Deutsche Welle (Arabic Edition)

عبور صربيا.. إذلالال وعنف متزايد على الحدود الأوروبية

-

يسيطر دوي الريح على المكان ضاربا أوراق نباتات وأعشاب باهتة اللون ممتدة على طول سياج لالا تبدو نهايته واضحة ويتجاوز ارتفاعه ثلالالالال­الاثة أمتار، يبرز فجأة وقع خطوات ثقيلة متتابعة كاسرة السكون الذي يعم الألأرجاء، يتقدم شاب بحذر بينما يتجاوز الألأشجار المصطفة إلى جانب طريق عام يندر مرور السيارات عبره، يطلق تنهيدة قبل أن تخرج الكلمات من فمه متسارعة "انهال عليّي حرس الحدود الروماني بالضرب بعدما تتبعتني دورية الشرطة، نزل من السبور صربيا.. مهاجرون يواجهون في بلغراد إنهاكا وخدمات شبه معدومةيارة أحد العناصر ولحق به زميله الذي بدأ بتوجيه ركلالالالا­لالات واستخدام هراوة كان يلوح بها عاليا قبل أن ينزلها بقوة على جسدي، دفعني وأجبرني على العودة من حيث أتيت".

كان محمد يعبر قرية رابيه شمال صربيا عائدا من الحدود الرومانية ولم يكن مضى على تعرضه لهذا العنف الجسدي سوى ساعات قليلة حينما التقى بفريق مهاجرنيوز، ليضيف تجربته تلك إلى قائمة عشرات المحاولات الفاشلة بعبور المثلث الحدودي المشترك بين صربيا وهنغاريا ورومانيا. إذ تجذب هذه المنطقة الكثير من المهاجرين، لعدم وجود سياج بين صربيا ورومانيا، بل مجرد مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والغابات.

أرتدي خمسة سراويل للتخفيف من شدة ألم الضربات

أما على الخط الحدودي بين صربيا وهنغاريا، شيدت السلطات منذ العام 2017 سياجا على طول الحدود الممتدة على مدى 175 كيلومترا، مزودا بكاميرات حرارية وأجهزة إنذار. وبالتالي من أجل تجنب هذا الحاجز يعبر المهاجرون المثلث الحدودي من صربيا إلى رومانيا، ومنها إلى هنغاريا، إذ لا يفصل بين هاتين الدولتين الأوروبيتي­ن أي سياج.

وتحولت صربيا خلال الفترة الأخيرة إلى بلد عبور رئيسي على خارطة طريق دول غرب البلقان، ويقدّر وجود حوالي 10 آلاف مهاجر، لا سيما في المدن الحدودية شمال البلاد.

"لم أصدق أن الشرطة الهنغارية ستجبرني على العودة إلى صربيا بعد أن قطعت كل هذه المسافة وصولا إلى بودابست"

يعد اجتياز الحدود الرومانية الصربية العائق الأول أمام المهاجرين في رحلة عبورهم من صربيا، وإن تمكنوا من الإفلات من دوريات الحرس الروماني، تبقى الطريق أمامهم طويلة، وعليهم تجاوز حرس الحدود الهنغاري أيضا.

أكرم شاب سوري نجحت محاولته في اجتياز الحرس الروماني والدخول إلى الأراضي الهنغارية، "كنت بدأت أشعر بالارتياح قائلا لنفسي وأخيرا نجحت المحاولة وبت أقترب من هدفي

لكني في الوقت نفسه سمعت الكثير عن عنف حرس الحدود الهنغاري، لذلك قررت إكمال المشي لأبتعد قدر الإمكان عن المنطقة الحدودية"، واتبع الشاب سكة القطار سيرا على الأقدام وصولا إلى مدينة سزجد (Szeged) التي تبعد أكثر من 20 كيلومترا عن الحدود "كنت بدأت أشعر بالأمان، فقررت دخول المحطة وركوب القطار، لكن ما لم أتوقعه أن أجد الشرطة الهنغارية في المحطة. أوقفوني على الفور".

الشاب السوري فراس يقول إن حرس الحدود الروماني حطم هاتفه المحمول. الصورة: مهاجرنيوز

يقول الشابإن الشرطة الهنغارية اقتادته وسلمته إلى دورية أخرى قرب المنطقة الحدودية، حيث بدأ العنف، "قام أحد العناصر بدفعي وإمساكي بقوة وتفتيشي جسديا بطريقة مهينة. ثم أتوا بثلاثة أشخاص سوريين آخرين ربما أمسكوهم أيضا في محطات القطار المجاورة. بعد ذلك وضعونا برفقة حوالي 30 شخصا آخرين في حافلة وصولا إلى الحدود الصربية. التقطوا صورنا وسجلوا بصمات أيدينا، ومن ثم احتجزونا في غرفة لا تتجاوز مساحتها ثمانية أمتار ولم يكن لها سقف. بدت وكأنها جزء من بناء سجن صغير. تعرضنا هناك للضرب أيضا. ومن ثم فتحوا الباب وأمرونا بالخروج. مشينا قليلا ووجدنا أنفسنا داخل الأراضي الصربية من جديد".

لم يكن أكرم الشاب الوحيد الذي تحدث عن إعادته قسريا من هنغاريا إلى صربيا، فالشاب كامل كان أقرب إلى النمسا من صربيا، حين أوقفته الشرطة الهنغارية برفقة ثلاثة شباب مغاربة قرب العاصمة بودابست، ومثل أكرم اقتادتهم الشرطة إلى الحدود وتكرر مشهد العنف والإعادة القسرية من جديد، "لم أصدق أن الشرطة ستجبرني على العودة إلى صربيا بعد أن قطعت كل هذه المسافة وصولا إلى بودابست. فها أنا سأبدأ الرحلة من جديد مصمما على العبور، وسأعاود الكرة فلا يوجد لدي حل آخر".

مهاجران يتتبعان سكة القطار شمال صربيا أملا بالعبور إلى هنغاريا. الصورة: مهاجرنيوز

إصرار أكرم على العبور قد لا يكون مشتركا لدى الجميع، فاليأس تمكنّ من محمد بعد أن أمضى حوالي شهر على هذه الحدود، وفور مرور أحد المنظمات المحلية التي تقدم الدعم للمهاجرين، توجه إلى إحدى المتطوعات مستعلما عن كيفية العودة إلى تركيا.

الهالات السوداء هيمنت على محيط عيني محمد ويبدو أن النوم لم يزر جفونه منذ أيام، "أشعر وكأني سأموت هنا. لم أعد أقوى على البقاء". فالشاب السوري الذي أمضى الأعوام الثمانية الماضية في تركيا، كان يأمل ببدء حياة استقرار جديدة في أوروبا، لكن أمله تبدد بعد أن أنفق وفقد كل ما كان يملك من أموال وفرها خلال الأعوام الماضية.

يحاول صديقه تهدئته وإقناعه بالعدول عن هذه الخطة المتهورة، محاولا تذكيره بانعدام الأمان في تركيا والخوف الذي كان يتملكهم من الترحيل إلى سوريا، لكن محمد لم يكن قادرا على سماع أي مما كان يقوله صديقه، فتركه يكمل حديثه واتجه مسرعا نحو المخيم الرسمي في مدينة سوبوتيكا المجاورة لطلب المساعدة من منظمة الهجرة الدولية لإعادته إلى تركيا.

حوالي 100 شاب سوري في قرية ميدان الحدودية بين صربيا ورومانيا وهنغاريا. المصدر: مهاجرنيوز إصابات ناجمة عن عبور الحدود في مدن سوبوتيكا وسومبور، حيث يوجد مخيمان رسميان مكتظان، هناك أيضا محاولات للعبور من صربيا إلى هنغاريا عبر السياج الحدودي، لكن المهاجرين يتعرضون أيضا لعمليات إعادة قسرية.

إلى جانب أحد البيوت المهجورة في القرى الحدودية كانت تسير نوال بحذر ممسكة بيد زوجها، ترتدي سترة واسعة، ورغم كونها حامل في شهرها السادس إلا أنه من الصعب ملاحظة ذلك "لا يوجد طعام كاف لكننا نحاول تدبر أمرنا"،تقولها الشابة التونسية بصوت خافت هادئ وكأنها تريد الحفاظ على ما تبق لها من طاقة جسدية، "وقعت على بطني أثناء محاولتي عبور السياج على الحدود الهنغارية منذ يومين. وسخر مني حرس الحدود الهنغاري وبدأوا بتوجيه أضواء مصابيحهم اليدوية في أعيننا وإطلاق الشتائم".

وفي قرية هورغوش الحدودية حيث يوجد تجمع كبير لمئات المهاجرين المتوزعين بين البيوت المهجورة والأشجار، يجلس الشاب الجزائري أحمد ذو الـ23 عاما إلى جانب صديقه الذي يتكأ على عكازة فيما تحيط قدمه اليسرى جبيرة بيضاء، يقول الشاب إنه حاول اجتياز السياج الهنغاري أربع مرات، لكن حرس الحدود كانوا يمنعوه من إكمال طريقه في كل مرة، "كانوا يضربوننا خلف رؤوسنا وكأننا حيوانات".

السياج الحدودي بين صربيا وهنغاريا. الصورة: مهاجرنيوز

تحذر المنظمات الإنسانية في شمال صربيا من زيادة العنف أثناء عمليات الصد، ونشرت شبكة توثيق العنف (BVMN) بيانا مشتركا مع منظمات أخرى يوم الثلاثاء الماضي، قالت فيه إن الفرق الطبية شهدت أكثر من "200 حالة" لإصابات ناجمة عن عبور الحدود، مثل "الكسور والخلع والأورام الدموية والتمزقات التي تتوافق مع تقارير الاعتداءات الجسدية باستخدام الأحذية والهراوات والأحزمة والرصاص المطاطي والصدمات الكهربائية، بالإضافة إلى السقوط من السياج الذي يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار على طول الحدود الصربية المجرية".

إلى جانب الإصابات الجسدية، وثقت المنظمات "المعاملة السيئة والمهينة التي ارتكبتها قوات الحدود الهنغارية، والاستخدام المكثف لرذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع (...) وتهديدات بالقتل (...) وأشكال إذلال مشحونة بالعنصرية بما في ذلك الحلاقة القسرية للرأس والحرمان من الطعام والماء والملابس

وسرقة وإتلاف المتعلقات الشخصية أو منع المساعدة الطبية للجرحى".

دانا البوز، موفدة مهاجر نيوز إلى شمال صربيا

أصبح نقل اللاجئين هو العمل الأسرع نموا في منطقة البلقان. أشخاص محليون مثل الألباني ليريدون بيزازلي، الذي يعيش في كوسوفو، يقفون خارج مخيم بريسيفو للاجئين ليبيعوا تذكرة الحافلة إلى كرواتيا مقابل 35 يورو (39 دولارا)ً. ويقول بيزازلي إنه لا يكسب أكثر من ثمانية يورو في اليوم من عمله في إحدى الحانات، في حين يجلب له بيع تذاكر الحافلات من 50 إلى 70 يورو يوميا.

وبغض النظر عن المكسب، يقول بيزازلي إنه غير فخور بوظيفته، وإنه يتفاوض من أجل أن يركب اللاجئون مجانا، وخاصة العائلات التي معها أطفال، وليس لها قدرة على تحمل ثمن التذاكر. ويضيف: "كنت لاجئا أيضا، لذلك أنا أعرف. يجب أن يكون ركوب الحافلات مجانا، فأوروبا تعطي صربيا المال لمساعدة اللاجئين، لكن حكومتنا لا تفعل الكثير."

المؤسسات التجارية القريبة من مخيمات اللاجئين مددت ساعات عملها لمواكبة الطلب بسبب تدفق حتى عشرة آلاف لاجئي جديد يوميا مثلما هو الحال في بريسيفو. محلات البقالة والمطاعم ممتلئة باستمرار بالزبائن. وتضاعفت الأسعار، ووصلت أحيانا إلى ثلاثة أضعاف. ويقول بيزازلي: "أنا لم أر أبدا في أي مكان آخر في صربيا سعر الهامبورغر مرتفعا بهذا الشكل."

أول ما يبحث عنه اللاجئون غالبا، غير المواد غير الغذائية، هو شريحة تليفون للاتصال بالأقارب والأصدقاء. ونتيجة لذلك، فإن عددا لا يحصى من السكان المحليين يقومون ببيع البطاقات التليفونية بالقرب من المخيمات. لكن هناك أيضا بيع لبضائع أخرى مثل عربات كبار السن أو من لديه مشاكل في التنقل، مثل هذه المرأة الكردية من سوريا.

مع دخول فصل الشتاء وتزايد العواصف المطيرة، يواصل العديد من اللاجئين رحلتهم بدون أحذية. وبسبب ذلك يعانون من أمراض خطيرة في الأقدام والتهابات جلدية، وفقا لستيفان كورديز، المنسق الميداني لمنظمة أطباء بلا حدود في جنوب صربيا .(MSF) وهنا وجد عدد من السكان المحليين الفرصة لكسب المال عن طريق بيع الأحذية والجوارب بالقرب من مخيمات اللاجئين.

يتحتم على البلدان الواقعة على طريق المهاجرين في البلقان تسجيل الوافدين الجدد. وفي بعض الأحيان يتسبب ذلك في خلق طوابير طولها كيلومترات. ووفقا لمتطوعة من بريسيفو اسمها دانييلا غابريل، فإن بعض سائقي الحافلات يجمعون أوراق التسجيل من المهاجرين، الذين ينقلونهم إلى كرواتيا ومن ثم يعيدون بيعها للأشخاص الذين لا يريدون الوقوف في الطوابير.

وتقول غابريل إن بعض سائقي الحافلات وسيارات الأجرة يقومون حاليا

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Germany