Al Borsa

مخاطر االقتصاد العالمى فى

أكرث األسباب التى ستؤدى إىل ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية العاملية هو انفجار الشعبوية فى معظم أجزاء العالم

-

وفقا للمقولة املختلف على مصدرها ويشاع أنها للكاتب األمريكي، مارك تواين: «ليس ما ال تعرفه هو ما يدخلك فى مشاكل، وإمنا ما تظن أنك تعرفه حق املعرفة ولكنك لست كذلك».

فعلى مدار العامني احلالى واملقبل، ستظهر أكبر املخاطر االقتصادية من تلك املجاالت التى يعتقد املستثمرون أنها لن تغير على األغلب نهجها احلالي، وتتضمن ركــود النمو فـى الصني ، وارتــفــا­ع أسعار الفائدة طويلة األجل، وتصاعد السياسات االقتصادية الشعبوية التى تقوض مصداقية واستقاللية البنوك املـركـزيـ­ة، مـا سـيـؤدى إلــى أسـعـار فـائـدة أعلى على سندات احلكومات املتقدمة «اآلمنة».

وقد يكون التباطؤ الكبير فى النمو الصينى قد بدأ يتكشف بالفعل، وهزت حرب ترامب التجارية الثقة.. لكنها كانت مجرد دفعة هبوطية القتصاد يتباطأ بالفعل نتيجة حتوله من النمو املدفوع بالصادرات واالستثمار­ات إلى منو أكثر استدامة يقوده االستهالك املـحـلـي. وال يـــزال قــدر تـراجـع االقـتـصـا­د الصينى سؤاال مفتوحا.. لكن بالنظر إلى التناقض املتأصل بني النظام السياسى الذى يقوده حزب مركزى وبني احلاجة لنظام اقتصادى استهالكى أقل مركزية، قد يهبط النمو بقدر كبير للغاية.

ولــســوء احلـــظ، فـــإن خـيـار جتـنـب الـتـحـول نحو منو بقيادة االستهالك ومواصلة تعزيز الصادرات واالستثمار العقارى ليس جذابا للغاية كذلك.

فالصني بالفعل مصّدر عاملى مهيمن، وال توجد مـسـاحـة سـوقـيـة وال تـسـامـح سـيـاسـى يـسـمـح لها باملحافظة على وتيرة التوسع فى الصادرات.

كما أن تعزيز النمو من خالل االستثمار، خاصة فى العقارات السكنية التى تشكل نصيب االسد من الناجت االنشائى الصينى أصبح أكثر صعوبة من اى وقت مضى.

أيضا.. فأى ركود كبير فى النمو بالصني، سيضر باقى آسيا بشدة، وكذلك بالدول النامية والناشئة املصدرة للسلع، ولن تكون أوروبــا وخصوصا أملانيا محصنة.

ورغم أن الواليات املتحدة أقل اعتمادا على الصني، فـإن الصدمة التى ستتعرض لها األســـواق العاملية والــصــاد­رات احلساسة سياسيا، ستجعل التباطؤ الصينى أكثر إيـالمـا للقادة األمريكيني أكثر مما يتصورون.

وتعد اخلـطـورة اخلارجية الثانية أقـل احتمالية ولكنها أكثر كارثية وستتحقق إذا عكست أسعار الفائدة العاملية طويلة األجل مسارها وارتفعت بحدة بعد سنوات عديدة من هبوط النمو، وأنا ال أحتدث فقط عن التشديد الفائق للسياسة النقدية من قبل االحتياطى «الفيدرالي» فى .2019

فبالفعل سيمثل ذلك مشكلة ولكنه سوف يؤثر فى األساس على أسعار الفائدة قصيرة األجل.. ونظريا قد ينمحى أثره مع الوقت، أما املخاطر األكثر جدية بكثير هى الصدمة ألسعار الفائدة احلقيقية طويلة األجل والتى تقف حاليا عند مستوى أقل من أى نقطة فى التاريخ احلديث (باستثناء فترة الكساد املالى بعد احلرب العاملية الثانية عندما كانت األسواق أقل تطورا بكثير عن اآلن).

وأحد العوامل احلميدة التى ميكن أن تتسب فى ارتفاع أسعار الفائدة العاملية هو طفرة فى اإلنتاجية، إذ بدأت ما تعرف بالثورة الصناعية الرابعة، التأثير على النمو أسـرع من املتوقع، وهـذا بالطبع سيكون جيدا لالقتصاد ككل، ولكنه سيضر كثيرا باملناطق واملجموعات املتأخرة، ولكن الضغوط الصعودية على أسعار الفائدة سوف تنبع من عامل أقل حميدية (مثل التباطؤ طويل األجــل للصني) والــذى سيتسبب فى حتول الفوائض اخلارجية القائمة منذ وقت طويل فى املنطقة إلى عجوزات.

ولكن رمبا أكثر األسباب التى ستؤدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة احلقيقية العاملية هو انفجار الشعبوية فى معظم أجزاء العالم، وبقدر ما سيغير الشعبويون السياسات االقتصادية الصديقة القائمة منذ عقود، سـيـكـون قـــدر تشكيك األســــوا­ق الـعـاملـي­ـة فــى مـدى «آمان» ديون الدول املتقدمة، وهو ما قد يرفع عالوة املخاطر وأسعار الفائدة إذا كانت احلكومات بطيئة فى التكيف، وسوف ترتفع عجوزات املوازنة، وسوف تشكك األسواق فى احلكومات أكثر، وهكذا ستتصاعد األحداث.

ويتفق معظم االقتصادين­ي، فى أن أسعار الفائدة طويلة األجـل املنخفضة حاليا تسمح لالقتصادات املتقدمة بإدارة ديون أكثر مما قد يتحملون فى ظروف مختلفة، ولكن فكرة أن حتمل الديون اإلضافية سيكون دون تكلفة هـى فـكـرة حـمـقـاء، وتصعب مستويات الديون العالية ، على احلكومات االستجابة بحزم إلى الصدمات، وعدم القدرة على االستجابة باحلزم الكافى لألزمات املالية أو الهجمات السيبرانية أو األمراض املستوطنة، أو احلرب التجارية يعزز بشدة مخاطر الركود طويل األجل.

كما أن عدم القدرة تلك، تعد تفسيرا هاما لسؤال مضمونه «ملاذا تتوصل أكثر الدراسات جدية إلى أن مستويات الديون العالية للغاية ترتبط بالنمو األبطأ على املدى الطويل»؟

وإذا اعتمد صناع السياسة بشدة على الدين (بدال مـن رفـع الضرائب على األغـنـيـا­ء) مـن أجـل تطبيق سياسات تقدمية تعمل على إعادة توزيع الدخل، فمن السهل تصور أن تشكك األسواق فى متكن الدول من حتقيق النمو عبر مستويات الديون العالية، وبالتالى سيدفع شك املستثمرين أسعار الفادئدة ملستويات غير مريحة.

وبالتأكيد هـنـاك الـعـديـد مـن املـخـاطـر األخــرى لالقتصاد العاملي، مثل الفوضى السياسية املتزايدة فى الواليات املتحدة، واخلروج غير املنظم لبريطانيا، والبنوك الضعيفة فى إيطاليا، واملخاطر اجليوسياسي­ة املتصاعدة.

ومع ذلك فإن هذه املخاطر اخلارجية ال جتعل آفاق النمو العاملى قامتة بالضرورة، فال يـزال السيناريو األسـاسـى لـلـواليـا­ت املتحدة منــوا قـويـا، وقــد يكون منو أوروبا فوق مستوياته أيضا مع مواصلتها عملية التعافى الطويلة والبطيئة من أزمة الديون فى بداية العقد، كما أن الصني أثبتت خطأ املشككني فيها لعدة سنوات.

وبالتالى قد يكون 2019 عاما آخر من النمو العاملى القوي، ولكن لألسف سيكون مدمرا لألعصاب كذلك.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt