Al Borsa

االستثمارا­ت األجنبية المباشرة .. َمـن يبحث عن َمــن؟

- بقلم: مصطفى مـوســى محام شريك مكتب الدكتور زياد بهاء الدين للمحاماة

ال خـاف أن االستثمارا­ت األجنبية خاصة املــبــاش­ــرة تــأتــى عـلـى رأس أولـــويــ­ـات غالبية اقتصاديات دول العالم على اختاف أطيافها، وتباين قوتها الناشئ منها والنامى وحتى ُكبرى االقتصاديا­ت، فاألمر بالفعل بخاف دالالتـه ومؤشراته اإليجابية املتعددة على اقتصاد الدولة ومـوازنـات­ـهـا، فإنه ميثل، بـصـورة أكـبـر، رواجــاً اقتصادياً ومالياً ملموساً على أرض الـواقـع، فضًا عن مزيا أخرى تكاد تكون معلومة للجميع.

وألن احلديث عادة فيما يتعلق باالستثمار­ات األجنبية املـبـاشـر­ة وقــراءتــ­هــا وحتليلها يتسم بالشروع واالستغراق فى لعبة األرقام ومعادالتها، وتلك لعبة إن لم تكن ُتيد التعامل معها وبها، فغالباً سينتهى بك األمر وأنت عالق بني دروبها املتشابكة، كما أن هذا مقال وليس ورقة بحثية سأحاول التحرر من االنسياق وراء رصد وحتليل األرقــام باعتبار أن هذا التناول ينبغى له قدر كبير من التخصص املالى واالقتصادى، فضًا عن محاولة االبتعاد ملا هو معتاد لـدى الكثير فى معاجلة وتناول مسألة االستثمارا­ت األجنبية املباشرة بوضع روشتات عاجية سريعة تأتى فى صيغة عناوين براقة ورؤوس أقام.

لذا وبحكم املهنة دعونا نقترب من السياج العملى والقانونى املحيط مبعضلة االستثمارا­ت األجنبية املباشرة فى مصر، وذلك من وجهني مترابطني؛ األول أنه ال حديث عن استثمارات أجنبية مباشرة دون املـــرور واحلـديـث بجدية ويقني واقتناع من جميع أجهزة الدولة بأهمية االستثمار املحلى أوالً باعتباره حجر الزاوية والبنية التحتية ألى استثمار أجنبى.

فى دولة كبيرة بحجم مصر، ينبغى أن نُذكر أنفسنا طوال الوقت بأنه ما يقرب من الـ04% ـ وفقاً ألقل التقديرات ـ هو اقتصاد مـواٍز غير رسمى ولــم يُـدمـج بعد ضمن املنظومة املالية واالقتصادي­ة والقانونية للدولة، وذلــك وسط غياب قوى ملا قد يحمله هذا الرقم من إيضاحات حول القطاعات املتواجد بها وأُطـر عمله وحتليل للعمالة املرتبطة به جغرافياً ونوعياً إلى آخر ذلــك مـن البيانات التى ال غنى عنها ملحاولة استكشاف هـذا اجلانب غير املرئى أو املعلوم للدولة واقتصادها، واحلديث عن اقتصاد مصر املوازى والذى يراه الكثيرون مبثابة خبيئة وأحد كنوز الدولة غير املستغلة لم يكن من األساس على جدول اهتمامات الدولة حتى عقود قريبة، وحسناً ما قامت به الدولة، مؤخراً، من اتخاذها بعض التدابير التشريعية التى من شأنها الكشف (التدريجى) عن هذا القطاع املـوازى ولعله من الواجب فى معرض ذكر تلك التدابير ما قام به البنك املركزى املصرى على سبيل املثال إطاق حملة الشمول املالى فى القطاع املصرفى والتى تُعد بحق إحـدى الوسائل املهمة التى ساهمت فى إحياء احلديث اجلاد عن االقتصاد املوازى، ومـحـاولـة إدمــاجــه فـى الـقـطـاع الـرسـمـى، كما قــام املــركــز­ى املـصـرى بتبنى ورعــايــة منظومة املـدفـوعـ­ات اإللكتروني­ة والـتـى أصبحت اآلن إحدى أهم الشبكات املالية التى ُتكن القائمني على النظام املالى من قراءة الكثير حول حركة املدفوعات اإللكتروني­ة ملا ملثل هذا النشاط من إمكانيات جبارة الختراق مناطق ال تصل إليها فــروع البنوك أو أى منظومة مالية أو نقدية أخرى، أيضاً قام املركزى والهيئة العامة للرقابة املالية بإنفاق اجلهد الازم فيما يتعلق مبد مظلة نشاط التمويل متناهى الصغر والتعريف به، والذى بدوره يتصل بشكل كبير بقطاعات مهنية وحرفية كانت بعيدة تاماً فى تعاماتها عن جميع أشكال الرسمية.

وفى سياق طرح األمثلة ال ينبغى أن ننسى ما طرأ على قانون الشركات املساهمة من تعديات محورية والتى على املستوى الشخصى أجد أن تقنني وتشريع ما يسمى بشركة الشخص الواحد هو أحد أهم تلك التعديات، بل إنه لألسف لم يأخذ حظه من الترويج الازم خاصة بني أوساط التجار األفراد أو مجتمع رواد األعمال.

هــذا وإن كــان احلـديـث عـن االقـتـصـا­د غير الـرسـمـى أو املــــواز­ى مهماً فــإن احلــديــث عن االستثمارا­ت املحلية العاملة فى املظلة الرسمية أكـثـر أهمية خـاصـة فـى مـعـرض حديثنا عن االستثمار األجنبى املباشر، وهنا وبقدر كبير

من الدهشة والتساؤل ملا كل هذا اإلصرار على استخدام خطاب يتميز بقدر من التعالى تاه االستثمارا­ت واملستثمري­ن املحليني واملصريني، وإن عظم حجم هذا االستثمار فى مقابل كل وأى استثمار أجنبى، وإن قل حجم هذا االستثمار.

قطعاً وبا أدنى شك وكما أشرنا فى البداية، أنه ال خاف على أهمية التدفقات االستثمارا­ت األجنبية املباشرة ملصر، لكن ينبغى أن يوضع هذا االهتمام فى حجمه الطبيعى دون أن يؤثر أو ميثل أى إشارة بأن لدينا تصنيفاً وشبهة تييز فى املعاملة بني املستثمر األجنبى فى مقابل املصرى.

يقيناً أعلم أنه ال توجد لدينا تشريعات تخلق تراتبية أو تييزاً بني املستثمر األجنبى واملصرى، لكن ما أحتدث عنه هو ضرورة استخدام خطاب حتفيزى وتشجيعى للمستثمر املـصـرى الـذى يجد الدولة حتاول على طول اخلط استقطاب االستثمار األجنبى باعتباره طوق النجاة لها، بينما إن شئنا الدقة فاملستثمر املصرى واستثمارات­ه املحلية هى طوق النجاة احلقيقى، وهو بالفعل األولى بهذا اخلطاب التحفيزى.

يقينى أنــه لـن تـد الـدولـة سـفـراء للترويج جلذب االستثمارا­ت األجنبية املباشرة أفضل من مستثمريها املحليني، فعلى مدار اليوم والساعة فـــإن شـبـكـة املـسـتـثـ­مـريـن املـحـلـيـ­ني هــم بحكم نشاطهم وبحكم ارتباطهم مبنظومة وشبكات التجارة الدولية فى اتصال دائـم ومستمر فما بني تعامل مع بنك أجنبى مبناسبة اعتماد مــا أو مورد أو وكيل أو ُمصنع إلى آخر ذلك من أوجه التعاون على جميع املستويات واألصـعـدة فإن املستثمر املحلى يحمل ويُصدر إما رسالة استياء وتذمر من منظومة االستثمار والتجارة التى يعمل بها أو على العكس يُصدر رسالة طمأنة وحتفيز للمستثمر األجنبى الذى يتعامل معه باستمرار.

إن السوق العاملى ومنظومة التجارة الدولية والـعـاملـ­يـة شــديــدا الـــذكـــ­اء فــى قــــراءة الــواقــع والسوق ومقدار جاذبيته لاستثمار به وظنى أن استقراءهما للواقع املحلى ومصداقيته يأتى على قمته معرفة تقييم املستثمرين­ي املحليني للمنظومة التى يعملون بها.

الوجه الثانى الذى يُعد وبحق مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً مبسألة االستثمار األجنبى أو املحلى سواء كان رسمياً أو موازياً هو مسألة املظلة التشريعية والقانونية التى حتيا فيها تلك االستثمارا­ت، وهنا يكمن السحر وتتجلى حرفة املشرع أو الرقيب فى خلق التوازن بني منظومة تشريعية ورقابية تتسم باالستقرار واملرونة فى ذات الوقت.

فبقدر كبير يجب أن تتسم مظلة التشريعات االستثماري­ة على وجـه اخلـصـوص ليس فقط بالثقة من جانب املستثمر تاه املُشرع أو الرقيب بل يجب على األخير، أيضاً، أن يضع قدراً من الثقة فى مستثمريه، فالعاقة إذن ترتكز على ثقة متبادلة فالدولة ال يجب أن تنظر للمستثمر أيـاً كان على أنه شخص أو كيان يتسم باجلشع أو الرغبة فى التهرب من التزاماته، بل األوجب أن تنظر إليه باعتباره شريكاً محورياً فى عملية التنمية والتنمية املستدامة التى يهدف إليها أى نظام سياسى.

وعلى اجلانب اآلخر تتمثل ثقة املستثمر فى تشريعات الـدولـة ليس فقط فى االعتقاد فى نُبل مقاصدها، ولكن وهذا هو األهم الثقة فى استمرارية البنية التشريعية التى اختار طوعاً أن يعمل ويضخ استثماره بها والتى ال يرغب أى مستثمر محلياً كان أو أجنبياً فى أن يراها كصورة مهتزة ومتسارعة الوتيرة فى تغيراتها أو أن يراها تُسن حلاالت بعينها وليس لعموم السوق، والثقة كما أشرنا ليست فى ركيزة االستقرار واحليدة فقط بل أيضاً الثقة مبعنى املرونة والتجديد وقبول املستقبل ومستجداته وابتكاراته.

قطعاً ال ندعى أن مهارة إحداث التوازن بني تلك العوامل هى أمر سهل ولكنها مع األسف أمر واجب وحتمى.

فى سؤال املقال عمن يبحث عن اآلخر أعتقد أن الدولة ليس عليها أن تختزل البحث فقط فى االستثمار االجنبى املباشر بل عليها أن توجه جـــزءاً وافـــراً مـن طاقة البحث إلعـــادة البحث واكتشاف مستثمرها الوطنى واملحلى والـذى بدوره هو من سيبحث االستثمار األجنبى عنه.

الحديث عن اقتصاد مصر املوازى والذى يراه الكثريون بمثابة خبيئة وأحد كنوز الدولة غري املستغلة لم يكن من األساس عىل جدول اهتمامات الدولة حتى عقود قريبة

يقينى أنه لن تجد الدولة سفراء للرتويج لجذب االستثمارا­ت األجنبية املباشرة أفضل من مستثمريها املحليني

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt