Al Masry Al Youm

هل يصلح الممثل أن يكون رئيسًا؟

الأسئلة الحائرة الطائرة أكثر من أن تقع تحت حصر لكن المؤكد أنه من الحقائق التى يستحيل إنكارها والخلاف عليها.

- د. طارق عباس يكتب:

يعتبر الرئيس الأوكرانى «فاديمير زيلينسكى» نمطًا فريدًا من القادة، عاش الخيال والحقيقة معًا، مَثّل دور الرئيس فى مسلسل بعنوان «خادم الشعب» «سنة 2015»، ثم أصبح بالفعل رئيسا لأوكرانيا فى «مايو سنة 2019»، اشتُهِرَ بأدائه التمثيلى العبقرى وأدواره الكوميدية الساخرة المتميزة فى السينما والمسرح، ضحك عليه الناس مثلما أضحكهم، وبكى معهم مثلما أبكاهم، وكما فُتِحَت له قلوب الأوكرانيي­ن، لقدرته الفنية الفذة، قبل أن يتقلد منصب الرئيس، انفتحت له منصات الإعام وبرلمانات العالم بكل مستوياتها عندما طلب مؤازرتها ودعمها لمواجهة ما سماه «الغزو الروسى لأوكرانيا» بداية من 24« فبراير 2022».. وعلى هذه الخلفية المتناقضة، ثارت التساؤلات: هل أتقن الرجل دوره كرئيس فى الواقع مثلما نجح فى أدائه على الشاشات؟!.. وهل أصبح بالفعل - بسبب هذه الحرب - بطا شعبيا، أم أنه بهلوان مهرج متهور استطاع أن يحول بلده أوكرانيا من دولة لها وجودها ومشروعيتها إلى مسرحية تتفرج عليها الدنيا؟!.. هل الأفضلية عنده الآن هى ممارسة الحرب الإعامية أمام عدسات الكاميرات من أجل بَروزة نفسه أم الحرب العسكرية التى يدفع الأوكرانيو­ن وحدهم فاتورتها الكارثية؟!.

الأسئلة الحائرة الطائرة أكثر من أن تقع تحت حصر، لكن المؤكد أنه من الحقائق التى يستحيل إنكارها والخاف عليها أن خبرات الإنسان تمثل المدخل الأهم والأوحد نحو توليه المسؤوليات والمناصب الائقة به وبإمكاناته، ونجاح أى رئيس مرتبط فى الأساس بقدرته على الإدارة وفهم السياسات وممارستها بتميز، والرئيس الأوكرانى عندما ترشح لهذا المنصب فى سنة »2018« فقد استمد شعبيته من خلفيته السينمائية وإعجاب الناس به كممثل، هذا الإعجاب الذى جعله بعد إنتاج مسلسل خادم الشعب بثاث سنوات يؤسس حزبا سياسيا سماه «خادم الشعب.» والغريب أن كثيرين توقعوا له الفشل فى المهمة الجديدة.. والأكثر غرابة جاء من فوزه الساحق بنسبة «73%» على منافسه الرئيس السابق «بيترو بوريشنكو،» وكانت كلمته بمجرد فوزه بالمنصب هى: )لن أخذلكم أبدا(، لكنه - ولقلة خبرته - دون قصد منه، خذل شعبه نتيجة وقوعه فى أخطاء كبيرة وكثيرة، لعل أهمها:

أولًا، اختياره لمعاونيه انطاقا من خلفياتهم التمثيلية، حتى إنه عَيَّن أخلص أصدقائه مديرا لمكتبه، وهو المنتج السنيمائى «أندريا مارك»، ليستمد الأخير نفوذه من وحى العاقة الفنية المشتركة بينهما، وبذلك تُهَمش الخبرة السياسية لصالح أهل الثقة.

ثانيًا، لم يلتفت الرئيس الأوكرانى لما بينه وبين الروس من وحدة اللغة والتاريخ والجغرافيا، بل تقمص دور المدافع عن أوروبيته ابتغاء الالتحاق بحلف الناتو والحصول على عضوية الاتحاد الأوروبى، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما أفصح عن عداوته للروس الموجودين فى إقليم «دونباس»، وكان يقول لهم صراحة: )لا مكان لكم فى هذا الإقليم، وإذا كنتم تحرصون على حياتكم فارحلوا إلى بوتين كى يحميكم(.

ثالثًا، كان الرئيس الأوكرانى يدرك جيدا أن حل مشكلة «شبه جزيرة القرم»، التى احتلتها روسيا سنة 2014 لن يكون إلا بالحوار والدبلوماس­ية، ولكن وبسبب حرص الغرب على استثمار الرئيس «زيلينسكى» لإغراقه فى مستنقع المواجهة مع الروس، وهو يعلم جيدا أن خسائره بسببها ستكون كبيرة ومؤلمة، خاصة أن قوتهم تعادل عشرة أضعاف قوة الجيش الأوكرانى.. ومواصلة الروس هجماتهم الصاروخية على البنية التحتية الأوكرانية خير دليل على ما أزعم.

رابعًا، التصور الخاطئ لدى «زيلينسكى» بأن الانتصارات التى يحققها على الأرض مؤخرا هى بفعل بسالة جيشه وإصراره على المقاومة، وفى هذا محض افتراء، لأن غالبية هذا الجيش الآن من المرتزقة الأجانب، وساح الحرب هو ساح أمريكى وغربى، لذلك فإن قرار الحرب أو التفاوض مع الروس ليس من اختصاصه.

إن أخطاء الرئيس الاوكرانى أكثر من أن تُحصى، إلا أنها شاهدة على هذه الخلطة العجيبة بين ما هو تمثيلى وما هو واقعى، ووصول الرجل الذى لا يفهم فى السياسة لأعلى المناصب السياسية.. ليبقى السؤال الأبرز هنا: هل يصلح الممثل أن يكون رئيسًا؟!.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt