Al Masry Al Youm

تداعيات طارئة فى يوم عادى

- عزة كامل

صوت النهر، ولون السماء، هما المتعتان الساحرتان اللتان تجعلانى مفعمة بالهدوء والطمأنينة، السير على الشاطئ فى الصباح الباكر، على العشب المُندَّى، الذى يدغدغ أنامل القدم، يجعلنى أترك نفسى للغوص فى تأمل هادئ لخلق إيقاع خاص ليومى المزدحم.

الضوء ينساب ناعمًا وبرهافة من أشعة الشمس الوليدة، لا أعرف تحديدًا أى روعة تلك التى تحيطنى من كل جانب، كلاب الشارع تتجول حولى، بعضها تصاحبنى أثناء السير، أنظر إليها بعطف فتبادلنى الحب بهز ذيولها، أو بإصدار أصوات فرحة، ومنها مَن يرفع رأسه لأعلى كعلامة استفهام عما ستسفر عنه هذه الجولة، أشعر أن أصواتًا كثيرة تحاورنى، تجاهر بآرائها، تجعلنى أُبحر عميقًا داخل ذواتهم.

ها هى شخصيات قصصى تنبثق فى رأسى بقوة، وبشكل تدريجى وساخر، وتهبط معالمها وعالمها السردى واحدة إثر الأخرى، تتدافع الصور من الماضى القريب والبعيد والوسيط، وتتكثف المشاعر الممزوجة بانفعال واضح، وجَيَشان كبير، ثمة شخوص غامضة تمر أمامى سريعًا، ثم تنعطف فجأة فى منحى آخر، أهرول للحاق بهم، يتسارع نبضى بقوة، يتلاشون بطريقة أو بأخرى، أغمض عينىَّ لعله حلم يقظة، تنبثق أمامى شخوص مختبئة خلف أشجار الحديقة الموازية للممشى، أنظر بحذر إلى شرفات المبانى المقابلة، أرى وجوهًا مألوفة، وأخرى لا تفصح عن نواياها، وجوهًا شاخصة نحو النهر، تتنهد كمَن يفرغ طاقة سلبية، ويأمل أن ينعش هواء النهر مزاجه الرمادى، أو ينتظر قارب نجاة يعيد له ما سلبته منه الحياة.

خلف جدران المبانى، ألاحظ وجود غرف تحتوى على حكايات، لأشخاص كثيرين، الآن أصبح لدىَّ الفكر والحبكة والسرد، أستطيع أن أبنى شخوصًا وأصور أماكن واضحة، وأقفز على سلم الزمن بخفة، وأوظف الأحداث باقتدار، أجاهد لكى لا أكبح عواصف عقلى فى رسم الشخصيات، والإمساك بلحظات خاصة، لحظات مشحونة بالتوتر الشديد، والعلاقات المتذبذبة، التعبيرات العاطفية المشتتة، التوق والرغبة والشغف إلى معرفة الحدث، نعم الحدث وأثره على الشخصية، والخيال الذى يحلق فى الوهم، الذكريات المفعمة بالحنين، مسارات الأحداث الغرائبية، خريطة العلاقات البسيطة، وربما شديدة الاشتباك والتعقيد، تكسير السرد الخطى والبناء الهيكلى للحدث والزمن والحركة، الخيال الفاعل والبناء، كيف يمكننى شحذ طاقتى الحدسية والتخييلية، شريط سينمائى يمر أمامى بسرعة، نباح كلاب يوقظنى من غفوتى الطارئة، فأنظر إلى النهر وأتأمله، وألملم ما تبقى من روح قصصى المتناثرة هنا وهناك، والتماعات الذاكرة الخاطفة والتداعى الحر للأفكار، أودع أصحابى الكلاب، وأبدأ يومًا جديدًا بكل تأملاتى وأفكارى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt