Al Borsa

كيف تهرب نيجيريا من لعنة الموارد؟

فكرة أن املوارد الطبيعية مقياس جيد لرثوة الدول هى مغالطة كبرية تحاول نيجرييا أن تأخذ صفحة من كتاب بوتسوانا

-

ينمو عدد سكان نيجيريا بسرعة كبيرة، ويقف حـالـيـاً عند 182 مليون نسمة، ومــن املـتـوقـع أن يتجاوز 300 مليون نسمة بحلول منتصف القرن، متجاوزة الواليات املتحدة لتصبح ثالث أكبر دولة من حيث كثافة السكان، وبفضل معدالت اخلصوبة املرتفعة، التى تصل خلمسة أطفال للمرأة الواحدة، والتى تزيد على املتوسط فى منطقة أفريقا جنوب الصحراء، وضعف املعدل العاملى، من املتوقع أن يستمر النمو السكانى لفترة طويلة إلى حد ما.

وعـدد السكان الهائل ذاك، األكبر فى أفريقيا حتى اآلن، يعنى أن املستقبل االقتصادى لنيجيريا مهم بشكل خاص، ولألسف يعتمد اقتصادها على املـــوارد الطبيعية وخاصة البترول، وهـو ما ينذر بجميع أنــواع التحديات السياسية واالقتصادي­ة صعبة التجاوز إن لم تكن مستحيلة.

وقـــد يفكر الـبـعـض فــى أن الطبيعة تفضلت على نيجريا بنعم هائلة، فهى صاحبة عاشر أكبر احتياطيات بترولية مثبتة، وأكبر منتج فى أفريقيا للخام، ولكن فكرة أن املوارد الطبيعية مقياس جيد لثروة الدول هى مغالطة كبيرة، وبدالً من ذلك هى على األرجح السبب فيما يطلق عليه االقتصاديو­ن لعنة املـــوارد، أكثر األمــراض خبثاً وغموضاً التى ميكن أن تعانى منها دولة.

ورغـــم أن القليل مـن الـــدول الصغيرة الغنية بالبترول مثل قطر وبروناى والكويت لديها بترول كاٍف لتوفير مستويات معيشة عالية ملعظم سكانها، فإنها متثل استثناء، وبشكل عــام، هناك ارتباط بــن املــــوار­د البترولية وانـتـشـار الـفـقـر، وتوصل االقتصاديو­ن للعديد من التفسيرات لهذه العالقة، فصادرات البترول متيل إلى رفع أسعار الصرف للدولة، مـا يجعلها أقـل تنافسية فـى القطاعات األخرى، وهو ما يقلل بدوره تعقيد االقتصاد، ومينعه من تطوير سالسل توريد أو رفع اإلنتاجية من خالل تعلم التكنولوجي­ات األجنبية وعمليات اإلنتاج. كما أن هذه العالقة تعرض الدولة للمخاطر، فأسعار البترول متقلبة وعندما تنخفض، كما يحدث عادة، حتدث نتائج كارثية لالقتصاد القائم على البترول، وخالل الثمانينيا­ت، أصبح النيجيريون أفقر بقدر متزايد مع هبوط أسعار البترول، وحـدث الشىء نفسه، ولـكـن على نـطـاق أضـيـق عندما انـهـارت األسعار فى .2014 وكانت نيجيريا تشعر بألم ذلك التراجع، ويشكل البترول أكثر من نصف إيـرادات احلكومة، واألغلبية األعظم من إيرادات الدولة من العملة األجنبية، وبالتالى، عندما تتراجع أسعار البترول، يتسرب األلم إلى قطاعات نيجريا األخرى، وال يستغرق األمر وقتاً طويًال حتى يبدأ االقتصاد بأكمله فى املعاناة، وينخفض النمو احلقيقى للفرد إلى املنطقة السلبية، وأدى الركود بدوره إلى تراجع فى العمالة.

ويعد منو عدد الفقراء والعاطلن فى نيجيريا أمراً خطيراً، ويهدد االستقرار السياسى، خاصة أن الدولة ال تزال تعانى من الصراع الداخلى.

واآلن، ترتفع أسعار البترول مـجـدداً، وهـو ما سيخفف بعض الضغوط عن االقتصاد، ولكن أيضاً سيكون له جوانب سلبية؛ نظراً إلـى أن نيجيريا تدعم الـوقـود دعـمـاً كبيراً للمستهلكن، كوسيلة للحفاظ على االستقرار االجتماعى، ومع ازديـاد األسعار، يكبر حجم الدعم.

مبعنى آخر، تقع هذه الدولة العمالقة املهمة فى فخ اقتصادى سياسى، ولكَّن هناك مخرجاً، ويعتقد الكثيرون أن بوتسوانا، الدولة األفريقية، األصغر من نيجيريا، متكنت من هزمية لعنة املوارد.

وتعتمد بوتسوانا على تعدين األملاس، كما تعتمد نيجيريا على البترول، لكَّن الـدولـة اتخذت عدة خطوات للتصدى للمشكالت التقليدية، وملنع علتها من االرتفاع، وفقدان صادراتها األخرى للتنافسية، راكمت احتياطيات أجنبية ضخمة، وسمح سعر صرفها املستقر واملنخفض للدولة بتنويع اقتصادها من خالل قطاعات التصنيع واخلدمات.

وملنع االختالالت فى املوازنات احلكومية، أدارت فوائض فى األوقات اجليدة وعجوزات فى األوقات السيئة، وركزت اإلنفاق على املشروعات التى تدر أرباحاً على املدى البعيد، بدالً من املدى القصير، وجتنبت البذخ على املشروعات العمالقة عندما تكون األوضاع جيدة، واستثمرت الدولة فى الصحة والتعليم أيضاً.

ونتيجة ذلك، منا اقتصاد بوتسوانا بشكل مطرد على مدار العقود املاضية، ولم يعان من التراجع مثل نيجيريا والعديد من مصدرى املوارد، وقد ال تكون مستويات املعيشة لديها مرتفعة للغاية – يقل الناجت املحلى اإلجمالى للفرد وفقاً لتعادل القوة الشرائية قليًال عن ثلث ذلك فى الواليات املتحدة – ولكنها أكثر ثراء من أى دولة أخرى فى املنطقة.

وحتـــاول نيجيريا أن تـأخـذ صفحة مـن كتاب بوتسوانا، ووضعت أمواالً فى صندوقها السيادى، هيئة االستثمار السيادية النيجيرية، مـن أجل استقرار املـوازنـة واالستثمار فى البنية التحتية، وتراجعت عملتها، واستمرار التراجع سيكون مفيداً للتنوع االقـتـصـا­دى. لكن االستثمار فـى التعليم متأخر، ويعد االستثمار فى التعليم والصحة هو طريق التقدم لنيجيريا، ويتعن على هيئة االستثمار السيادية، إنشاء صندوق آخـر مخصص للتعليم والصحة، وأن توجه أكبر قدر ممكن سياسياً من اإليرادات الضريبية إلى هذا الصندوق.

وسوف يشكل الشعب املتعلم األكثر صحة قاعدة التنويع االقتصادى؛ نظراً إلى أن قطاعات اخلدمات والتصنيع تعتمد على وجود احتياطى من العمالة الـقـادرة واملثقفة، وبجانب االستقرار فى العملة واملوازنة، سوف يساعد تنويع االقتصاد على عزل نيجيريا عـن تقلبات ســوف الـبـتـرول، وقــد يكون الهروب من لعنة املوارد صعباً، ولكن قابل للتحقيق.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt