Al Masry Al Youm

بين أكسفورد والأزهر وأساسيات الحداثة

- يعتذر الكاتب د. محمود العلايلى عن عدم كتابة مقاله ويواصل لاحقا د. عمرو الزنط يكتب:

كانت هناك مقولة للفنان آندى ورهول، الذى تألق فى نيويورك الستينيات، بأن فى عصر انتشار الإعام المكثف سيأخذ كل شخص نصيبه من ١5« دقيقة شهرة..» لم يعش «ورهول» لكى يعرف عصر التواصل الاجتماعى، لكن ربما لو كان معنا كان سياحظ أن لكل «ترند» ١5 ساعة من الشيوع.

قصتان لاحظت أنهما أخذتا حقهما وأكثر من الشيوع خال الأسبوع الماضى.. الأولى تتعلق بصور انتشرت لجامعة جديدة تم بناؤها، وملتصق بها تعليق من أحد الأشخاص يشير إلى أن المبانى الحديثة المشيدة ليست فى أكسفورد إنما فى أسيوط.. شير الكثيرون هذا المنشور مع التهريج المصرى المعتاد؛ البعض قال إنها ربما تشبه هارفارد وليس أكسفورد، والبعض الآخر قال: «غريبة، مع إن المبانى بتدى على أكسفورد فعاً .»

لكن لم ياحظ أحد )من الذين تابعتهم على الأقل( أن لدينا فعاً جامعة كانت مؤهلة لأن تتأسس على أساسها أكسفورد مصرية.. وهى جامعة الأزهر، التى تعتبر أقدم من أكسفورد أو كامبريدج أو السوربون، وكما فى هذه الحالات بدأت كمكان للفكر الدينى؛ للفقه وعلوم الكام. وما يسمى عامة بالثيولوجي­ا فى الغرب. لكن على عكس زمياتها العريقات لم تتطور كثيرًا، فكريًّا أو علميًّا أو حتى- بل بالذاتثيول­وجيًّا.. وفى ذلك دلالات مركزية.

أكسفورد وكامبريدج يطلق عليهما مدن الأبراج الحالمة، نظرًا لأبراج الأجراس التى تقترن بالكنائس التاريخية المنتشرة فيهما. كان يمكن أن تتطور المنطقة المحيطة بجامع الأزهر بطريقة مشابهة )أو كالحى الاتينى المحيط بالسوربون(، فتكون مدينة للمآذن الحالمة، فى سياق فكرى وثقافى مثمر وثرى. لكنه لم يحدث، والنتيجة مجسدة على الأرض فى «زنقة العشوائية»؛ وهى سمة قلب مدينة الألف مئذنة حاليًّا، وتعكس الركود الفكرى عبر القرون، ومسخ الثقافة النفعية البحتة التى دعمتها نزعات الأصولية الدينية خال النصف القرن الأخير وأكثر.

أبراج كنائس كامبريدج احتضنت نيوتن والثورة العلمية. التى غيرت من تصور الإنسان الغربى للعالم الطبيعى، وأطلقت طفرات إبداعية فى شتى المجالات الفكرية والثقافية والفنية، وأثرت بعمق على طرق تنظيم العالم الاجتماعى والنظام السياسى كذلك )الفيلسوف جون لوك مثاً، الذى يمكن اعتباره أبًا روحيًا فكريًا للدستور الأمريكى، كان صديقًا مقربًا لنيوتن(.. بالمقارنة، فحتى عندما بدأ الازهر

فى التوسع الملحوظ فى مجال العلوم الدنيوية كان ذلك فى إطار انحدار فكرى عام؛ ممثل فى عدم اهتمام بأساسيات المعرفة والفكر، فى صالح تخيل أنه يمكن القفز مباشرة الى التطبيقات.. بل كان نقد محدودية هذا المنطلق هو التعليق الوحيد لطه حسين على الميثاق الوطنى )١٩62(، الذى أشار إلى ضرورة سحب الدعم للعلوم الإنسانية والطبيعية التى ليس لها تطبيقات مباشرة.. وكان أيضًا فى أساس سجال طه حسين مع سيد قطب، الذى اعتقد كذلك أنه يمكن، ويجب، الاستفادة فقط من النتائج العملية مع نبذ الإطار الفكرى الحداثى المؤسس لها )انظر مثاً «الفقر الثقافى كأساس للتطرف»، -07-٨ ،20١7 و«معالم قطب وعالم العلم»، .)2022-١0-2٩

وهكذا نصل إلى «الترند» الثانى الذى لفت نظرى خال الأسبوع الماضى. وتعلق بلقاء مركز «تكوين» العقل العربى، والذى أقيم بمناسبة ذكرى مرور نصف قرن على رحيل عميد الأدب العربى )وكان عميدًا فعاً، ولكلية الآداب بالمناسبة(.. رغم عدم تحمسى بالضرورة لبعض من يدير مشروع التكوين. ورغم أنى لم أسمع عنه قبل ال«١5 ساعة شهرة» التى أخذها «هاشتاج الغلق»، إلا أنى صُدمت فعاً من قدر رواجه، حتى بين من قابلتهم ك«أصدقاء» على فيسبوك، واعتقدت من ثم أن لديهم نوعًا من التواصل مع العالم الفكرى الذى أسكنه، لكن اتضح أنهم عندهم اتساع رؤية وفكر وتصور ذهنى للعالم يجعل أفق الوطاويط شاسعًا فعاً بالمقارنة.. فكتبت راجيًا: «لأنى لا أحترم مثل هذه الرؤية، فأى شخص يريد غلق منتدى فكرى، أيًّا من كان، لمجرد أن الآراء أو الأشخاص ليسوا على مزاجه، دون أن تكون هناك أى أدلة على أن هؤلاء يريدون فرض آرائهم بالإكراه عليه، كما يريد هو أن يفعل، فيمكن أن يحذفنى من قائمة الصداقة.. لأنى تعبت بصراحة وضيعت وقتًا فى الحذف اليوم.. ومش عايز أشوف الحاجات دى، لأنى أعتبرها يائسة، بل محزنة أيضًا».

وقد فعل البعض مشكورًا.. أما النقطة الأساسية هنا فهى أنه لا يمكن الفصل بين تطور أكسفورد وكامبريدج وبين الأزهر، وأيضًا الوضع المعمارى والاجتماعى «المختلف» حولها، من أثر ثقافة الوطاويط، المحبوسة فى كهف قاتم وكئيب، المسيطرة عندنا.. والتى لا يمكن فصلها كذلك عن «اختاف» مؤشرات التنمية عندنا عنه فى باد تحتضن جامعات مثل أكسفورد وكامبريدج وهارفارد وما شابه.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt