رحلة االقتصاد اإليرانى غير المكتملة
يعكس النجاح الساحق للرئيس اإليراني، حسن روحانى، نهج االستمرارية والتغير املألوف حتى اآلن، والـذى ميز مغظم االنتخابات اإليرانية خالل العقدين املاضين.
وأول عالمات هذا النهج، هى أن النتائج حتدت معظم التوقعات، وثانيها اإلقبال العالى للناخبن والذى بلغ .%73
وثالث تلك السمات ورمبا األكثر وضوحا هى اخللفية التى حدثت عليها االنتخابات، عندما كانت إيران تقف على مفترق طرق، وظهور مرشح إصالحى ذى شعبية يعد بإنهاء عزلة إيـران الدولية، وخصمه املحافظ الـذى يدافع عن السياسة احلمائية إليران واعتمادها على نفسها ويتعهد مبنح مساعدات للشعب.
ومــع ذلـــك، هـنـاك مـجـال آخــر مهم ميز االنتخابات اآلخيرة، وهو االقتصاد، فقد ورث روحانى اقتصادا يعانى من الركود، ورغم إيرادات البترول غير املسبوقة، انكمش الناجت املحلى اإلجمالى بنسبة 7% فى ،2012 وارتفع معدل التضخم السنوى فوق ،%40 بعد اقتراب عملة إيران من االنهيار، وعندما هبطت أسعار البترول بحدة بنسبة %70 فى ،2014 بدا الوضع أكثر قتامة.
ومع ذلك، عمل روحانى جاهدا لكى يحرر اقتصاد إيران من قيود العقوبات الدولية، وفى عام ،2015 أبرم اتفاقا مع ست دول ـ الصن، وفرنسا، وأملانيا، وروسيا، وبريطانيا، والواليات املتحدة ـ بجانب االحتاد األوروبى لوقف برنامج إيران النووى مقابل تخفيف العقوبات.
ورغــم تخفيف العقوبات واصــل االقـتـصـاد اإليـرانـى املــعــانــاة، ورغـــم بعض الـــتـــقـــدم مــنــذ دخـــول االتفاقية حيز التنفيذ فـــى ،2016 ال يـــزال املـسـتـثـمـريـن األجـنـب حــــــــذريــــــــن، بـــســـبـــب الـــعـــقـــوبـــات األمــريــكــيــة غير النووية التى ال تزال عالقة والقيود على املعامالت املصرفية.
وليس من السهل السعى وراء استقرار على مستوى االقتصاد الكلى وحتقيق منو اقتصادى فى نفس الوقت، وتزداد حدة املشكلة عند إعطاء االستقرار األولوية بسبب األلم االقتصادى واالضطرابات االجتماعية التى قد تنشأ نتيجة لذلك، وفى بعض األحيان كان يصاحب عملية بث االستقرار، قمعا سياسيا متهورا.
وقـد يبدو استمرار الدعم الشعبى حلكومة روحانى مثيرا للدهشة، بالنظر إلى أنها سعت لتحقيق االستقرار االقتصادى بدال من النمو، ورمبا يعد ذلك جزئياً ردة فعل للمغاالة فى التأكيد على سيطرة الدولة فى عهد سلف روحانى، محمود أحمدى جناد.
كما يعكس استمرار دعم روحانى الثقة فى إمكانيات فريقه االقتصادي، واألهم من ذلك أنه يؤكد أمله فى أن «أرباح السالم» من االتفاق النووى سوف تكون كافية لتغزيز الطلب املحلى املتعثر وتخفيف أثار التشديد املالى.
ورغم بطء وتيرة التقدم، فإن اجنـازات روحانى كانت كبيرة، حيث تراجع التضخم فى إيران إلى أرقام أحادية اخلانة عند حوالى %9 سنوياً، ووصل النمو إلى ما بن 5 .%6و
وبالتأكيد، ال يزال النمو متفاوتا وغير مستقر، ويعكس على األغلب النمو فى إنتاج البترول الذى عاد إلى مستوياته قبل العقوبات عند حوالى 4 مالين برميل يوميا، ومكن النمو غير املتوازن لالقتصاد منافسى روحانى املحافظن من حتويل االنتخابات إلى نوع من االستفتاء على سجله االقتصادى، ولكن مدى انتصار روحانى يشير إلــى أن الـشـعـب، رغم قلقه الشديد من وضع االقتصاد، ال يزال لديه أمل فى نهجه.
وإذا كان لروحانى أن يواصل إحراز التقدم، سوف يحتاج أن ينظر إلى ما وراء األحوال احلالية ملعاجلة التحديات الهيكلية املترسخة التى تواجه االقتصاد اإليرانى، وكذلك التعامل مـع احلــــدود، الـتـى تفرضها األطـــر املؤسسية والقضائية والقانونية فى اجلمهورية اإلسالمية.
وأولـــى هــذه الـتـحـديـات الهيكلية يكمن فـى اعتماد إيران املفرط على قطاع البترول، ورغم التراجع مؤخرا فـى دخــل الـبـتـرول، فــإن الـقـطـاع ال يـــزال يشكل %70
من إجمالى الـصـادرات، وإذا كانت الدولة لتحقق منوا اقتصاديا مستداما وواسعا وشموليا، فإن تنويع االقتصاد ضرورة حتمية. ويتمثل التحدى الهيكلى الثانى فى التوزيع السكاني، فالعدد الكبير من السكان الشباب ميكن أن يكون محركا قويا للنمو، ولكن الستغالل هذه اإلمكانية، هناك حاجة ملحة خللق الوظائف، وتقليل البطالة بن الشباب التى وصلت إلى %29.4 فى ،2014 عندما كان إجمالى البطالة .%12.8
ولكن ما يحدد اجلمهورية اإلسالمية باألخير هو بنيتها املؤسسية الفريدة، وتشكل الدولة اإليرانية النظام الدينى الوحيد فى العالم، مما يتطلب التوفيق بن مطالب اقتصاد سريع التغير فى القرن احلادى والعشرين والقيم التقليدية للقادة الروحين ورجال الدين املسنن.
وبالنظر إلى حتديات حتديث االقتصاد وسط معالم الدولة الدينية، فإن عملية اإلصـالح الهيكلى واالندماج العاملى سوف تكون على األرجح عملية طويلة.
ودعا محمد خامتى، الرئيس األسبق واملؤيد لروحانى، الناخبن لدعم برنامج الرئيس باعتباره رحلة لم تكتمل بـعـد، وبالنظر إلــى النصر املـــدوى لـروحـانـى، يـبـدو أن اإليرانين راغبون فى إعطائه فرصة ملحاولة إنهاء ما بدأه.