Al Borsa

لما الشعور بالقلق تجاه األتمتة؟

-

، بداية من حركة الاضية الثورية فى بداية القرن إلى كتابات االقتصادين­ي البارزين أمثال جـون ماينارد كينز وفاسيلى ليونتييف الذى جاء بعده بعدة أجيال، دائماً ما كان احتمال األمتتة يثير مخاوف خطيرة بشأن الوظائف، وشـكـك كينز وليونتييف فــى إمـكـانـيـ­ة وجــود فـرص عمل كافية للعمال، أمـا الـيـوم، ووسط موجة األمتتة الرقمية الهائلة، أصبح الكثيرون يشاركونهما قلقهما.

وأصبحت آثار التقنيات الرقمية اليوم على سوق العمل تثير تساؤالت هامة، وهـى: هل سيكون هناك فـرص عمل كافية للعمال؟ أين ستكون هذه الفرص؟ وهل سيكون مقابلها املادى عالياً بشكل يكفى لتجنب زيــادة الفقر وعدم املساواة؟

اجلــواب على السؤال األول واضــح، فاألدلة التاريخية تشير إلى أن االبتكارات التكنولوجي­ة التى حتل مكان العمالة ال تـؤدى إلى تغييرات طويلة األجل فى معدالت العمالة والبطالة فى الدول الصناعية.

وحتـدث كينز عن البطالة التكنولوجي­ة، فا شك أن أحد أهم أسباب البطالة فى بريطانيا خـال فترة العشرينات وفترة الكساد العظيم التى تلتها هو تراجع الفحم والصناعات األخرى فى مواجهة املنافسة األملانية واألمريكية، كما أن مهارات العمال ومواقعهم اجلغرافية حالت دون إعــادة نشرهم سريعاً فى قطاعات اقتصادية أخــرى، ولكن هـذه الفترة االنتقالية مـرت فى النهاية.

وال يــزال اخلــوف مـن البطالة التكنولوجي­ة مـتـواجـداً ألنـه متأصل فـى عـدم اليقني بشأن خلق فرص عمل جديدة، كما أن قدرات اآلالت اجلديدة تساهم فى حتديد الوظائف املعرضة للخطر ولـيـس الـوظـائـف الـتـى لـم تظهر بعد، وهو أمراً يجب علينا تخمينه من خال مقارنة قدرات العمال واآلالت، التى غالباً ما ترجح كفة التقديرات التى تشير إلى فقدان العدد الصافى للوظائف.

ومع ذلك، لدينا أدلة كثيرة على براعة اإلنسان فى خلق وظائف جديدة، فعندما كتب كينز، كان قطاعا اخلدمات البريطانى واألمريكى ميتلكان

تـقـريـبـاً مــن الـعـمـال، وكــانــت قطاعات التوظيف مثل الصحة والرعاية وصناعات السفر والضيافة األوســـع نطاقاً ضئيلة، ولكن هذه القطاعات أصبحت توظف اليوم عدد عمال أكثر من قطاع التصنيع.

وكما قــال الرئيس األمـريـكـ­ى السابق جون كينيدى: «إذا كان الرجال لديهم املوهبة الختراع آالت جديدة تعطل الـرجـال، فهم لديهم أيضاً املوهبة إلعادة هؤالء الرجال إلى العمل».

وال يتمثل التحدى الذى تفرضه التكنولوجي­ات احلديثة فى توفير عدد أقل من الوظائف، بل فى امتاك عدد قليل من العمال للمهارات الازمة لشغلها، فمثلما تستفيد بعض الـوظـائـف من التكنولوجي­ات احلديثة بينما يصبح البعض اآلخر دون جــدوى، تصبح بعض املـهـارات أيضاً ذات قيمة أكبر بينما يصبح بعضها قابل لاستبدال.

كانت الوظائف املـهـددة فى املـراحـل األولـى من الروبوتات والذكاء االصطناعى روتينية أو معتمدة على معاجلة البيانات، فقد كـان نقل الصناديق الكبيرة فى املستودعات أو حتميل املنتجات الزراعية على الشاحنات أمراً سهًا، كما أنه ميكن لبرامج الذكاء االصطناعى إمتام مهام معاجلة البيانات، وكان ميكن االستعاضة مبحركات البحث وبضع الكلمات الرئيسية عن املحامى الذى يبحث فى سجات املحكمة عن السوابق ذات الصلة، ولكن فى اآلونة األخيرة، أصبحت حتسينات الذكاء االصطناعى تعرض الوظائف غير الروتينية للخطر أيضاً.

أما السؤال املتعلق بعدم املساواة، فمن الصعب معاجلته، فرغم أن االقتصاد جيد فى تقدمي إجابات واضحة على األسئلة التى تـدور حول كفاءة أسـواق العمل، إال أن فكرة عدم املساواة تكون على النقيض من ذلك متاماً فهى تتعلق باخليارات السياسية بشكل جزئى.

ويدل التحيز القطاعى للتكنولوجي­ات اجلديدة على إمكانية زيادة عدم املساواة بني األفراد عادة عندما تصبح تلك التكنولوجي­ات متاحة، فأولئك الذين ينجحون فى االستفادة منها بإمكانهم احلصول على مكافآت أعلى من بقية القوى العاملة.

ومع ذلك، ال ينبغى أن يدور السؤال الرئيسى حول ما إذا كان البعض يصبحون أثرياء للغاية، بل حول ما إذا كانت أجور األشخاص األقل مهارة مرتفعة مبا يكفى لتجنب الفقر، ولكن هذا األمر يعتمد جزئياً على سياسة الشركات، فرمبا ال تعمل املنافسة على زيــادة األجــور عندما تنمو الشركات بشكل كبير فى مناطقها املحلية.

ومتتلك الشركات فى العصر الرقمى خياراً يتعلق بإمكانية استخدام التكنولوجي­ا إلحال رأس املال مكان العمال واحلفاظ على انخفاض األجور أو استخدام التكنولوجي­ا لصالح عمالها بهدف حتقيق أربـاح طويلة األجـل، ففى احلالة األخـــيــ­ـرة تستفيد رفــاهــيـ­ـة الــعــمــ­ال أكــثــر من التكنولوجي­ا اجلـديـدة، ليس من خـال األجـور املرتفعة فقط، بل أيضاً من خال ظروف عمل ومعيشة أفضل.

وإذا ساهمت التكنولوجي­ات احلديثة فى زيادة عدم املساواة االقتصادية، ولكنها لم ترفع مستوى الفقر، رمبا تقرر بعض املجتمعات عدم اتخاذ أى خطوات جتاه األمر، فعلى سبيل املثال، يعتبر النفور من عدم املساواة أعلى فى الدول األوروبية من الواليات املتحدة، حيث متتلك أوروبا مجموعة برامج متنوعة للحد من أوجه عدم املساواة، ففى ظل وجـود الدعم الكافى لن يكون من الصعب وضع سياسات لتعويض التفاوت املتزايد، فقد اعتمدت الـدول االسكندناف­ية منذ فترة طويلة على الضرائب املرتفعة لتمويل برامج الدعم االجتماعى الواسعة النطاق.

وأياً كان موقف املجتمع من عدم املساواة، فإن النتيجة التى يجب جتنبها هى األجور الفقيرة أو االقتراب منها، وبالتالى رمبا يكون من الضرورى وجود حد أدنى إلزامى لألجور أو تقدمي إغراءات ضريبية ألرباب العمل لرفع األجور املنخفضة، فالهدف من اإلبداع التكنولوجى فى نهاية املطاف هو عدم إعطاء الناس سبباً ملقاومته.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Egypt