Al Borsa

تغير نمط استهالك المواطنين

- خبير االقتصاد والتمويل وإدارة املخاطر mnafel@gmail.com بقلم: د. مدحت نافع

أكثر من نصف المجتمع المصرى قد غير من نمط استهالكه نتيجة تضخم األسعار النسبة األكبر من دخول غالبية المصريين تذهب إلى إشباع حاجات أساسية

أجــرت مؤسسة «جسر» ألبحاث املسوح استطالعاً مهماً آلراء املواطنني حول عدد من القضايا، كـان أبرزها وأكثرها اتصاالً مبوضوع الساعة هو: تغّير منط استهالك املواطنني على خلفية االرتفاعات املتتالية فى أسعار السلع واخلدمات، منذ قـرار حترير سعر الصرف نوفمبر املاضى. وقد أسفر االستطالع عن النتائج التالية:

■ %57 من املبحوثني قاموا باالمتناع عن شـراء أو تخفيض شـراء بعض السلع وكان على رأس تلك السلع اللحوم.

■ %48 قـامـوا بتخفيض استخدامهم لألجهزة الكهربائية مثل التكييف والتليفزيو­ن وغيرها من أدوات منزلية.

■ %58 ممن اعتادوا شراء سلع مستوردة عمدوا إلى استبدالها بسلع محلية الصنع.

■ %43 ممن لديهم سيارة قد خّفضوا من استهالكهم لها.

■ %23 يقومون باتباع سلوكيات أخرى ملواجهة تضخم األسعار كان أبرزها التكيف مـع األوضـــاع اجلــديــد­ة وترشيد النفقات، مـن ذلــك االعـتـمـا­د على الـــذات فـى تدبير احتياجات كان يتم شراؤها فى السابق (مثل تفصيل وحياكة املالبس- إصـالح األعطال بالسباكة وأعمال النجارة األساسية باملنزل).

وتتبع مؤسسة جسر منهجية إحصائية فى املعاينة والتحليل اإلحصائى مت وضعها من ِقبل نخبة من اخلبراء املصريني فى املجال، ويـتـم حتـديـد حجم العينة وفـقـاً للمعايير العلمية، حيث يتراوح فى املتوسط ما بني

2000-1000 مفردة. النتائج السابقة لها العديد من الدالالت املهمة، فهى تشف أوالً عـن كـون أكثر من نصف املجتمع املـصـرى قـد غّير مـن منط استهالكه نتيجة تضخم األسعار، وهى تؤكد على مرونة املستهلك املصرى فى التعامل مع الظروف الصعبة، وبطالن اّدعـاء بعض مـقـّدمـى الــبــرام­ــج احلـــواري­ـــة بـــأن املـواطـن املصرى مّتهم فى كل نازلة اقتصادية نزلت بالبالد! فى محاولة إلبـراء ذمم من خّربوا االقتصاد على مدار عقود، ومن انتفعوا بهذا التخريب وأثــروا وصــاروا جنوماً اقتصادية وإعالمية أيضاً.

التحّول فى منط االستهالك قد أصاب بنسبة غالبة اللحوم والفواكه واخلضراوات (الــلــحــ­وم احلـــمـــ­راء %51 الــفــواك­ــه %19 الدواجن %15 أسماك %14 وخضراوات

)%14 وهو ما يدل على أن النسبة األكبر من دخول غالبية املصريني تذهب إلى إشباع حاجات أساسية، دليل على انتشار الفقر، وأن اللحوم مازالت تعامل معاملة السلع الكمالية الـتـى تتمتع مبـرونـة مرتفعة جتــاه تقلبات الـدخـل، هــذا التغّير فـى منـط االستهالك بالتأكيد سيكون لـه مـــردوده السلبى على الصحة العامة للمواطنني، وعـلـى تراجع نصيب البروتينات والفيتامين­ات كموكنات غذائية مت تخفيضها بشكل كبير جّراء ارتفاع األسعار وتراجع الدخل احلقيقى.

كذلك هناك فرق بني ترشيد االستهالك وتخفيضه، ألن الـتـرشـيـ­د يـفـتـرض بـدايـة أن هـنـاك إســرافــاً فـى االسـتـهـا­لك، بينما التخفيض والتقّشف ستكون له آثــاره على الصحة العامة وعلى النشاط االقتصادى ورمبا أدى إلى انتشار حالة من الركود فى األسواق، وتسبب فى فقد العديد من العّمال وأصحاب احلرف لوظائفهم على أثر اعتماد املواطنني بشكل أكبر على إشباع حاجاتهم بإمكانات ذاتية.

هذا بالتأكيد ال يدفع عن جميع املستهلكني تهمة السرف واملبالغة فى االستهالك، لكن النظرة العلمية املنصفة يجب أن تـدرس جميع الفروض واالحتماال­ت، وهناك احتمال كبير أن تراجع مستويات االستهالك لسلع وخدمات هامة وضرورية حلياة املواطنني مثل األطعمة والكهرباء، قد حدث بشكل كبير بني طبقات معدمة وأخرى جتنى رزقها بصعوبة، وهو ما يؤكده املنطق من تأثر الطبقات الدنيا واملتوسطة بارتفاع األسعار أكثر من الطبقات العليا التى عـادة ال يتغّير منط استهالكها بسبب زيادة األسعار، ألن اجلانب املستهلك من دخله أقل كثيراً من املّدخر.

أيـضـاً هناك تـداعـيـات مهمة الستبدال املستورد باملحلى، خاصة إذا غابت معايير اجلــــودة والــرقــا­بــة عـلـى اإلنــتــا­ج والـتـوزيـ­ع وضاعت حقوق املستهلك بني األجهزة غير املفّعلة رقابياً، ألن املنتج املحلى فى هذه احلــالــة ســـوف يفعل باملستهلك مــا يشاء ويستفيد من زيادة حجم الطلب عن املعروض املعتاد لرفع األسعار مبا يفوق أحياناً قيمة املستورد.

كذلك ال يعد استبداالً للمستورد باملحلى إذا كانت غالبية مكونات هذا املسّمى محلى الصنع مستوردة من اخلــارج، علينا إذن أن ننتبه إلــى التفاصيل وأال نطلق أحكاماً بخصوص العائد اإليجابى لقرار التعومي، وما إذا كانت آثاره على ميزان التجارة جيدة من عدمه، وقد بّينت فى أحد مقاالتى حيلة خداع الفواتير، والتى نتج عنها ارتفاع قيمة الــصــادر­ات دون زيـــادة فـى حجمها نتيجة ارتفاع أسعار املنتج املحلى مقّوماً بالدوالر بعد التعومي وليس العكس.

من نتائج استطالع الرأى أيضاً تبرز أهمية املواصالت العامة، فنحو %69 من املبحوثني ال ميتلكون سيارة، وهم يعتمدون على بدائل مختلفة أصبح املستهلك فيها أيضاً رهناً لكل تقلبات أسعار الوقود بصورة شبه يومية! هذا ينعكس بصورة كبيرة على أسعار النقل والتخزين وعلى يومية العامل، كل عناصر اإلنتاج تصبح شديدة التقلّب وتعجز الدولة عن توفير بدائل للنقل العام أكثر استقراراً وصيانة آلدمية الرّكاب.

لـو استمرت مـعـدالت التضخم السنوية احلالية فإنها سوف تلتهم الدخل احلقيقى للمواطن كامًال فى أقل من 3 سنوات، وسوف تتحّول معاناة املواطن إلى ما هو أكثر من التضحية بنمط حياته ونوعية غذائه، ورمبا شــهــدت طـبـقـات املجتمع حتـــوالت عنيفة وجـذريـة تهدد االستقرار املجتمعى وتنذر بأسوأ العواقب.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt