Al Masry Al Youm

المصرى والحلوانى فى «ثلاثية الفاطميين»

- أسماء أمين

«الدنيا حكايات من الماضى وبعض محاولات الحاضر التى نقف أمامها عاجزين عن الفهم».. فى «الحلوانى: ثلاثية الفاطميين»، الصادرة عن دار نهضة مصر، قدمت الدكتورة ريم بسيونى ملحمة روائية عن مصر الفاطمية، عبر ثلاث حكايات «الصقلى»، و«الأرمنى»، و«الكردى»، بدأتها بدخول الفاطميين مصر، بعد انتهاء دولة الإخشيديين وانتهت الرواية بقيام الدولة الأيوبية.

202 عام عاش المصريون فيها تحت حكم الدولة الفاطمية، منذ فتحها عام 969م، بعد أن استعان المعز لدين الله بالقائد جوهر الصقلى الذى فتح مصر ثم دمشق وبنى القاهرة والأزهر، لتصبح مصر ملكًا لبنى عبيد يحكمونها، وعم المذهب الشيعى، وتغير الأذان، وازدهرت فى مصر صناعة الحلوى.

«لكل زمان دولة ورجال».. فى حكايتها الأولى «الصقلى»، كان المكان بطل الحكاية، القاهرة التى بناها القائد جوهر الصقلى، بعد أن دخل محاربًا لا ينهزم، والذى قال عنه الخليفة المعز: «والله لو خرج جوهر هذا وحده لفتح مصر، وليدخلن إلى مصر بالأردية من غير حرب، ولينزلن فى خرابات ابن طولون، ويبنى مدينة تسمى القاهرة تقهر الدنيا».

بلسان الحفيد جوهر بن الحسين بن جوهر الصقلى، حكت «بسيونى» عن الصقلى الجد، الذى حقق مجدًا لبنى عبيد، شيد الأسوار، واتخذ من القاهرة سكنًا، ثم مات فى بيته وهو لا يملك فرسًا، والأب القائد الحسين بن جوهر الذى عاش حذرًا من غضب الخليفة الفاطمى، يرتعد كلما هتف المصريون له، ودعوا باسمه دون الخليفة، كان حب العامة له نقمة، أهلكته، لكن «الحذر لا يدفع القدر»، فأمر الخليفة بذبحه، هرب أبناؤه خوفا فنالوا جزاء الأب، ما عدا جوهر، عاش، ودخل من أبواب القاهرة بعد عفو الخليفة عنه ليكون أميرًا من أمراء الجيش، يضرب بسيفه أهل الفسطاط، يحرقها بلا رحمة، طاعة للخليفة الحاكم بأمر الله، الذى حكم البلاد بالحسم والنار منعًا من حدوث المجاعة، استنشق أهل مصر الرماد ورائحة الموت، احترقت البيوت والدكاكين، والقلوب التى فى الصدور، انقسم الجيش الفاطمى بين «مسعود» و«جوهر»، وازداد القتلى بين الصفوف. هى أيام غدر لا تظهر فيها نوايا النفوس، تبدلت الأيام وازدادت المعاناة، لكن جوهر الحفيد قد اختار، خلع عباءة المحارب واختار صنعة تذوب فى الفم، وتبقى حتى ولو كان أثرها صغيرًا.

«أمير الجيوش السيد الآجل بدر الجمالى».. عانت مصر من الجفاف وانتشار الأوبئة، لا يوجد فيها سكر أو دقيق أو ماء، عم الخراب والدمار، ولم يقو الخليفة الفاطمى على التصرف، جرده وزيره ابن حمدان مما يملك، فبعث يطلب العون من الأرمنى بدر بن عبدالله الجمالى. كان مملوكًا، اشتراه جمال الدولة ابن عمار، رباه على الإسلام والجندية، فشب شجاعا حاسما، زار مصر وهو فى ال13 وتعلقت روحه بها. كان يحاوط بدر الجمالى الغدر والخيانة، لكنه عرف وأبصر وادعى الغفلة، قلبه لا يعرف الهزيمة، جاء إلى مصر، فوجد بها آثار حياة، عزم أن يقضى على الفتنة والفساد، وأن ينقذ أهلها من الخراب، ذبح مائتى أمير، وأهدى رؤوسهم للخليفة الفاطمى، حكم فعدل، أعمل السيف فى المفسدين، رسم لمصر خريطة جديدة، وفى سنتين نجح فى القضاء على المجاعة وعاد إليها التجار، وزاد رونق القاهرة من جديد.

حكم مصر 21 سنة، بنى الجمالية، وباب الفتوح وباب النصر وباب زويلة، ومسجد الجيوشى ومسجد العطارين فى الإسكندرية، وأعلى جبل المقطم بنى المشهد، يحكى انتصاراته.

«الحلوانى والكردى».. «ليعلم أهل مصر أن صلاح الدين لا يحكم على البشر من أجل مذهب أو عقيدة، ولكن الأيام تحتاج منا أن نتضافر ونجتمع على كلمة سواء. لله الأمر من قبل ومن بعد».. هى كلمات صلاح الدين الأيوبى بعد خطبة الجمعة بعد أن أصبحت الخطبة لخليفة واحد، الخليفة العباسى.

بين الزاهد والطامع ترسم ريم بسيونى شخصيات روايتها، وفى الحكاية الثالثة نهاية دولة وبداية أخرى، كانت مصر فى نهاية الدولة الفاطمية، وبداية الدولة الأيوبية، حارب صلاح الدين الأيوبى مع عمه أسد الدين شيركوه فى دمشق، ثم حارب فى مصر، كان زاهدًا فى الدنيا، ومتسامحًا مع المسيحيين واليهود، وطوال حربه فى مصر، لم يهدم أثرا أو مسجدا، بل عزز أسوار القاهرة ووسع حدود المدينة، ومات قبل أن ينتهى من بناء قلعته.

فى الحكايات الثلاث، تظهر أقوى النساء، يتحملن فى جلد ما لا يطاق، نموذج الزوجة والأم، «سندس»، «لمياء»، «فرون»، «رشيدة»، يعملن ويجاهدن، فالمرأة ليست بالضعيفة أو المسكينة، تؤمر فتطاع، بل هى السند، تشارك بالرأى والعمل، والألم فى أحيانًا كثيرة، تتذوق الطعنات، والضربات، ثم ما تلبث أن تقف وتبنى، وتحمى مسكنها ومدينتها وصناعتها.

أحفاد الحلوانى والصقلى شهدوا المعاناة مع أهل مصر، تركوا دكاكينهم وأمسكوا السيف حاربوا ثم انتصروا، وحافظوا على صناعة الحلوى.

فى حكاياتها، أشارت ريم بسيونى إلى حال المصريين وما تحملوه من تقلبات فى العصر الفاطمى، عن شجاعتهم، تقول، «ما بال المصريين يحاربون بسيوف من حجر تخترق وتفتك بجنود الخليفة اليوم بلا رحمة؟ أى جحود أن يعتدوا على الجنود؟ ويتطاولوا على الخليفة؟».

بقلم رشيق، مُتمكَّن، تكتب ريم بسيونى برؤية صوفية، ولغة سهلة لكنها عميقة الأثر، تصل إلى قلب القارئ، لا عقله فقط.

«هى حلوى تذوب فى الفم ولا تبقى.. كما الدنيا ولكن فى لحظات الجمال بعض السلوى عن القبح والطمع والألم».. فى أحداث الرواية وقائع تمتزج مع طعم الحلوى، والسكر والعسل، تقول: «هذه حلوى لا تصلح إلا بالمزج بين كل المقادير كما مصر، كلما أضفت إليها الغريب يمتزج فى دقيقها، ويعطى لحلواها طعمًا ولونًا بهيًا».

 ?? ?? غلاف الرواية
غلاف الرواية
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt