Al Masry Al Youm

حصاد شرم الشيخ.. فى المناخ والسياسة والاقتصاد

- زياد بهاء الدين

بينما بدأت قمة شرم الشيخ للمناخ وسط اهتمام دولى هائل وحضور إعلامى غير مسبوق، انعقدت جلساتها الختامية وأنظار العالم متجهة نحو مباريات كأس العالم التى انطلقت ومفاوضو المناخ يضعون الرتوش الأخيرة على البيان الختامى للقمة. مع ذلك، فإن خفوت التغطية الإعلامية لا ينتقص من أهمية ما جرى فى شرم الشيخ. وإليكم ما أعتبره حصادها النهائى:

من ناحية التنظيم، فقد كان ناجحًا للغاية، خاصة مع ضخامة الحدث والعدد الهائل للمشاركين، وذلك من حيث نظافة المدينة، واستعدادات­ها، وانتظام السفر، وكفاءة الأمن، وجودة قاعات المؤتمر. بالتأكيد كانت هناك بعض السلبيات - على رأسها ارتفاع أسعار الأكل والشرب والإقامة - ولكن الحساب الختامى لتنظيم المؤتمر جاء بلا شك فى صالح مصر والسياحة المصرية.

ومن ناحية المضمون والمفاوضات الرسمية، فإن القمة اصطدمت بعزوف الدول الكبرى عن التضحية بموارد وتبرعات أو الالتزام بمستهدفات مناخية صارمة، بينما العالم فى قلب أزمة اقتصادية خطيرة بسبب الحرب الأوكرانية.. بل بدا أن القمة سوف تنتهى بلا إضافة تذكر، لولا الجهود الدبلوماسي­ة المحمومة فى الأيام والساعات الأخيرة التى أسفرت عن قبول مبدأ تعويض الدول المتضررة من تدهور المناخ العالمى، وإنشاء صندوق لهذا الغرض تموله الدول التى تسببت فى الأضرار المناخية الكبرى. ومع أن تفاصيل وضوابط الصندوق لن تكتمل إلا فى مؤتمر المناخ القادم، فإن تمرير المبدأ يُحسب لمصر وللدبلوماس­ية المصرية ولمنظمى القمة.

نأتى بعد ذلك للفعاليات المرتبطة بالقطاع الخاص، والتى مثلت جانبًا كبيرًا من المناسبة. ولا أظن أن مصر شهدت من قبل مثل هذا الحشد والمستوى الرفيع من الصناعات والشركات والبنوك والمستثمري­ن.. والعائد من ذلك ليس فقط ما نقله الإعلام عن الصفقات التى تم إبرامها، فهذا مؤشر غير دقيق، لأن بعضها لا يزال مذكرات تفاهم مبدئية وغير ملزمة. الأهم أن ملتقى شرم الشيخ أتاح الفرصة للتواصل والتعرف وإقامة الجسور بين أكبر الشركات والمؤسسات الدولية وبين مؤسساتنا الوطنية والمستثمري­ن والخبراء المصريين، وهذه قنوات مهمة، ونتائجها لا تتحقق فورا ولكن تأتى بعوائد كبيرة لاحقا.

وأما بشأن الحضور الأهلى والعلمى والثقافى، فأظن أنه كان جيدا، وقد شارك فيه العديد من الجمعيات الأهلية والجامعات والمراكز البحثية والأنشطة الشبابية والفنية. ولكن أخشى أن الاهتمام الإعلامى المصرى به كان محدودا، لأن التركيز كان على أنشطة الوزراء والمسؤولين، فلم يأخذ حظه الكافى من المتابعة والتقدير.

وأخيرًا، يتبقى الجانب السياسى من القمة، والذى تركز فى الأيام الأولى حول ملف حقوق الإنسان فى مصر. ورغم أن هذا الأمر أثار تحفُّظ الدولة وغضب قطاع كبير من الرأى العام المصرى الرافض التدخل الأجنبى فى شؤون البلد، إلا أن ما نتذكره أن الاحتجاج على سياسات الدول حيال القضايا الحقوقية والمناخية صار جانبًا معروفًا ومستقرًا من المؤتمرات الدولية التى بها حضور شعبى وأهلى، وعلى من يستضيف مؤتمرا دوليا أن يقبل بذلك ويستعد له دون اعتباره إساءة أو إهانة للبلد، بل لعله ركن من أركان نجاح مؤتمر دولى. الأهم من ذلك أن احترام القانون وحقوق الإنسان مطلب مصرى وطنى أصيل يسبق مطالبة رؤساء الدول الأجنبية الزائرين لبضعة أيام أو ساعات فقط، وأن حوارا وطنيا مصريا داخليا يدور منذ شهور حول هذا الموضوع، وأن برنامجا للإفراج عن المسجونين السياسيين كان بادئا بالفعل قبل انعقاد قمة شرم الشيخ. فدعونا لا نربط المطالب الحقوقية الوطنية المصرية بالتدخل الأجنبى، ولا نعطل تقدم الإصلاح السياسى ومبادرة الإفراج عن المسجونين السياسيين بسبب الاهتمام الإعلامى الدولى الذى صاحب القمة. هذه قضية داخلية، وأى انفراج فيها هو من أجل مصر، لا من أجل الدول والمنظمات الدولية.

هذا تقييمى المختصر لقمة شرم الشيخ التى أعتبرها ناجحة بجدارة من الوجهة المصرية، بسبب تضافر جهود كل الأطراف المعنية.. الحكومة التى شاركت بفاعلية وقدمت مساهمات وبرامج ومبادرات فى كل المحاور، والقطاع الخاص الذى حضر بقوة وبحماس، والمجتمع المدنى الذى ساهم رغم قلة الموارد، والأجهزة الأمنية التى حفظت الهدوء والانضباط والسلامة للجميع.. ولكنه نجاح مشروط بما يأتى بعد ذلك: الدعاية للبلد لن تأتى بنتيجة إلا إذا لحقتها برامج تستهدف النهوض بالسياحة المصرية. والاستفادة من التواجد المتميز للمستثمرين لن تتحقق لو لم نمضِ فى مسار الإصلاح الاقتصادى وتحسين مناخ الاستثمار. والتأكيد على رفض التدخل الأجنبى فى شؤوننا الداخلية يحتاج أن نمضى قُدما بإرادتنا الحرة فى مسار الإصلاح السياسى، تحقيقًا لتطلعات شعبنا وشبابنا الوطنيين لا المطالب الأجنبية.

نعم، نجح المؤتمر.. ولكن الاستفادة الأكبر منه تحتاج متابعة ومزيدًا من العمل والبناء على ما تحقق فى قمة شرم الشيخ.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt