين متناقضان، لكن هذه نقرة وتلك أخرى.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt