Al Borsa

فائدة بال فائدة

- بقلم: محمد شيرين الهوارى الخبير فى االقتصاد السياسى

سعر الفائدة فى األساس وسيلة ملواجهة النمو السلبى حيث يتم تخفيضها أو لدعم حزمة متكاملة من السياسات اإلنكماشية أتفهم جيداً أن اإلبطاء من وترية بعض املشروعات القومية الكربى قد ينعكس بالسلب عىل بعض األهداف االسرتاتيج­ية للدولة املتمثلة فى إعادة تأسيس كيانها االقتصادى

كتبت منذ حوالى 10 أشهر مقاال بعنوان «املستريح احلكومى» عن السياسة النقدية للبنك املركزى وحتديداً موضوع الفائدة التى ارتفعت بشكل جنونى عقب تعومي اجلنيه فى 3 نوفمبر 2016 حتى وصل سعر اإليداع واإلقـراض لليلة واحدة (الكوريدور) إلى %18.75 %19.75و على التوالى وهو ما يعنى أن تكلفة األموال الفعلية وقت طلب االئتمان ستكون أعلى حتى لتقدم مصر بذلك ثامن أعلى فائدة فى العالم.

وهذا التحرك فى احلقيقة كان مفهوماً فى األشهر األولى من بعد التعومي ملواجهة «الدولرة» واحلفاظ بدرجة ما على استقرار سعر صرف العمالت األجنبية مقابل اجلنيه وامتصاص فائض السيولة املتوقع. ولكن ما يدهشنى حقاً أن يكون محافظ البنك املركزى احلالى طارق عامر، املصرفى املُحنك ذو الباع الطويل فى قطاع البنوك محلياً وعاملياً والذى كــان أيـضـاً نائباً للداهية املخضرم فاروق العقدة، محافظ البنك املركزى األسبق، هو من يعتمد سياسة الفائدة شديدة االرتفاع على أنها استراتيجية طويلة املـــدى للتعامل مـع الضغوط التضخمية التى يتعرض لها االقتصاد املــصــرى خـــالل الـعـامـني األخـيـريـ­ن، خاصة أن تلك الضغوط لها أسباب أخرى عديدة غير التعومي، بل وقد ال يكون هو السبب الرئيسى حتى.

فنحن نعلم بالفعل أن مثل تلك السياسات محكوم عليها بالفشل آجالُ أم عـاجـًال ورأيــنــا ذلــك حتــديــداً من ذى قبل عدة مـرات، كانت أولهم فى بدايات عشرينيات القرن املاضى بعد احلرب العاملية األولى مباشرة عندما حاول وزير املالية األملانى ماتياس ايرتسبيرجر السيطرة على نسب التضخم املتفاقمة عبر رفع أسعار الفائدة فى إطار وجود حزم من الزيادات الضريبية وحراك نحو التحول إلى الدولة شديدة املركزية فى اقتصادها وهى جميعها طروحات تتطابق إجماالً على ما يحدث فى مصر اآلن.

املوضوع ببساطة هو أن سعر الفائدة فى األسـاس وسيلة ملواجهة النمو السلبى حيث يتم تخفيضها أو لدعم حزمة متكاملة من السياسات اإلنكماشية – خلفض عجز املوازنة مثًال – وحينئٍذ يكون رفعها وفى احلالة الثانية حتديداً يكون إجـراء قصير املدى ولكن أن يستمر ملدة خمسة عشر شهراً على التوالى، فهذا يضعنا أمــام عالمات تعجب متعددة.

ويثير االستغراب أكثر وأكثر أن رجال مبقام طارق عامر ومعه مصرفى متميز آخر يشغل حالياً منصب وزيـر املالية وهو عمرو اجلارحى لم يخطر على ما يبدو ببال أى منهما أن هناك حلوال بديهية أكثر فعالية وأضمن فى املردود لقضية التضخم وال تلصق بها التأثيرات العكسية ألسعار الفائدة املرتفعة مثل تفاقم الدين العام والضغط على احلركة االستثماري­ة بوجه عام وتكبيل منو سوق األوراق املالية وجميعها قضايا غاية فى اخلطورة.

ويأتى على رأس تلك احللول خفض اإلنفاق العام، أى عكس ما يحدث فى مصر اآلن على خلفية الصرف ببذخ شــديــد عـلـى مـجـمـوعـة املــشــرو­عــات القومية العمالقة – التى قـد تكون هـامـة وُمـجـديـة فـى حـد ذاتـهـا ولكن ليس هذا هو التوقيت املناسب لها – والتركيز على دعم األنشطة الصناعية والزراعية التى ال تعتمد على ُمدخالت اإلنـتـاج املستوردة إال بحدها األدنـى وحتـريـر الـسـوق املصرفية بـــدالً من زيـادة تقييدها بالضوابط االئتمانية املُستحدثة تارة وقانون البنوك اجلديد تارة أخرى.

أتفهم جيداً أن اإلبطاء من وتيرة بعض املشروعات القومية الكبرى قد ينعكس بالسلب على بعض األهــداف االستراتيج­ية للدولة املتمثلة فى إعــادة تأسيس كيانها االقتصادى – أى كان رأينا فيه – واحتياجها اجلم العاجل خللق فرص عمل جديدة حتى لو كانت غير مستدامة، إال أن فرص العمل التى توفرها تلك املشروعات لن تفيدنا كثيراً وال قليًال طيلة ما تضغط أسعار الفائدة الفلكية احلالية على املُناخ االستثمارى وأيضاً على القوة الشرائية للمواطنني. وأتفهم أيضاً أن هناك تخوفات كبيرة لدى السادة املسئولني من عزوف املستثمرين األجانب عن االستثمار فى سوق أدوات الدين احلكومية وكذلك من انفجار سعر الورقة اخلضراء مبجرد خفض الفائدة ولكن فلنعتبر كل ذلك زجاجة أخرى من الدواء املُر الذى يقال لنا منذ بدء برنامج اإلصالح االقتصادى إنه شر البد منه ولكنه على األقل سيعالج القرحة املوجودة اآلن فى معدة مجال املال واألعمال املصرى بدالً من تلك الفائدة التى ال فائدة لها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt