Deutsche Welle (Arabic Edition)

بالتعاون مع ألمانيا.. هكذا تحمي تونس شواطئها من التآكل!

-

شواطئ طويلة ذات رمال بيضاء، وأطفال يلهون وسط المياه العذبة، والالاسترخ­اء على كرسي الشاطئ تحت أشعة الشمس الذهبية: هذه الصورة هي التي نتخيلها غالبا عندما نفكر في العطلة. كما أن العديد من البلدان المطلة على البحر الألأبيض المتوسط، تعمل على بناء هذه الصورة الذهنية عنها والترويج لها عبر إعلالالالا­لالاناتها وتعد بذلك زوراها بقضاء عطلة لالا تنسى.

تونس من بين هذه البلدان التي تتبع النهج نفسه، لكن الوفاء بهذا الوعد قد يتطلب من هذا البلد المغاربي قدرا كبيراً من الجهد والعمل. فمنذ حوالي عشر سنوات، تحاول تونس حماية سواحلها من آثار تغير المناخ حتى لا تختفي الشواطئ ذات الرمال البيضاء الناعمة الجميلة بفعل عوامل التآكل. وهناك الكثير مما يجب القيام به، إذ يبلغ مجموع طول سواحل تونس حوالي 1100 كيلومتر. خطر تآكل الشاطئ "اليوم أنا في مزاج يشجع على قضاء إجازة صيفية"، بهذه العبارة تستهل سيدة شابة حديثها قبل أن تطأ قدماها إحدى البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط، في هذا الفيلم الترويجي من قبل وزارة السياحة التونسية. في الإعلانات، قد يكوّن المرء انطباعا معيناً عن ما قد يصادفه، حتى ولو أن تونس تمتلك هذه الشواطئ الجميلة فعلا. ولكن الواقع مختلف للغاية.

هشام بوعوينة، مالك أحد الفنادق المطلة على البحر في تونس، يقول "مساحة الشاطئ كانت أكبر من قبل، إذ كان بإمكاننا لعب كرة القدم هنا. ولا يزال هناك متسع كبير للجميع". تمتلك عائلته فندق ‪Dreams Beach‬ في مدينة حمام سوسة، التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط في منتصف الطريق تقريبا بين العاصمة تونس في الشمال وجزيرة جربة جنوبا.ً

يطل هذا الفندق على الشاطىء مباشرة، وتم بناؤه على قطعة أرض كانت لفترة طويلة ملكية عائلية. في مدينة حمام سوسة الساحلية، نفذت وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي APAL)،( أحد المشاريع الخاصة ضد انجراف الشواطئ بالتعاون مع ألمانيا. وفي هذا الصدد يشرح المدير الفني للمشروع، محمد علي تركي كيف يعمل هذا المشروع، فيقول "لقد عانى هذا الشاطئ من أضرار جسيمة - فقد تآكل بسبب مياه البحر شيئا فشيئا. لكن عند استخدامنا حواجز الأمواج، عاد إلى طبيعته من جديد" . سباق مع الزمن! لكن إعادة الشاطىء إلى طبيعته تطلبت الكثير من العمل والجهد. في البداية توضع حواجز الأمواج تحت الماء، أو كما يطلق عليها أيضا "رباعي الأرجل". وذلك لأنها عبارة عن كتل خرسانية بأربعة "أرجل"، تبرز بشكل متساوٍ من جميع الجوانب. لكن الكثبان الرملية تحتاج أيضا إلى حماية بواسطة أسوار مصنوعة من خشب الصنوبر. الصخور الموجودة في قاع البحر تعتبر حواجز طبيعية على بعد بضعة كيلومترات جنوباً في البحر من أجل حماية الشاطئ من عوامل التآكل.

تعمل تونس منذ حوالي عشر سنوات على مواجهة تآكل سواحلها بسبب آثار تغير المناخ. في مؤتمر المناخ العالمي عام 2015 في باريس، أعلنت تونس أن من بين أهدافها ضمن حماية المناخ هو التركيز على حماية سواحلها أيضا.ً

حوالي 75 بالمائة من سكان تونس يعيشون على السواحل

وآثار تغير المناخ على الساحل التونسي قد تكلف الكثير، حيث قد يرتفع مستوى سطح البحر 50 سم حتى عام 2050، وعواقب ذلك الوخيمة ليس على السياح فقط، وإنما على ملايين التونسيين. ويقول محمد علي تركي، من وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي (APAL) "لطالما كان البحر مكان جذب للبشر. وتونس هي دولة تعتمد بشدة على البحر، إذ أن 75 بالمائة من السكان يعيشون على الساحل. ومع ارتفاع مستوى سطح البحر، يهدد تغير المناخ سبل عيشهم. من ناحية أخرى، هناك خطط تنموية وضغوط سكانية في المدن الكبرى، لذلك إن لم نفعل شيئا، سوف يتآكل هذا الامتداد من الساحل ويبتلعه البحر في النهاية".

تأمل تونس الآن أن تعمل بشكل أسرع بما يكفي، لإنقاذ سواحلها التي يبلغ طولها حوالي 1100 كيلومتر. لا يعيش جزء كبير من السكان هنا فحسب، بل يدر هذا الساحل على البلد أيضاً معظم دخله. فالسياحة أمر حيوي ولكي تستمر الشواطئ في جذب السياح، هي بحاجة للحماية.

مالك الفندق، هشام بوعينة، لا يزال يروج للسياحة في حمام سوسة - على امتداد الشاطئ، ويقول "يمكن لكل سائح الاستفادة من أكبر مساحة ممكنة من الشاطئ والاستمتاع بعطلته هنا". سيباستيان فيلسر/ إ.م يوما بعد يوم، تتزايد مخاوف العلماء من التأثيرات الكارثية لارتفاع حرارة كوكب الأرض والتغير المناخي. ومؤخرا،ً حذرت دراسة جديدة نشرت بعض خلاصتها صحيفة الغارديان البريطانية من أن الاحتباس الحراري قد يتسبب في حدوث تغيير جذري في محيطات العالم لدرجة قد تهدد بانقراض جماعي للأنواع البحرية ليصبح الانقراض الأكبر من نوعه في تاريخ كوكب الأرض. الصورة يظهر الحاجز المرجاني العظيم في استراليا.

يتسبب تسارع تغير المناخ في إحداث تأثير "عميق" على النظم البيئية للمحيطات " قد يؤدي إلى تزايد مخاطر الانقراض. يقول العلماء إن الأمر قد يبدأ في الحدوث مع انخفاض الثراء البيولوجي والتنوع البحري وهو ما لم يحدث في تاريخ الأرض منذ عشرات الملايين من السنين.

ترتفع درجة حرارة مياه البحر في العالم بشكل مطرد بسبب حرق الوقود الأحفوري، وانبعاثات النشاطات الصناعية بينما تنخفض مستويات الأكسجين في المحيط وتتزايد حموضة المياه بسبب امتصاص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

مع ارتفاع حرارة المحيطات تنخفض نسب الأكسجين بشكل يؤثر على قدرة الكائنات البحرية على التنفس. تضاعف حجم مياه المسطحات المائية المستنفدة من الأكسجين بقدر يصل إلى 4 مرات منذ ستينات القرن العشرين. لم تعد كائنات كالمحار وبلح البحر والجمبري قادرة على تكوين أصداف بشكل صحيح بسبب ارتفاع حموضة المياه، كما اختنقت الأسماك في عشرات الأماكن. هذا يعني أن الكوكب يمكن أن يصل لمرحلة "انقراض جماعي" للكائنات البحرية.

تقول الدراسة المنشورة في مجلة ساينس ‪Sci ence‬إن ضغوط ارتفاع حرارة البحار والمحيطات وفقدان الأكسجين تذكر بحدث الانقراض الجماعي الذي حدث منذ حوالي 250 مليون عام. أدت هذه الكارثة، المعروفة باسم "الموت الكبير"، إلى زوال ما يصل إلى 96٪ من الحيوانات البحرية من على كوكب الأرض.

يشير البحث الجديد إلى أنه قد يتم الوصول إلى مستويات انقراض كارثية إذا أطلق العالم غازات الدفيئة بشكل غير مقيد، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب بأكثر من 4 درجات مئوية من متوسط درجة الحرارة التي كانت عليها الأرض في أوقات ما قبل الصناعة وذلك بحلول نهاية القرن الحالي. من شأن ذلك أن يؤدي إلى انقراض أنواع حية قد تعيد تشكيل الحياة في المحيط لعدة قرون أخرى.

لكن حتى في أفضل السيناريوه­ات، لا يزال العالم على وشك فقدان جزء كبير من الحياة البحرية. فعندما ترتفع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين بأعلى مما كانت عليه قبل عصر الصناعة، وهو ما يُتوقع أن يحدث حتى في ظل التعهدات المناخية الحالية من قبل حكومات العالم، سيتم القضاء على حوالي 4 ٪ من إجمالي نحو مليوني نوع من الكائنات البحرية في البحار والمحيطات.

وفقًا للدراسة، تعتبر الأسماك والثدييات البحرية التي تعيش في المناطق القطبية أكثر عرضة للخطر، لأنها لن تكون قادرة على الهجرة إلى المناخات الأكثر برودة، على عكس الأنواع الاستوائية، ولن تجد تلك الكائنات مكان تذهب إليه.

يؤدي خطر تغير المناخ إلى تعاظم الأخطار الرئيسية الأخرى التي تواجهها الحياة المائية، مثل الصيد الجائر والتلوث. وجدت الدراسة أن ما بين 10٪ و 15٪ من الأنواع البحرية معرضة بالفعل لخطر الانقراض بسبب هذه التهديدات المختلفة بحسب بيانات الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة.

يقول العلماء إن مستقبل الحياة في المحيطات يعتمد بقوة على ما نقرر فعله مع غازات الدفيئة اليوم. وبناء على ذلك سيتحدد شكل المحيطات في المستقبل: إما مساحات مائية شاسعة شبه خالية من أي حياة أو محيطات تحتفظ بما بها من كائنات بحرية. يعتمد ذلك على نجاحنا في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. إعداد: عماد حسن

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Germany