عذاب الأم وإنسانية نجم الكرة

النجاح والشهرة والمال.. واللعب لنادى ريال مدريد والمنتخب الألمانى لكرة القدم.. لم تنجح فى أن ينسى أنطونيو رودريجر حكايات والدته ليللى حن اضطرت للهرب من سيراليون والرحيل إلى ألمانيا.. شابة فقيرة من مدينة لونسار أجبرتها الحرب الأهلية فى سيراليون على البحث عن أى مكان آخر يسع أحلامها بالغة البساطة ولا تشعر فيه بالخوف.. وقادتها رحلة اغترابها إلى برلن حيث التقت بمواطن ألمانى اسمه ماتياس رودريجر.. ومع ماتياس لم تعد ليللى تخاف أو تبكى ولكن عاشت الحب والأمان وتزوجت وأنجبت أنطونيو الذى لم تتخيل يوما أنه سيصبح أحد نجوم العالم لكرة القدم وسيلعب لأحد أشهر أندية العالم وللمنتخب الألمانى أيضا.. وقرأت كثيرا عن هذه الأسرة دون أن أعرف لماذا كانت ليللى تحكى لأنطونيو عن معاناتها وسنوات المرارة والعذاب.. هل أرادت أن يعرف ابنها ما عاشته الأم قبل مجيئه إلى الدنيا، أم كانت تحاول أن يكبر ابنها دون أن ينسى أن فى الدنيا آخرين فقراء وخائفن منتهى أملهم وبطولتهم الحقيقية هى مجرد البقاء على قيد الحياة رغم كل شىء.. وبالفعل لم ينس أنطونيو ذلك.. وعلى الرغم من أنه ألمانى مولود فى برلن ولعب ونجح فى أندية شتوتجارت وروما وتشيلسى قبل ريال مدريد.. إلا أنه لم يكتف بنجاحاته والأموال الكثيرة التى جاءت بها موهبته الكروية.. إنما أصر أن يلتفت طول الوقت للفقراء فى سيراليون وأقام هناك مؤسسة خيرية لمساعدة الفقراء هناك سواء غذاء أو تعليم أو علاج.. وطيلة الأيام القليلة الماضية.. تتحدث صحافة أوروبا عن قرار أنطونيو بتخصيص أى مكافآت مالية سينالها فى كأس العالم المقبلة فى قطر لعلاج صغار سيراليون المولودين بأقدام ملتوية كعيب خلقى يمنعهم من المشى أو حتى الوقوف.. ويحتاج هؤلاء لجراحات يستطيعون بعدها المشى من جديد.. ومن الواضح أن نجم الكرة الذى استطاع بقدمه تحقيق كل أحلامه والنجاح والكثير من المال أصبح يؤلمه رؤية صغار يعجزون عن المشى ولعب الكرة.. وإذا كان توين فالولا ودانيال جان جاك حن قدما للعالم موسوعة ضخمة عن الثقافة والمجتمع فى القارة الإفريقية قد أكدا أنه لا شىء يجمع الناس فى سيراليون أقوى من كرة القدم.. فإن سيراليون الآن باتت تنتظر نتائج ألمانيا فى مونديال الدوحة، حيث كل انتصار لها سيعنى استعادة المزيد من الصغار أقدامهم وحياتهم.