Al Masry Al Youm

تجربتى مع الحوار الوطنى

- تتمة مقال الأولى

بالنسبة لثمار الحوار، فهذه يمكن إجمالها تحت عنوانين رئيسيين. العنوان الأول هو أن فرقاء الأمس جلسوا على طاولة واحدة لمناقشة هموم الوطن والمواطن. ومن المدهش أن المواقف الأولية لهذه الأطراف كانت شديدة الاختلاف فى البداية، لكنها سرعان ما توافقت بعد نقاش موضوعى مطول، وهذا يعكس حرص الجميع على العبور الاقتصادى الآمن من الأزمة التى كانت تمر بها البلاد فى تلك الآونة. العنوان الثانى مرتبط بمضمون ما تم التوافق عليه من إصلاحات. محاولة تلخيص هذه التوصيات ليست بالأمر الهين، واقتراحى للقارئ المهتم بالتفاصيل الرجوع للتوصيات التى تم رفعها لمجلس أمناء الحوار المنشورة على صفحتى على الفيسبوك. ما أود ذكره هنا أن المتحاورين أجمعوا على أهمية تبنى برنامج إصلاح اقتصادى وطنى جديد، أهم سماته الاعتماد على التنمية بالسياسات وليس بالمشروعات، والتوجه نحو التصدير وليس الإحلال محل الواردات، وإعادة النظر فى أولويات الاستثمار العام ودور الدولة فى الاقتصاد، ووضع سقف على الدين العام، والاهتمام بتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وعدم الاكتفاء بالحماية الاجتماعية. كما كان هناك إجماع على أهمية الإصلاح المؤسسى لتمكين صناع القرار من الاستفادة من التراكم المعرفى، وبشكل أكثر تحديدا تم اقتراح إنشاء مجلس استشارى اقتصادى قومى تابع لمؤسسة الرئاسة بقانون، على غرار المجلس الرئاسى الأمريكى. ثالثا، كان هناك إجماع على أهمية الإعلان عن البرنامج الإصلاحى الجديد، والالتزام بتطبيقه، لاكتساب مصداقية لدى المتعاملين مع الاقتصاد المصرى.

بالنسبة للسؤال الأخير، هل يعنى نجاح الحوار، إذا تم اعتباره كذلك، عدم الحاجة لإصلاح مؤسسى يرتقى لشعار تأسيس جمهورية جديدة؟، الإجابة قطعا لا. تقدم المجتمع المصرى، مثل غيره من المجتمعات، مرهون بوجود برلمان يعكس تكوينه بحق توجهات ومصالح القوى المختلفة فى المجتمع، وفصل بين السلطات لضمان كفاءتها وفاعليتها، وإعلام يطرح الرأى والرأى الآخر، ومنظومة حكم محلى تدين بولائها للمواطن. هذه الموضوعات كانت محل نقاش فى المحور السياسى، وإلى أن يحدث تقدم ملموس فيها، قد يكون استمرار الحوار الوطنى حلا مقبولا مرحليا. أما بالنسبة لشكل الحوار فى المرحلة القادمة، فهذا يتطلب حوارا، على الأقل فى الشق الاقتصادى منه.

فى الختام، لم يكن الحوار نزهة خلوية تسير فيها الأمور بسلاسة ويسر. على العكس، كانت الرحلة طويلة ومضنية، ولم تخل من بعض العراقيل والمطبات. ما ساعد على التغلب على الكثير منها كانت المساندة السياسية من جانب، ورغبة الجميع فى التوصل إلى توافق وطنى من جانب آخر. استمرار الحوار الوطنى، كما أعلن السيد الرئيس مؤخرا فى أكثر من مناسبة، أمر مرغوب فيه، ولكنه ليس بديلا لمأسسة الحوار بشكل يتسق مع جلال شعار الجمهورية الجديدة.

د. أحمد جلال

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt