هل ال يزال بإمكان اﻷسواق الناشئة دفع نمو االقتصاد العالمى ؟

«ماكينزى»: األسس االقتصادية للعالم النامى ال تزال سليمة رغم االضطرابات

بدأت أسواق المال تعانى مرة أخرى حالة توتر؛ بسبب االضطرابات االقتصادية فى بعض األسواق الناشئة، خاصة األرجنتين، كما أنها تشعر بقلق شديد من إمكانية اإلصابة بعدوى األزمات االقتصادية. وتعد هذه المخاوف مفهومة، بالنظر إلى األحداث السابقة المؤلمة، ولكنها مخاطرة مربكة على المدى القصير فى ظل المسار طويل األجل الخاص بالنمو القوى.

وأوضح بحث جديد أجرته شركة «ماكينزى»، الرائدة مبجال استشارات األعمال، كيف حقق واحد تقريباً من كل أربعة اقتصادات ناشئة منواً سريعاً ومطرداً على مدار فترات طويلة، ووجدت الـــدول املتفوقة فــى األداء وصـفـة لالستقرار النسبى، مع العلم أنها متثل %29 من التجارة العاملية فى السلع، %24و من التجارة العاملية فى اخلدمات.

وقـادت تلك االقتصادات املتفوقة نصف منو االستهالك بالكامل مـن االقـتـصـادات الناشئة خالل العقدين املاضيني.

وميــكــن لــهــذه االقـــتـــصـــادات، وغــيــرهــا من االقـــتـــصـــادات الـنـاشـئـة الــتــى حتـــذو حــذوهــا، االسـتـمـرار فـى العمل كمحرك لنمو االقتصاد الـعـاملـى خـــالل الـسـنـوات املـقـبـلـة، كـمـا ستكون الشركات الكبرى فى األسواق الناشئة لها نفس القدرة التنافسية للشركات الغربية.

وقال كيفني سنيدر، الشريك اإلدارى العاملى فى شركة «ماكينزى»، إنه مت فحص السجل طويل األجل لنمو الناجت املحلى اإلجمالى للفرد فى 71 اقتصاداً ناشئاً، ووجدوا أن سبعة اقتصادات، وهى الصني وهوجن كوجن وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وكوريا اجلنوبية وتايالند، حققت متوسط منو سنوياً ال يقل عن %3.5 خالل أكثر من نصف قـرن حتى عـام ،2016 بينما منا الناجت املحلى اإلجمالى للفرد فى 11 دولة أخرى بنسبة ال تقل عن %5 خالل 20 عاماً، من عام 1996 وحتى عام .2016

وأظهر العديد من هذه االقتصادات مرونة بالفعل من خالل التعافى السريع من األزمة املالية اآلسيوية، التى أصابت معظم دول قارة آسيا عام ،1997 كما أنها قاومت أيضاً األزمة املالية العاملية عام 2008 بشكل جيد نسبياً.

وهناك عامالن رئيسيان يرتكز عليهما هذا النجاح، أولهما امتالك هذه الدول أجندة داعمة للنمو تتضمن خطوات لزيادة تراكم رؤوس األموال، غالباً مـن خــالل مــدخــرات التقاعد اإللزامية واجلهود املبذولة لتحسني كفاءة احلكومة، أما العامل الثانى فيتمثل فى سعى بعض هذه الدول إلـى خلق ديناميكيات أكثر تنافسية بأسواقها املحلية.

وتلعب الشركات العامة الكبرى، التى يصل حجم إيراداتها السنوية إلى 500 مليون دوالر أو أكثر، دوراً بارزاً أيضاً، كما أن االقتصادات ذات األداء املتفوق لديها ضعف عدد هذه املجموعات عندما يتم تعديلها حسب حجم االقتصادات، ولم تساعد هذه الشركات على تعزيز الناجت املحلى اإلجمالى فحسب، بل إنها اعتبرت، أيضاً، محفزاً للتغيير.

وتـعـد هـــذه الـشـركـات قـويـة مـثـل منافسيها الغربيني، وفى بعض األحيان تكون أكثر قوة، ولكن من الصعب عليها البقاء فى القمة، فقد خرجت أكثر من نصف هذه الشركات، التى وصلت إلى أعلى قمة توليد األربــاح االقتصادية بني عامى 2001 2005و عن مسارها بعد 10 أعوام، وعلى النقيض من ذلك ظل %62 من أصحاب الشركات فى االقتصادات ذات الدخل املرتفع على القمة.

وأظهر البحث، الذى أجرته «ماكينزى»، اجتاه أفضل شـركـات األســـواق الناشئة إلــى االبتكار بـدالً من التقليد، فهذه الشركات تستمد %56 من إيراداتها من املنتجات واخلدمات اجلديدة، بشكل أكثر من نظيراتها فى االقتصادات ذات الدخل املرتفع، وكذلك تستثمر ضعف ما تستثمره الشركات الغربية، وفقاً لنسبة اإلنفاق الرأسمالى إلى اإلهالك.

بـاإلضـافـة إلــى ذلـــك، تتخذ هــذه الشركات قـــرارات استثمارية مهمة بشكل أســرع يتراوح بني ستة وثمانية أسابيع فى املتوسط، كما أنه بإمكانها، أيـضـاً، كسب عـائـدات أفـضـل، فبني عامى 2014 2016و حققت الشركات ذات املكانة العليا فى االقتصادات الناشئة ذات األداء املتفوق متوسط إجمالى عائد للمساهمني بنسبة ،%23 مقارنة بـ51% للشركات ذات املكانة العليا فى الدول ذات الدخل املرتفع.

ومما ال شك فيه أن مستويات الديون ال تزال تشكل مصدر قلق، فإجمالى ديون الشركات فى الصني بالنسبة إلى الناجت املحلى اإلجمالى يأتى ضمن أعلى املـعـدالت فى العالم، كما أن ديون الشركات منت بقوة فى فيتنام وتشيلى وتركيا وبيرو، ولكن التحليل الذى أجرته «ماكينزى» أظهر، أن إجمالى مستويات الدين فى األسواق الناشئة، مبا فى ذلـك األســر والشركات واحلكومات، ال يزال أقل من املستويات التى تشهدها االقتصادات املتقدمة.

وفى الوقت الذى يعد فيه من احلماقة افتراض أن أى اقتصاد ناشئ ميكن أن يكون فى مأمن من التقلبات العاملية، ال يزال أولئك الذين يتمتعون بأساسيات قوية مبجال االقتصاد الكلى وشركات تنافسية مستقرة مصدر النمو الطويل األجل املحتمل فى العالم.