الدوالر يلعب من جديد
منذ قرار تعومي اجلنيه املصرى فى نوفمبر
2016 شهد سوق الصرف تقلبات حادة للغاية، خاصة فيما يتعلق بالدوالر األمريكى، وبالطبع أثر ذلك بالسلب على نسب التضخم، مما ارتبط مفصلياً مبستوى املعيشة الذى انخفض بدرجة غير مسبوقة فى تاريخ مصر احلديث.
ومــن هنا يبدو منطقياً أن هبوط الــدوالر إلى مستويات بدأت تقترب من 17.50 جم دفع الكثيرين إلـى االعتقاد أو على األقــل جعلهم يأملون أن هذا االجتاه قد يستمر أو أن يثبت سعر الورقة اخلضراء عند مستوياتها احلالية على أضعف اإلميــان، إال أن ذلك فى تقديرى الشخصى اخلاضع للصواب أو اخلطأ، ليس له ما يبرره واقعياً رغم تأييده من بعض محللى أسواق املال الدولية واإلقليمية الذين يتوقعون استمرار مسار الـدوالر ألسفل حتى يصل إلى حوالى 17.30 جم مع نهاية 2017 ثم 16.95 بحلول منتصف .2018
على أنه توجد أيضاً مجموعة من اخلبراء العامليني الـذيـن ينصحون بشدة ببيع اجلنيه املصرى، أى شراء الدوالر فى املرحلة الراهنة لتدنى سعر األخير ثم شــراء اجلنيه، أى بيع الدوالر بعدما يرتفع سعره على املدى املتوسط وهى استراتيجية معروفة للمضاربة على العملة وتعبر عن أن هناك تصوراً قوياً لهبوط العملة املحلية وصعود مقابلها األجنبى.
وأنا شخصياً فى احلقيقة أميل للطرح الثانى لألسباب التالية:
1 - جزء مهم من صعود اجلنيه املصرى حالياً هو االرتفاع اجلنونى لسعر الفائدة عليه، والذى أوصله البنك املركزى ملالمسة حاجز %20 وهو ما يحول دون بناء مراكز شرائية جديدة بالدوالر (ذو الفائدة البسيطة نسبياً حيث يبلغ حدها األقصى حالياً %5.75 على بعض أنواع الودائع) ومن ثم يتراجع الطلب عليه وينخفض سعره، إال أن اإلبقاء على أسعار الفائدة الفلكية هذه ملدة طويلة شبه مستحيل حيث قد ترفع الدين العام بدرجة ستُدخلنا حتماً منطقة اخلطر، ومبجرد اخلفض احلتمى الفائدة سيزداد الضغط على السيولة الـدوالريـة املـحـدودة أصــًال وسيرتفع سعر العملة األمريكية وقتها تلقائياً.
2 - انخفاض الــواردات فى األشهر األربعة األولى من 2017 بنسبة %30 تقريباً لم تُشكل اإلجــــراءات التى اتخذتها احلكومة لتقليص االستيراد سوى جزء صغير منه، بل يرجع فى أغلبه إلـى زيـــادة التكلفة بسبب ارتـفـاع سعر الدوالر، ما تسبب فى غالء الكثير من املُنتجات األجنبية وجعلتها غير قابلة للتسويق، خاصة فى ظل ضعف القوة الشرائية.
وهبوط الدوالر حالياً باإلضافة إلى تخفيض الــــدوالر اجلـمـركـى إلــى 16.00 جـم سيشجع مستوردى السلع أو خامات اإلنتاج على العودة إلى االستيراد مرة أخرى وهو ما سيزيد منطقياً من الطلب على الدوالر ويؤدى إلى زيادة سعره.
3- نسبة كبيرة من معروض النقد األجنبى احلالى أتى من طروحات السندات الدوالرية فى أسواق املال العاملية، أى أنها أصًال أموال ُمقترضة واجــبــة الــســداد بـفـوائـدهـا بآجال مختلفة أو «أموال ساخنة» ،)Hot Money( كما يسمونها خبراء االقتصاد، ومثل هذه النقود فقط تعالج نقص السيولة األجنبية لفترة قصيرة إلـى أن يحني موعد ســداد فوائدها وسـتـكـون حينئٍذ احلـكـومـة هــى نفسها من سيضغط على الدوالر للوفاء بالتزاماتها وترفع بالتالى من سعره ألنه من غير املُتوقع أيضاً أن تكفى الزيادات الطفيفة فى إيـرادات مصادر مصر الرئيسية للعملة الصعبة (السياحة - قناة السويس - الصادرات السلعية) ملجابهة األزمـة املتفاقمة الناجتة عن االرتفاع املطرد لاللتزامات اخلارجية.
4 - يعتقد البعض أن موسم احلج ودخول املدارس يتسبب فى زيادة سعر الدوالر حلاجة احلـجـاج إلــى عملة أجنبية وألن الكثير من املتطلبات املـدرسـيـة ومـدخـالتـهـا تأتينا من اخلارج بالعملة الصعبة وبالتالى يرتفع الطلب على الـــدوالر، وبالرغم من أن هـذه العناصر حقيقية، إال أنه ال ينتُج عنها بالضرورة ارتفاع سعر الدوالر ألن انتهاء موسم اإلجـازات غالباً ما يشهد ارتفاعاً ملحوظاً فى تغيير حتويالت املصريني باخلارج إلى ذويهم فى الداخل وهو غالباً مـا يزيد على احلـاجـة الفعلية ويخلق فائضاً من العملة األجنبية حتى لو لم يكن كبيراً، مبعنى أن تلك الظروف املوسمية عندما تنتهى لن ينخفض سعر الدوالر، ألنها لم ترفعه أصًال.
وخــتــامــاً ال يـسـعـنـى ســـوى أن أمتــنــى أن أكون مخطئاً.