Al Borsa

هل ينجح الفيدرالى فى الموازنة بين النمو االقتصادى وهشاشة األسواق؟

االقتصاد األمريىك القوى غري كافى لقمع التقلبات املالية ومقاومة انخفاض األسعار

-

رفع رئيس االحتياطى الفيدرالى وزمالئه فى جلنة السوق املفتوح أسعار الفائدة مبقدار 25 نقطة أساس يوم األربعاء املاضي، وأشاروا إلى تباطؤ وتيرة الرفع فى املستقبل ولكن بأقل مما كانت تأمل األســواق، مقاومني بذلك الضغوط غير العادية من الساسة وأهــم املشاركني فى السوق.

ومن خالل القيام بذلك، أعاد البنك املركزى التأكيد على ان تركيزه األساسى سوف يبقى على األوضــاع املحلية واالقتصاد، ولكن توحى استجابة السوق أن هذه اخلطوة ينظر إليها بأنها تؤجج املخاوف وأنها خطأ سياسى وليس صناعة قرار مسئولة، وهذا وما سيحدث خالل األسابيع القليلة املقبلة يوضح ظاهرة أكبر وهى أن هناك تهديد أن الفيدرالى والبنوك املركزية األخرى فى وضع خاسر فيه بسبب عوامل خارجة عن سيطرتهم فى األغلب.

وتعد أحدث تقييمات الفيدرالى االقتصادية أقــل ورديـــة مــن سابقاتها وتتضمن مراجعة هبوطية طفيفة للناجت املحلى اإلجمالى للعام املـقـبـل، ومــع ذلـــك، يـبـدو ان صـنـاع السياسة أقل قلقا من األســواق بشأن أثـار الضعف فى بقية العالم وأسعار األصــول الهشة فنيا على االستهالك واالستثمار املحلي، ولهذا، ال تزال توقعات البنك املركزى لوتيرة رفع الفائدة العام املقبل أعلى من توقعات السوق، وال يزال صناع السياسة مرتاحني لفكرة أنهم قد يتجاوزون بقدر ضئيل سعر الفائدة املحايد (الـذى ينمو عنده الناجت املحلى اإلجمالى مبستوياته املعهودة ويكون التضخم مستقرا) فى ،2020 ورغم أن هذه التوقعات توصف بأنها معتمدة بشدة على البيانات، فقد أغضبت األسواق بجميع فئاتها.

وهــذا االنقسام بني اقتصاد يتوسع بوتيرة قوية وأسواق متقلبة تقع حتت ضغوط متزايدة هو السبب الرئيسى وراء عدم اليقني السابق الجتماع الفيدرالى واجلدال غير املسبوق بشأن نتيجته، وهذا االنقسام يعد فى جزء كبير صورة مقابلة للموقف الذى واجهه أسالف باول عندما تناقض النمو املتباطيء مع انتعاش األســواق واألصــول اخلطرة، ولكن بدال من تقدمي دليل على االنفصال بني االقتصاد واألســـوا­ق، يعد التغيير فى الواقع اغـالق جزئى للفجوة التى خلقت حتت الرؤساء السابقني للفيدرالي.

ولعدة سنوات بعد األزمـة املالية العاملية فى ،2008 ظل االقتصاد األمريكى محصورا فى وضـع جديد يتسم بالنمو املنخفض، وارتفاع أســـواق األصـــول، وانخفاض التقلبات املالية، وهذا كان يعود فى جزء كبير إلى قرار البنوك املركزية ذات األهمية النظامية بتحقيق أهدافها عبر قناة األصـــول أى خفض أسـعـار الفائدة ملستويات قياسية، وشراء األوراق املالية كوسيلة للتشجيع على حتمل املخاطر، وحث األسر على اإلنفاق والشركات على االستثمار، كما ساعم النمو العاملى الــذى تـقـوده الصني فـى تضخم أسعار األصول وهدوء التقلبات خاصة مع تفوق أسهم األسواق الناشئة على نظيرتها األمريكية.

وعبر البعض، مبن فيهم أنا، عن قلقهم من املخاطر والعواقب غير املقصودة ملواصلة البنوك املركزية «حتفيز» األسواق، ولكن هذه التحذيرات لم جتذب الكثير من االهتمام، وألسباب مفهومة مثل أن البنوك املركزية حتركها أهداف اقتصادية نبيلة، كما أن أهميتها ازدادت مع اقتراب العالم من ركود عاملى امتد لسنوات عديدة.

واآلن الوضع معكوس: االقتصاد األمريكى القوى غير كاف لقمع التقلبات املالية ومقاومة انخفاض األسعار فى سياق الضعف الهيكيلى فى األسواق، وهذا يرجع خلمسة أسباب:

أوال، اآلفـــاق االقتصادية ألوروبـــا واليابان والصني غير يقينية بقدر كبير مقارنة بآفاق االقتصاد األمـريـكـ­ي، ثانيا األســـواق يجب ان تتكيف مع خسارة السيولة الوفيرة واملتوقعة التى تلقتها من البنك املركزى االوروبــي، ثالثا، تفاقم حتركات األسعار بسبب انتشار صناديق املؤشرات، واستراتيجي­ات االستثمار السلبية، والتدول باحلواسب.

ورابعا، ورث باول سياسة ميزانية تعتمد على عقلية الطيار اآللى التى متيل إلى تكبير تأثير حتركات األسواق عند أى تغير فى توقعات أسعار الفائدة، وأخيرا، يواجه الفيدرالى ضعوطا غير عادية لكى ال يرفع الفائدة.

ورغم أن البنك املركزى األمريكى يواجه بيئة أكثر حتديا، فإنه فى وضع أقل تعقيدا بكثير من نظرائه خاصة املركزى األوروبـى وبنك اجنلترا املركزى وبنك اليابان املركزي، نظرا ألن اآلفاق االقتصادية األضعف بكثير فى هـذه املناطق تقوض عملية تطبيع السياسة التى أصبحت أكثر إحلاحا ليس فقط بسبب تراجع فاعلية األدوات غير التقليدية وإمنا أيضا للحدود العملية (فعلى سبيل املثال، لم يعد هناك سندات ليشتريها املركزى االوروبى) والعواقب غير املقصودة.

وكــان من املعتاد أن يُختبر روؤســـاء البنوك املركزية فى بداية توليهم للمنصب، ولكن فى حالة باول، جاء االختبار فى صورة قرار سياسى مثير بسبب قوى متضاربة من األوضـاع االقتصادية املحلية وهشاشة األسواق فنيا وتباطؤ االقتصاد الدولي، وهذا التضارب لن ينتهى قريبا، ونتيجة لذلك، سوف تعمل البنوك املركزية اآلن فى بيئة «خاسرة» وألسباب خارجة عن سيطرتها، بعد أن كانت الالعب املهيمن الوحيد، ومتتعت بالعقلية السياسية لـ «مهما يتطلبه األمر» وهو ما ساعد على تقليص مخاطر الركود.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt