التغيرت المناخية تستحوذ على اهتمام شركات البترول تحت ضغط المستثمرين
تريليون دوالر أصول صناديق االستثمار املستدامة عامليا بزيادة %25
عندما أعلنت شركتا «بريتيش بتروليوم» و«رويال داتش شل»، عن خطط لخفض قيمة أصولهما بمقدار مليارات الدوالرات هذا الصيف استجابة لتداعيات تفشى وباء كورونا والتغيرات المناخية، كان العديد من أكبر المساهمين فى هذه الشركات يشعرون بتفاؤل كبير تجاه الضربة. فى الواقع، جاءت عمليات الشطب عقب نداءات عشرات مديرى األصول ممن ضغطوا بقوة على شركات البترول لتحديد أهداف خفض االنبعاثات الكربونية واالعتراف بالتأثير المالى الذى يمكن أن يحدثه التغير المناخى على عملياتهم.
وأوضـح املستثمرون أنه لم يكن لديهم وسيلة ملعرفة قيمة تأثير التغييرات املناخية على املدى الـطـويـل، إلــى أن مت وضعها بعني االعـتـبـار فى احلسابات املالية للشركات.
ودفع هذا الضغط شركتى «بريتيش بتروليوم» و«شـل»، بشكل جزئى لإلعالن عن شطب أصول بقيمة 17.5 مليار دوالر و22 مليار دوالر فى يونيو املاضى، إذ حذرت الشركات من أن الوباء قد عجل بالتحول إلى عالم ينخفض فيه الكربون وأسعار البترول، وفقا لصحيفة «فاينانشيال تاميز» البريطانية.
وقال رئيس متويل الشركات واإلدارة الرشيدة لـدى شركة «أم أنـد جى إنفيستمنتس»، روبـرت كريفتينج، إن مديرى األصول كانوا على يقني من
وضوح مطالبهم.. لذا طرحوا القرارات وتفاوضوا مــع شــركــات الــبــتــرول حــول ظــاهــرة االحـتـبـاس احلرارى.
ويتزامن ظهور صناعة الصناديق كمدافعني عن املـنـاخ، مع النمو السريع لالستثمار البيئى واالجتماعى واملؤسسى، وهو فرع من إدارة األموال يهدف إلـى النظر إلـى ما وراء املقاييس املالية التقليدية.
ودعــت شخصيات استثمارية بـــارزة، مبـا فى ذلك رئيس «بالك روك»، الرى فينك، إلى أهمية االسـتـثـمـار املـسـتـدام مــع التحذير مــن مخاطر االحتباس احلرارى والسلوك السيئ للشركات فيما يخص العائدات املالية.
ورغم أن تركيز صناعة االستثمار اجلديد على احلوكمة البيئية واالجتماعية وحوكمة الشركات قد نُظر إليه بقدر كبير من الشكوك، مع وجود اتـهـامـات منتظمة مبــا يسمى بـظـاهـرة الغسل األخضر- أى تضليل املستهلكني حول املمارسات البيئية للشركة أو الفوائد البيئية ملنتج أو خدمة ما- تشعر الشركات فى العالم بأسره اآلن بضغط لـم يسبق لـه مثيل مـن املساهمني بشأن قضايا متنوعة، بداية من االحتباس احلرارى وحتى حقوق اإلنسان.
حتى أكثر مديرى الصناديق، بــدأوا فى إيالء االهتمام لقضايا احلوكمة البيئية واالجتماعية واملــؤســســيــة، بـسـبـب كــل مــن طـلـبـات الـهـيـئـات التنظيمية واملستثمرين.
وتــوافــد املـسـتـثـمـرون فــى صـنـاديـق التقاعد ومستثمرو التجزئة فـى األعـــوام األخــيــرة، على االستثمار فى صناديق املعايير البيئية واالجتماعية واحلوكمة، فى ظل بحثهم عن منتجات استثمارية حتقق نتائج جيدة وتدر عائدات.
وقالت مديرة حوكمة الشركات لدى مؤسسة «رويــال لندن أسيت ماجنمنت» للتمويل ومقرها اململكة املتحدة، أشلى هاملتون كالكستون، إن كل طلب لتقدمي العروض تقريبا، والــذى يرسله مالكو األصــول مثل صناديق التقاعد، ملطالبة مديرى األصـول بتقدمي عطاءات لإلشراف على أموالهم، يتضمن اآلن أسئلة حول احلوكمة البيئية واالجتماعية واملؤسسية، التى ينمو االهتمام بها بشكل كبير.
ورغم تفشى الوباء، وصلت األصول فى صناديق االستثمار املشتركة املستدامة على مستوى العالم إلـى أعلى مستوياتها على اإلطــالق، فقد بلغت تريليون دوالر خالل الربع الثانى، بزيادة %25 فى األشهر الثالثة األولى من عام 2020 وفقا ملزود البيانات «مورنينج» ستار»- وفى املقابل، ارتفعت األصــول فى جميع صناديق االستثمار املشتركة عامليا بنسبة %13 لتصل إلى 35 تريليون دوالر.
فى الوقت نفسه، تعزز صعود صناديق املعايير البيئية واالجتماعية واحلوكمة من خالل اللوائح اجلـديـدة، بينما تــدرس الـواليـات املتحدة حاليا تقييد استخدام تلك الصناديق فى االستثمار فى التقاعد، أما صناديق املعاشات التقاعدية السارية اآلن فى اململكة املتحدة.. فيتعني عليها النظر فى قضايا االستدامة.
فى أوروبــا، ستساهم حزمة التمويل املستدام البارزة التى أعلنها االحتـاد األوروبــى، املقرر أن تدخل حيز التنفيذ فى مـارس ،2021 فى وضع صناديق االستثمار موضع فحص وتدقيق بشكل لم يسبق له مثيل، فى حني أنها ستدفع مديرى األصول أيضا إلى إدراج مخاطر احلوكمة البيئية واالجتماعية وحوكمة الشركات ضمن عملية صنع القرار لديهم.
وفـى ظل زيــادة الطلب على صناديق املعايير البيئية واالجتماعية واحلوكمة، قام مديرى األصول بتعيني موظفني جدد وأطلقوا صناديق جديدة.
حتى أن الوباء لم يبطئ النمو، إذ طرح مديرى الصناديق فـى أوروبـــا فقط مـا يصل إلــى 107 صناديق مستدامة جديدة فى الربع الثانى من العام احلالى، وفًقا ألرقام «مورنينج ستار».
ويعتقد الرئيس التنفيذى لشركة «ستوربراند أسيت ماجنمنت» إلدارة األصول فى دول الشمال األوروبــى، جان إريك سوجستاد، أن االجتـاه نحو االستثمار املستدام قد يصبح أقــوى، مع خروج العالم من الوباء، مشيرا إلى أن العالم بحاجة إلى انتعاش متوازن.
وفى ظل دفاع العديد من مديرى األصول اآلن عـن احلوكمة البيئية واالجتماعية واملؤسسية، تشعر الشركات بضغط من املساهمني.
وقال كريفتينج، من «أم أند جى إنفيستمنتس»، إن العديد من شركات البترول األوروبية انتقلت من عدم مناقشة تغير املناخ إلى حد كبير إلى حتديد هــدف لتصبح محايدة فيما يخص االنبعاثات الكربونية والنظر فيه فى بياناتها املالية وذلك فى غضون عامني فقط.
ولكن فى أماكن أخرى من العالم، أعلنت شركات مثل «بى.إتش.بى بيليتون» عن خطط للتخلى عن الفحم، بعد ضغوط املساهمني وكذلك احلكومات ونشطاء املناخ.